حلب موحّدة في ظلال دولتها… وفشل المناورة الأميركية في تدمر الحكومة قاب قوسَيْ تلاقي عون ــ فرنجية… وقانصو لحق القوميين بالتمثيل
كتب المحرّر السياسي
مع فشل المناورة الأميركية بجذب الاهتمام السوري الروسي نحو مفاوضات تقايض نصر حلب بخسارة تدمر، وتقبل تنازلات هنا مقابل دعم هناك، واصل الجيش السوري والحلفاء استقدام التعزيزات إلى محيط تدمر تمهيداً للهجوم المرتقب لاستردادها من قبضة تنظيم داعش بعد التمهيد الذي حظي به من جبهات الموصل والباب والرقة بوقف الهجوم الذي كان يُفترض أن يتواصل فيها، لمنح التنظيم فرصة الحشد والتحرك نحو تدمر، وهو ما كان واضحاً أمام القيادتين السورية والروسية، فكان الموقف الروسي الثابت في جنيف برفض صيغة الإدارة الذاتية للأحياء التي يغادرها المسلحون تحت مسمّى مجلس حلب المحلي وامتناع الجيش السوري من دخولها، بينما واصل الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان اندفاعتهم بقوة حتى تضييق الخناق على المسلحين الذين اتخذوا أهالي حلب رهائن أملاً بالصمود لفترة أطول، وهو ما حالت دونه خطط القضم والهضم السريعة التي تدحرجت عليهم بهجمات يصعب صدّها فانهارت دفاعاتهم ودخل الجيش وحلفاؤه أغلب الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون الذين استسلم المئات منهم وهام الباقي على وجوههم واختبأ ما تبقى في سراديب وأزقة يجري تمشيطها من قبل الجيش والحلفاء لإعلان تحرير العاصمة السورية الثانية التي صارت رمزاً لحرب سورية، كما ستالينغراد رمز الحرب العالمية الثانية، وتعود حلب بعد خمس سنوات من الأسر موحّدة حرة في حضن الدولة السورية، وفي ظلال سيادتها.
الإنجاز الحلبي وما سيتركه من تداعيات على المشهدين الدولي والإقليمي ترك بصماته على عرس لمّ شمل سورية من شمالها إلى جنوبها، رغم مرارة جرح تدمر التي سيطر عليها تنظيم داعش، مع وعد العودة القريبة لحضن الدولة، كما قبل شهور، بينما تردّدت أصداء النصر في حلب على جبهات جنوب سورية وريف دمشق مزيداً من التقدّم للجيش السوري والأمل بنهايات قريبة للجيوب التي تربك الاستقرار حول العاصمة.
لبنانياً، تسارعت الخطى نحو ولادة الحكومة العتيدة في سباق مع نصر حلب، فحُسمت عقدة تمثيل تيار المردة بخطوة منسقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بمنح وزارة الأشغال لحركة أمل، عملاً بقاعدة بقاء القديم على قدمه، التي طبقت على حقائب الأطراف المشاركة في حكومة الرئيس تمام سلام، وقامت حركة أمل بالتنازل عنها لتيار المردة الذي سمّى لها على لسان النائب سليمان فرنجية المحامي يوسف فنيانوس. وارتضت أمل كما تقول مصادر مطلعة بوزارة العمل رغم تمسكها بنيل وزارة التربية، لكن هذا الرضا بالتنازل من أمل لم يحسم الإشكالات المحيطة بعلاقة التيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية من جهة، وتيار المردة من جهة أخرى، حيث لمحت مصادر إعلامية إلى أنّ الطريقة التي تحدّث بها النائب فرنجية عن الحلحلة تفاقم الوضع ولا تسهّل التشكيل، مشيرة إلى ما تضمّنه كلام فرنجية من لغة قاسية تجاه بعبدا، بينما قللت المصادر المتابعة من هذا البعد متمسكة باعتبار الحلحلة سيدة الموقف، بانتظار أن تشمل تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي، سواء عادت صيغة الحديث إلى حكومة الثلاثين، كما روّجت أوساط إعلامية، وهو ما نفته مصادر معنية بالتشكيلة الحكومية التي جزمت حسم أمر الحكومة بأربعة وعشرين وزيراً، بينما قال رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو إنّ حق القوميين بالتمثيل الحكومي يتضمّن حقهم بعدم اختيار أحد لهم الشريحة التي يتمثلون من خلالها.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير السابق علي قانصو أنّ «من حقنا أن نتمثل في الحكومة ونحن مصرّون على أن لا يُسمّي لنا أحد الشريحة التي سنتمثل من خلالها»، لافتاً الى أنّ «لبنان لن يستقرّ أبداً إلا بقيام دولة مدنية تنتهج فصل الدين عن الدولة».
وخلال اجتماع للهيئات المسؤولة في المتن الشمالي وكسروان وجبيل والضاحية الشرقية وطلبة المتن وكسروان، أشار قانصو الى أن «حزبنا متجذّر في مناطق جبل لبنان الشمالي ويجب أن يكون الدور أفعل على الصعد كافة». ولفت الى أنه «عندما يسلم العراق وسورية ولبنان من الإرهاب، فمن الطبيعي أن تكون هذه السلامة قوة لفلسطين»، مضيفاً «لا يمكن فصل مستقبل لبنان عن مستقبل الأمة وبالتحديد عن مستقبل سورية، وحينما تكون سورية بخير يكون لبنان بخير والعكس صحيح».
وأوضح قانصو أنّ هدف الحرب على سورية هو النيل من موقعها ومن دورها المقاوم، لأنها قالت لا للسياسات الأميركية ولأنها الوحيدة التي دعمت مقاومة لبنان وفلسطين والعراق»، وقال: «كما كان حزبنا رائداً في المقاومة ضدّ «إسرائيل» هو رائد في المقاومة ضدّ الإرهاب. وهذا هو موقعنا الطبيعي فحزب القضية القومية يكون في كلّ المواقع التي تضمن سلامة القضية القومية».
واعتبر قانصو أنّ القانون القائم على النسبية يحقق عدالة التمثيل ويُظهر الأحجام الحقيقية للقوى السياسية ويشكل خطوة باتجاه الإصلاح السياسي».
فرنجية: حقنا وصَلَنَا من برّي والحريري
ارتفع منسوب التفاؤل بقرب ولادة الحكومة بعد مروحة الاتصالات واللقاءات المكثفة التي استمرت حتى منتصف ليل أمس، على خط عين التينة بنشعي – بيت الوسط – معراب، أولى ثمارها كان تنازل رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن حقيبة الأشغال لتيار المردة بشخص المحامي يوسف فنيانوس، كما أعلن من عين التينة النائب سليمان فرنجية الذي رمى الكرة الى ملعب رئيسَي الجمهورية والحكومة المكلف وثنائي التيار الوطني الحر القوات.
وأكد رئيس المردة بعد اللقاء مع الرئيس بري الذي استغرق أكثر من ساعة، بحضور فنيانوس والوزير علي حسن خليل، «أنّ حقنا وصلنا من بري والحريري ومن نصيبنا وزارة الأشغال والرئيس بري هو مَن عرضها علينا ويبقى أن تحلّ عقدة الحقيبة البديلة»، مضيفاً: الرئيس سعد الحريري الذي كان منفتحاً ومرناً، ونأمل أن يكون رئيس الجمهورية منفتحاً أيضاً».
وكان فرنجية قد التقى في بكركي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وقال بعد اللقاء: «أنا مستعد لأي لقاء مع رئيس الجمهورية بالطريقة التي يراها البطريرك الراعي مناسبة». وأضاف: «وصول العماد عون الى سدة الرئاسة لا يشكل «زعلاً» لنا، إنما طريقة التعاطي معنا من خلال الانتقام أو القصاص. الأمر بيد رئيس الجمهورية فهو الذي يقرّر، إذا كان يريدنا قربَه فسنكون، وإذا كان يريد محاربتنا فسنحاربه، وإذا أراد مصادقتنا فنصادقه ونعتبر أنّ البطريرك هو «بيّ الكل» وأنا «بيي» مات منذ أربعين عاماً، ومن يريدني يتصل بي ويقول لي شرّف لعندي أنا رئيسك…».
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنّ «البطريرك الراعي تمنّى على فرنجية زيارة بعبدا وعقد لقاء مصارحة ومصالحة مع الرئيس عون»، لكن برأي المصادر أنّ «الأمور لم تنضج بعد لعقد مثل هذا اللقاء إنما بحاجة الى مزيدٍ من الجهود والاتصالات لتأمين المخرج المناسب»، مشيرة الى أنّ «جهود الراعي مستمرة على هذا الصعيد»، مشدّدة على أنّ «أيّ زيارة لفرنجية الى بعبدا ستتمّ بالتفاهم والتنسيق مع بري، لافتة الى أنّ الخلاف بين عون وفرنجية أبعد من مسألة حكومة»، موضحة أنّ ما يحصل اليوم هو نتيجة رفض بعض الأطراف الاتفاق على سلة الحلّ الكاملة التي طرحها بري قبل انتخاب رئيس للجمهورية»، واستبعدت المصادر ولادة الحكومة في وقتٍ قريب وتخوّفت مما «يحضّر للمنطقة من مشاريع خطيرة، الأمر الذي يفرض ترتيب وتحصين الوضع الداخلي لمواجهة أي تداعيات لتطورات الوضع الإقليمي على لبنان».
خليل والرياشي في بيت الوسط
وعقب لقاء بري – فرنجية أوفد رئيس المجلس معاونه السياسي الوزير خليل الى بيت الوسط لاطلاع الرئيس المكلف على نتائج الاجتماع بحضور مستشار الحريري الدكتور غطاس خوري. وتناول البحث التطورات السياسية الراهنة، ولا سيما ما آلت إليه الاتصالات لتشكيل الحكومة، ولاحقاً لفت خليل الى أنّ «أجواء تشكيل الحكومة العتيدة تحركت بشكل إيجابي».
وقالت مصادر في 8 آذار لـ«البناء» إنّ «الثنائي الشيعي لن يدخل أيّ حكومة من دون إرضاء فرنجية وتوسيع مشاركة فريق 8 آذار في الحكومة»، موضحة أنّ «إشارات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته الأخيرة كانت واضحة بضرورة تمثيل وازن للمردة ورفضه وضع فيتوات عليها أو اتهامها بالتعطيل»، مؤكدة أنّ «تفويض حزب الله للرئيس بري بموضوع الحكومة مستمرّ وإنْ طال أمد تشكيلها، ولن يقبل حزب الله بكسر حلفائه أو تهميشهم تحت أي اعتبار»، مشيرة الى أنّ «محاولات حزب الله لتقريب وجهات النظر بين عون وفرنجية لم تتوقف تمهيداً لعقد لقاء بينهما».
بينما أشارت أوساط مستقبلية لـ«البناء» إلى أنّ «الأجواء إيجابية وتحقق تقدّماً ملحوظاً خلال اليومين الماضيين والاتجاه الى تأليف الحكومة قبل الأعياد، لكن لا صيغة نهائية في بيت الوسط حتى الآن لكي يعرضها على رئيس الجمهورية بانتظار الاتصالات على أكثر من صعيد للتوافق على صيغة نهائية، وما جرى أمس، هو محاولة من الرئيس الحريري لتبديل بين الحقائب بطريق ترضي جميع الأطراف».
وفور خروج خليل وصل الرئيس السابق لجهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» ملحم الرياشي إلى بيت الوسط للقاء الحريري، بعد أن عبّرت مصادر «قواتية» عن امتعاضها إزاء تبديل الحقائب الذي حصل في عين التينة، مؤكدة أنّ أيّاً من المعنيين بتشكيل الحكومة لم يبلّغ معراب بأيّ تعديل أو إعادة توزيع أو تبادل بين حقيبة الأشغال وحقيبة أخرى.
.. ومستشار الحريري في معراب
«الغضب القواتي» استدعى من الرئيس المكلف إرسال مستشاره غطاس خوري إلى معراب للقاء رئيس «القوات» سمير جعجع لإقناعه بحقيبة الصحة بدلاً من الأشغال. وأكد خوري بعد اللقاء أنّ «التفاوض يتمّ الآن حول الوصول الى تشكيلة ترضي الجميع وتأخذ بعين الاعتبار كلّ المشاورات التي حصلت في اليومين الماضيين».
وعلمت «البناء» أنّ القوات ستُعطى وزارة الصحة كبديل عن وزارة الأشغال التي ذهبت للمردة على أن ينال الرئيس بري حقيبة التربية أو حقيبة أخرى توازيها، كما علمت أنّ «مشاورات تحصل مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط للتنازل عن حقيبة العدل لصالح رئيس الجمهورية مقابل حقيبة التربية أو حقيبة أخرى»، لكن مصادر رجحت لـ«البناء» أن «لا يتنازل عنها جنبلاط وسيتمّ إسنادها الى النائب في كتلته مروان حمادة».
حكومة ثلاثينية قبل الميلاد؟
ورجحت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» إعلان حكومة الوحدة الوطنية قبل عيد الميلاد»، لافتة الى أنّ «التطورات في الـ 48 ساعة الأخيرة إيجابية والأمور تسير بالاتجاه الصحيح وقد تمّ تبديل مجموعة من الحقائب لتسهيل التأليف»، مضيفة: «إذا كان تشكيل حكومة وحدة وطنية تتطلب تعديل الصيغة التي اعتمدت لصالح توسيع الحكومة الى ثلاثينية فلا مانع من أن تتمّ إضافة 6 وزراء ما يؤمّن تمثيل القوى كافة في المجلس النيابي التي يصعب تمثيلها في حكومة الـ24 وزيراً»، مؤكدة أن «لا مانع لدى التيار الوطني الحر ولا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من توسيع الحكومة».
وأوضحت المصادر أنّ «تنازل رئيس المجلس النيابي عن حقيبة الأشغال الى الوزير فرنجية حلّ عقدة أساسية وذلل نسبة كبيرة من المشكلة»، مرجّحة أن «تعطى القوات حقيبة بديلة توازي الأشغال بالتفاهم مع الرئيس عون والتيار الوطني الحر بعد أن وعدت من قبل الحريري بتوليها الأشغال»، مشدّدة على أنّ «فترة الحكومة لن تكون طويلة وبالتالي ستتشكل بأيّ طريقة بمعزل عن الصيغة النهائية لتوزيع الحقائب».
ولفتت المصادر الى أنّ «قانون الانتخاب كان الطبق الرئيسي بين اجتماع وفد التيار الوطني الحر وجعجع»، مشيرة الى أنّ التيار يفضل مشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» أو قانون «النسبية»، مشدّدة على أنّ «كلّ الصيغ يتمّ درسها ولا صيغة نهائية متفق عليها لكن الحدّ المعقول لإنقاذ لبنان هو النسبية وهناك قرار في التيار الوطني الحر بالتمسك به ورفض التمديد».