عندما تكون البساطة بلاغة… والهمّ في مكان آخر
ناصر قنديل
– كانت الأنظار مشدودة والأسماع والعقول لقراءة ما بين سطور كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وجاءت كلمة السيد لتسجل بالبساطة قمة البلاغة، فالبداية أن لا صحة لإتهام أحد بنية عرقلة تشكيل الحكومة، بمن في ذلك الذين تطالهم الإتهامات وكذلك الذين يتهمون سواهم بالعرقلة، وما يجري هو طبيعي والجهود بالتعاون وتفهّم التطلعات ومعايير التمثيل ومحاولة توحيدها، سيسهم في حلحلة تنهي الأزمة الحكومية، والأمر لا يستحق توتراً ولا قلقاً ولا إصغاء لما يحكى عن هموم لدى حزب الله خصوصاً من أحجام وتفاهمات، وضمناً، وخصوصاً، ما يتصل بما يُشاع حول مكانة علاقة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية من جدول اهتمامات حزب الله.
– الثقة بالعهد ورئيس الجمهورية والتيار ورئيسه والتفويض لرئيس المجلس النيابي بالتفاوض في الشأن الحكومي يبدوان على صلة بالملف الحكومي، لكن مقاربة السيد نصرالله لهذين العنوانين يشرحها ما أورده عن اهتمام الحزب بعودة العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المرده إلى سابق عهدها، والحرص على تمثيل وزان للمرده في الحكومة، وتمثيل مواز للحلفاء في قوى الثامن من آذار، وكلها تبدو في الظاهر عناوين على صلة بالحكومة، بينما في مقاربة حكومة عمرها شهور قليلة، ومهمتها الإنتخابات النيابية، يصير مستوى الإهتمام أكبر من الوظيفة والمهمة، إلا إذا جرى ربطه بما هو أبعد وهو إعادة ترتيب البيت المباشر لحزب الله، ببيئة هادئة ومستقرة تتشكّل من حوله بثنائية التيار الوطني الحر وحركة أمل من جهة، وثنائية التيار الوطني الحر وتيار المرده من جهة أخرى، وثنائيتي علاقته كحزب بكلّ من حركة أمل والتيار الوطني الحر، والحلفاء ممن يقفون مع هذا الرباعي الذي قاد مرحلة ما بعد حرب تموز 2006 وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية من بين صفوفه.
– يتطلع حزب الله إلى أن يزداد الحلف الذي تتوسطه المقاومة والذي قاده هذا الرباعي ووصل من بين صفوفه رئيس للجمهورية قوة وتماسكاً، فيسهم بنجاح العهد من جهة، ويزخم فرص السير بأولويته المتمثلة بقانون يعتمد النسبية للانتخابات النيابية من جهة ثانية، ويمسك بالمسار الإقليمي لموقع لبنان وسط متغيّرات تمنح الحلف الذي ينتمي إليه الحلفاء اللبنانيون للمقاومة مكانة متقدمة يجب توظيفها لترسيخ ثوابت هوية لبنان وموقعه في الصراع مع «إسرائيل» والحرب على الإرهاب من جهة ثالثة، لكن ومن جهة رابعة تحويل أرصدة العلاقات التي يقيمها كلّ من أطراف هذا الحلف مع قوى من خارجه إلى رصيد للحوار الوطني والاستقرار، لا إلى أسباب لضعف التحالف بين الشركاء في تحالفهم مع المقاومة كخيار مصيري تمسكوا به في لحظات المتاعب والمصاعب، ولن يتخلى عنهم ولا يرتضي أن يراهم منقسمين في أيام الانتصارات.
– رسم السيد بكلمات معدودة المشهد الإقليمي بالقول إنّ مشاريع دولية إقليمية كبرى تنهار مع ما يجري في حلب، وانّ همّ حزب الله ليس في التفاصيل اللبنانية، بل في مكان آخر، وهو الدور الذي يلعبه في قلب حلف دولي إقليمي يرسم مستقبل المنطقة، وهو بقدر ما يجنّب خصومه اللبنانيين مرارة دفع فواتير انتمائهم للحلف الذي يُهزم في المنطقة، ويسعى لتجنّب انتقال تردّدات الانتصار إلى معادلات الداخل اللبناني، فإنه يدعو للتروّي والهدوء من الجميع لأنّ ما يجري في المنطقة كبير جداً، ولا يحتمل الدعسات الناقصة بحسابات قصيرة النظر تريد تدفيع لبنان فواتير تحالفات خارجية مهزومة، بتجيير بعض الهجمات الكيدية على حزب الله، لتعويض هزائم الذين يخسرون أمام حزب الله وحلفائه في المنطقة، لأنه عندها يكون هؤلاء قد استجلبوا توازنات المنطقة الجديدة إلى الداخل اللبناني، «فلا تضعوا فيتو استباقيا على حركة الرئيس لأننا لا نفعل ذلك»، ولا تحوّلوا مواقعكم السياسية والحكومية منصات إقليمية لأننا لا نفعل ذلك، ولا تجيّروا مكاسب محلية تنالونها لمعادلات حلفائكم بوجهنا، لأننا لا نفعل العكس.