شكوى بحق رسول السلام السوري…المفتي حسّون أجلُّ من شكواهم!
هاني الحلبي
هذا عنوان خبر نشرته «الوطنية»، أول أمس الخميس، «شكوى إلى النيابة العامة التمييزية ضدّ مفتي سورية»، وفي التفاصيل «تقدّم المحامي طارق شندب بوكالته عن عدد من السوريين المقيمين في لبنان اليوم، بشكوى لدى النيابة العامة التمييزية ضدّ مفتي سورية أحمد حسون، طالباً توقيفه قبل مغادرته الأراضي اللبنانية في جرم التحريض على ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب، وطلب من القضاء الإسراع في إعطاء الأمر إلى السلطات الأمنية لتعميم اسم المفتي حسون على الحدود قبل مغادرته لبنان. وستُعرض هذه الشكوى على النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود لاتخاذ القرار بشأنها».
الموكلون سوريون مقيمون في لبنان، الوكيل المحامي طارق شندب، المدّعى عليه مفتي الجمهورية العربية السورية الدكتور الشيخ أحمد بدر الدين حسون. والمفتي حسون من مواليد حلب سنة 1949، يحمل إجازة في الأدب العربي، ودكتوراه في الفقه الشافعي من جامعة الأزهر، وعُيِّن مفتياً لحلب العام 2002، وهو عضو مجلس الإفتاء الأعلى في سورية، وعضو مجلس الشعب للدورتين التشريعيتين السابعة والثامنة الحالية، وخطيب في جامع الروضة بحلب. وهذا يكفي ليتروّى أيّ عاقل في الادّعاء على مَن في مستواه، فكيف أن يتّهمه بما يتّهمه به!
وفي مناقشة مضمون المنشور، هناك الكثير ليُقال، والأكثر منه ما يُوجع، ولكن:
ـ بطبيعة مهمة القضاء الدستورية أن يستقبل شكاوى ومشتكين ويفصل فيها إما للحكم او للردّ شكلاً أو مضموناً أو للإثنين معاً.
ـ وبطبيعة مهمة المحامي، أن يتمّ تكليفه من موكل أو موكلين للدفاع عن حق مقرّ شرعاً وقانوناً، بغضّ النظر عمّن هو المحامي المكلّف وأسباب قبوله التكليف لغير الناحية المهنية، ومدى صدقية قناعته بالأسباب الموجبة للاشتكاء. وبخاصة أنّ الخبر لم يتضمّن أية تفاصيل وازنة يمكن تعليل الشكوى على أساسها، بل مما يدعو للاستهجان أن يتهم رسول المحبة والسلام السوري إلى لبنان، بارتكاب جرائم حرب والتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية!
ـ أما الموكِّلون فقد صنّفوا أنفسهم، واتهموها بما فعلوا، بغضّ النظر عن رأي المحكمة وحكمها في شكواهم وكيفية تناولها للشكوى إذ لا عادة الحكم على أيّ شكوى قضائية لا يتمّ بحسب ما فيها من حق أو تضليل، بل بما يحيط بها من ظروف وأغراض ودوافع تسندها قوى مال ونفوذ وسلطة وجريمة وخيانة. فبرأت محاكم عليا خونة وخوّنت مقاومين، حتى اشتبه على العقلاء.
ـ أما كيف استجمع هؤلاء الموكِّلون «حيثيات» شكواهم، وكيف تحصّلت لهم «قرائن» تستحق ان تدوَّن وتقدّم لمحكمة محترمة ويمكنها أن تصحّ لـ«تدين» صاحب السماحة المفتي أحمد بدر الدين حسون، فهنا السؤال. وبديهي أنّ مَن كان عالماً أباً عن جدّ، وصوفياً ابن صوفي، وفقيهاً حلبياً أصيلاً وسورياً نبيلاً، صمد طوال سنوات مديدة ضدّ أعتى الهجمات التي طاولته في روحه وفي قلبه وفي نفسه وفي أسرته وفي وجدانه، فثلّمته تثليماً، وما انحنى ولا انحرف، فاعتصم بحبل ربه وإسلامه وساد على حسّاده ومغرضيه، فكانوا غباراً هباء على قامته الطود كحلب المستعادة للحرية السورية هذا الأسبوع، وكقاسيون الذي لم ينحن قط لغاشمين ولغزاة.
ـ إذا كانت «حجّتهم» أنه قال نهار الإثنين في 27 حزيران العام 2011 إنّ متطرفين من السعودية ومصر ودول أخرى يشاركون في التظاهرات في سورية، وحمّل في تصريح آخر أيادي خارجية مسؤولية الاندساس في التمرّد حينذاك وإثارة فتن وتخريب الأملاك العامة والخاصة وتهديد سلامة المواطنين ورجال الأمن وحفظ النظام، فإنه بقوله ورؤياه أصاب كبد الحقيقة لا جواره. وها هي الوقائع تتداعى فضيحة فضيحة، لتظهر فضاحة التدخل السعودي القطري، تحديداً، واستطراداً التركي والصهيوني، في دكتيلو متوزّعة الأدوار والمهام، تمويلاً ودعماً وتدريباً وقيادة وإدارة عمليات، في «غرفة عمليات هاتاي» في تركيا وفي «غرفة عمليات الموك» في عمّان، وفي بيروت، وفي تل أبيب، وغيرها من غرف عمليات سرية أخرى… لتسقط الأقنعة ولتؤكد أنّ سماحته بقوله حينذاك كان بدافع مسؤوليته كشخصية سورية شرعية ووطنية عامة لا يمكنها السكوت وإغفال الحقيقة ومواراتها خلف الدهون والتلوينات والتزيينات المنافقة. واجبه أن يقول الحقيقة الحقيقة كلها في كلّ آن. بل بلغ درك التدخلات الأجنبية، ليلغو «جُبيرهم» بأنه «ليس مسموحاً للأسد البقاء في الحكم»، منها تحت يافطة عروبة ملفقة ومدّعاة ومنها تحت يافطة إسلام سلطاني سياسي صلّى المؤمنون وصاموا قروناً حتى زال وتخفف نير انحطاطه عن رقابهم وعقولهم وقلوبهم ليروا النور ويحيوا الحياة!
ـ هل ارتكب المفتي حسون جرائم حرب وحرّض على جرائم ضدّ الإنسانية، وهو القائل: «علينا أن نعمل على التقريب بين المذاهب على أساس أنها مدارس فكرية تكمل بعضها بعضاً وليس على أساس أنها مذاهب تتصارع مع بعضها البعض». وأيضاً «منذ سنين والتكفيريون يبثون الكراهية ونحن في حالة صمت، أما آن الأوان أن نقول الحقيقة. فنحن نحتاج إلى حسم وحزم في بناء شخصية مسلمة جدية تؤمن برسالة سيد المرسلين: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». وعن كرامة دماء سورية وأبنائها رأى أنّ «دماء شهداء سورية ستكون نوراً لسورية وناراً على أعدائها، ومن أشعل النار في أرض سورية أحرقته هذه النار في أرضه»… وغيرها كثير من نفحات طيب ورسالة حب وتقوى ووطنية خالصة… العبارات مقتبسة من صفحة باسم سماحته على موقع فيسبوك .
ـ وأنا شاهد عيان وسَماع، بعيني شاهدتُه وأدمعت وبأذني سمعتُه وما تمنيتُ أن يسكت قط، ذاك السلسبيل الزلال من الأبوة والحنان والعاطفة والنبل والسماحة والبلاغة ولو في حضرة شهادة ابنه سارية حسون البالغ من العمر 21 ربيعاً، أردَتْه رصاصات غادرة، وتداولت إشاعات كثيرة، لكن سارية استشهد وأبّنه والده سماحة المفتي بأبلغ ما يقوله أب في مواراة ابنه الشاب. قال: «دمك في يد الله وليس في يدي وابتهل لله العلي، وهو على كلّ حرف شهيد، أني أسامح بدمك يا بني، فداء لسورية. فتعالوا إلى كلمة سواء». والله لم يبق أحد حاضراً ذاك المقام إلا وبكى، حتى لأظن أنّ روح سارية كشفت في الوالد المحتسب ما لم تكن تعرفه، إذ لا يُعرف العظام إلا في ساعة مستجابة، بينما في غيرها يبقى الناس لا فاضلاً ولا مفضولاً.
ـ هل مَن يسامح في دم ابنه الشهيد ويدعو المتحاربين كافة، دولة ومتمرّدين، إلى السلام والصفح والترفّع لأجل سورية، هو داعية كراهية ومجرم حرب ومحرّض على جرائم ضدّ الإنسانية! عن أية إنسانية يتكلم هؤلاء؟ أما إذا كانت الشكوى لرفع سيف التهويل على إرادة التواصل السورية واستباقاً لعودة العقل إلى السياسة اللبنانية الرسمية، فإنّ هذا السيف مفلول ومن ورق مقوّى. وكما لم تُعق عارضة على جديدة يابوس والعريضة شرايين الحياة بين سورية ولبنان، فلن تقوى شياطين الادّعاء عليها!
باحث وناشر موقع حرمون
haramoon.com والسوق alssouk.net