نصرالله: مطمئنون لمسار العهد وتحالفاتنا والحكومة بتعقيداتها ضمن المعقول قانون انتخاب وفق النسبية يبني الدولة… وندعم فصله عن المسار الحكومي

كتب المحرر السياسي

كانت الإشارة السريعة للمشهد الإقليمي بعبارة «سقوط مشروع دولي إقليمي كبير» كافية لاختصار ما تشهده وستشهده المنطقة، في الكلمة المخصصة للوضع الداخلي التي توجه عبرها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للبنانيين مع بداية العهد الجديد لرسم رؤية حزب الله الذي يتوسط بتحالفاته الخصومات التي يرتبط بها تشكيل الحكومة الجديدة، فبانتظار اكتمال المشهد الحلبي بإنتصار ناجز، يكفي القول إنّ مشروعاً بأكمله يسقط وإنّ محوراً تقف المقاومة في قلبه ينتصر، وإنّ هذه المقاومة لا تنظر لأدائها في الداخل اللبناني بعين المنتصر، لكنها لا تتساهل مع صناعة انتصارات وهمية لمن يقفون في ضفة المشروع الإقليمي والدولي المهزوم.

المشروع الدولي الإقليمي الذي كان عنوانه تغيير المنطقة ومكانة دولها وكياناتها في الجغرافيا السياسية، وصولاً لتغيير حدودها وتقسيمها وتفتيتها إذا تعذّرت السيطرة عليها، يسقط مع انتصار حلب الذي يكاد يصير ناجزاً مع الإقرار الأميركي الرسمي بأنّ مهمة الخبراء الروس والأميركيين الذين سيجتمعون في جنيف اليوم هي تأمين خروج آمن للمسلحين والمدنيين من الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة الجماعات المسلحة في شرق حلب، ففي حلب وضع لصناعة النصر على محور المقاومة خلال هذا العام سقف القدرات والإمكانات التي يمكن لخصوم محور المقاومة توفيرها لمشروعهم، بما لا يملكون وضع أفضل منه أو مثله لمعركة أخرى، وفي حلب توفرت لهم رمزية العاصمة الثانية في سورية، ومدينة معقدة جغرافياً، تجعل مهمة الجيوش النظامية غاية في الصعوبة، وكثافة سكانية تتيح مع رمزية المدينة توظيف البعد الإنساني لأوسع حملات دبلوماسية ضاغطة، كما يتوفر عنوان معارضة سورية يمكن الرهان على تمييز الحرب معها عن الحرب على الإرهاب، وكلها ميزات يصعب توافرها خارج حلب، ليصير من انتصر في حلب منتصراً حكماً في سواها، ومن هزم في حلب حكماً مهزوماً في سواها، لتصير الحرب بعدها كما يراها المتابعون من الخبراء، حرب الأحجام والأدوار لللاعبين الدوليين والإقليميين، وقواعد التعاون والاشتباك في مرحلة ما بعد حلب، التي سيكون عنوانها الحتمي، صعود مشروع الدولة السورية الواحدة، وفي قلبها مكان لعملية سياسية تتسع لمن يرتضي السقف الذي لخصه وزير الخارجية الأميركي جون كيري بدمج المعارضة بهياكل الدولة عبر حكومة موحدة في ظلّ الرئيس السوري بشار الأسد وانتخابات يقرّر فيها السوريون مستقبل دولتهم.

حجم التغيير الكبير الذي أطلّ السيد نصرالله من شرفته كان حاضراً في كلمته بهدوئه وتسامحه، وتسهيله الأمر على الذين ربطوا مصيرهم بالمشروع الذي تلقّى الهزيمة القاتلة في حلب، بينما أطرافه المحلية تريد التصرف وفق معادلات التذاكي كمنتصر يعيش بوهم ادّعاء أدوار بحجم صناعة الرئاسة.

توجه السيد نصرالله نحو تبسيط المشاكل وتبرئة الجميع من تهمة العرقلة، واعتبار ما يجري حكومياً ضمن المقعول وتحت السيطرة، والتأكيد على الثقة العميقة بالعهد والتيار الوطني الحر، وبمثلها بالحليفين حركة أمل وتيار المرده، واضعاً إحدى الأولويات بتخطي الحلفاء لبقايا المعركة الرئاسية، ليتقدّم نحو رسم مهمة اليوم والغد أمام الجميع، والحلفاء خصوصاً، ومن منهم في موقع المقتدر أساساً، وفقاً لمعادلة «قانون يعتمد النسبية الكاملة وفقاً للبنان دائرة واحدة أو الدوائر الكبيرة يشكل الخطوة الأولى الحقيقية لبناء الدولة القوية والسير الجادّ في الخيارات الإصلاحية»، معلناً التأييد لفصل مساري تشكيل الحكومة وإقرار قانون الانتخاب في المجلس النيابي طالما أنّ العقدة التي حالت دون ذلك قد حلت بعدما تم انتخاب رئيس للجمهورية، وفصل المسارين كان قد دعا إليه رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، بعدما كانت «البناء» أول من وضعه في التداول قبل أسبوعين.

دعم للعهد والحلفاء ورسائل للخصوم

جرعات دعم ودفع جديدة مدّ بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله العهد الجديد ورئيس الجمهورية بتأكيده الثقة الكاملة بالعماد ميشال عون وبقيادة التيار الوطني الحر عبر قطع الطريق على الشائعات والتحليلات التي هدفت إلى شيطنة العلاقة بين حزب الله وبين الرئيس عون و«التيار» أو إحداث الشرخ بين البيئتين المسيحية والشيعية بالمعنى الأوسع، وكان واضحاً في حسم هذا الأمر بناءً على ركيزتين: الثقة العميقة والتجربة الطويلة بين التيار والحزب. وبشفافية عالية شخّص السيد نصرالله أزمة تشكيل الحكومة ودعا الى معالجتها ولم يرم التهم في وجه أحدٍ من الأطراف التي عبّر عن ثقته بأنها تسعى جميعها الى ولادة الحكومة، لكنه رفض المنطق الآخر بتوجيه الاتهامات للحزب وحلفائه بالتعطيل ورهانه على الضغط على الحزب لدفعه للتنازل.

رسالة إيجابية لافتة باتجاه معراب مرّرت ما بين السطور بقول السيد إنّ «القوات» طرف أساسي وله حيّز شعبي وسياسي، كما دعا كافة القوى الى تجاوز تاريخ العداوة والخصومة وترك الصراع في الإقليم للإقليم، وفي المقابل ومن دون أن يسمّيها حمّل السيد نصرالله «القوات» المسؤولية إنْ في عرقلة التأليف عبر تضخيم حصصها الحكومية ونكران تمسك الآخرين بحقوقهم وإنْ في محاولة تخريب العلاقة بين حزب الله والتيار العوني. ورسالة نوايا إيجابية حملها كلام السيد نصرالله الى الرئيس المكلف سعد الحريري على أمل أن تشكل فرصة لتلقفها والبناء عليها، وبذكاءٍ وصدقٍ وتفهّمٍ ترك الأمين العام لحزب الله لحليفه الرئيس عون حرية اختيار الدولة التي يريد زيارتها أولاً وإنْ كانت السعودية أو أيّ دولة خليجية، لكن ذكر أيضاً على سبيل المقارنة سورية وإيران كردّ على رفض البعض إقامة العلاقات الجيدة مع سورية وربطاً بالحملة عليها بعد زيارة المفتي أحمد بدر الدين حسون الى بعبدا. ودعا السيد نصرالله الآخرين لإعادة النظر في العلاقة مع سورية، ودافع بقوة عن حليفيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس المرده سليمان فرنجية في عملية تأليف الحكومة، وتحدث عن مظلومية في هذا السياق مع توضيحه بأنّ التأخير الحاصل لا يمكن تحميله الكثير إنما يندرج في إطار رفع بديهي لسقف المطالب والصراع على الأوزان السياسية وقواعد اللعبة المعهودة في تشكيل الحكومات»، كما لم يغفل السيد الإشارة الى الجانب الأهمّ في العهد الجديد هو قانون الانتخاب وتفضيله النسبية الكاملة مع الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسعة، وهو بذلك يتقاطع هنا مع الرئيسين عون وبرين وبالتالي يمثلون حلفاً تحت العنوان الأهمّ قانون الإنتخاب وغمز من قناة بعض الجهات الراغبة بقانون الستين».

مساعي حزب الله مستمرة

وفي السياق قالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنّ «مساعي حزب الله مستمرة على خط تأليف الحكومة لا سيما بين المرده والتيار الحر كحلفاء وليس على حساب دور المعنيين قانونياً ودستورياً بالتشكيل وزيارة مسؤول وحدة الارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا منذ أيام الى الوزير جبران باسيل تصبّ في هذا الإطار، حيث تبعها صدور البيان من قصر بعبدا الذي لم يف بالغرض المطلوب لكن هناك محاولات أخرى للقاء بين عون وفرنجية لكن لا يعني ذلك أنّ تشكيل الحكومة بات قريباً إلا إذا تلقفت كافة الأطراف دعوة السيد نصرالله وقدّمت بعض التنازلات».

«التيار»: كلام السيد لم يفاجئنا

وأبدت أوساط قيادية في التيار الوطني الحر ارتياحها حيال كلام السيد نصرالله، مشيرة لـ«البناء» الى «أننا لم نفاجأ بأدبياته وثوابته بل لدى قيادة وقواعد التيار والرأي العام المسيحي عموماً، فالثقة كاملة بحزب الله وقيادته وغير قابلة للمراجعة، وقد أعلن الرئيس عون في السابق بأنّ العلاقة مع حزب الله تكاملية ووجودية وهذا له الكثير من الدلالات والمعاني في رسم العلاقة المستقبلية بين التيارين والبيئتين»، ورحبت المصادر نفسها بإشارة السيد نصرالله الى القوات وغيرها للتصالح والدخول في رحاب الوطن لبناء الدولة»، وأوضحت أنّ «علاقة التيار والقوات لن تقلب المعادلة الداخلية، بل علاقة حزب الله والتيار هي اللبنة الأساسية كما علاقة حزب الله وحركة أمل أو علاقة حزب الله بمجمل أحزاب المقاومة بينما القوى الأخرى شريكة في الوطن رغم الخلاف السياسي».

وعن مدى تجاوب التيار مع مسعى السيد نصرالله للتقريب بين التيار العوني والمرده، أوضحت المصادر أنّ «التيار يرحب مساعي كهذه والبيان الصادر عن رئيس البلاد بحدّ ذاته يفتح الباب للوزير فرنجية، لكن لا مشكلة في توجيه دعوة شخصية له إذا كانت كفيلة بحلحلة المشكلة، فالعماد عون فتح ذراعيه لرئيس المرده في العام 2005 ولا مشكلة في إعادة إحياء التحالف العوني المردي ونلاقي مسعى حزب الله ودعوة السيد نصرالله».

العقدة في حقيبة الأشغال

وقالت مصادر أخرى لـ«البناء» إنّ «كلام السيد نصرالله يساهم في إرساء الأجواء الإيجابية والسرعة في تشكيل الحكومة»، كاشفة أنّ «العقدة حصرت بتمسك ثلاث قوى بحقيبة الأشغال التي لا يريد أيّ طرف التنازل عنها وهم الرئيس بري والنائب فرنجية و«القوات»، لكن المصادر رجحت ولادة الحكومة قبل الأعياد وتحدثت عن مخارج عدة يجري تداولها لإرضاء بري والقوات والمرده من بينها العودة الى الحكومية الثلاثينية أو اعتماد توزيع حكومة تصريف الأعمال ولا مانع لدى الرئيس عون في اعتماد الحكومة الموسعة الثلاثينية لتمثيل كافة الأطراف».

لقاء بري – الحريري

في غضون ذلك، تتكثف اللقاءات والاتصالات على خط تأليف الحكومة، ولهذه الغاية استقبل الرئيس بري مساء أمس، في عين التينة الرئيس الحريري يرافقه مدير مكتبه نادر الحريري بحضور الوزير علي حسن خليل.

وبعد اللقاء قال الحريري: «تحدثنا في مجمل الأمور وخصوصاً موضوع الحكومة، وكان الرئيس بري حريصاً جداً على الاستعجال بالحكومة وإنهاء كلّ العقبات، ولا شك أنّ الجو إيجابي، وإنْ شاء الله الأمور الى الأمام ونصل الى خواتيمها قريباً جدا».

وحول إمكانية ولادة الحكومة قبل الأعياد؟ أجاب الحريري: «إن شاء الله، فخامة الرئيس عون حريص على تشكيل الحكومة واليوم وجدنا الرئيس بري حريص جداً على الانتهاء من تشكيلها، وإن شاء الله يقدّم الجميع التسهيلات ونرى قريباً الامور في نهايتها. تحدثنا في كلّ شيء والأمور إيجابية». ولدى سؤاله عن تنازل بري عن الأشغال قال الحريري: «لقد تكلمنا أنّ على الجميع التعاون وكان الرئيس بري إيجابياً للغاية وحريصاً على أن تتشكل الحكومة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى