شعبان: رغم الصعاب والمِحن تبقى سورية منتجةً ومبدعة
رشا محفوض وشذا حمّود
لم يبتعد الفنان التشكيلي نذير نبعة عن لوحته حتى اليوم الأخير من حياته. ولم يتقاعس عن دوره الرياديّ كفنان عربيّ وسوريّ، ورغم مرضه، فكان مصرّاً على إنتاج لوحاته الفنية الأخيرة بعنوان «سورية» التي استعاد بها خطوته القوية وعبّر خلالها عن الصمود والتحدّي والوقوف في وجه العواصف العاتية التي تحيط بنا.
وتكريماً لذكرى الفنان نبعة كأحد روّاد الحركة التشكيلية السورية بعد مسيرة غنية في تطوير الفنّ التشكيليّ، أقامت مديرية الفنون الجميلة بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين مساء الإثنين الماضي، احتفالية ثقافية بعنوان «الإنسان والفنان والمعلّم» في مكتبة الأسد الوطنية.
وتضمّنت الاحتفالية عرض فيلم قصير من إعداد الناقد والفنان التشكيلي سعد القاسم، تحدّث عن مسيرة الفنان نبعة الغنية والمعطاءة لأكثر من نصف قرن من عشقه الطبيعة وألوانها والبيئة المحلية، وبداياته الدراسية الأولى في الفنّ، وتنقله من دمشق إلى القاهرة وباريس ومراحل مسيرته التشكيلية كـ«الدمشقيات» التي امتدّت نحو 16 سنة، جسّد من خلالها التراث السوري. ومرحلة «تجلّيات» إضافة إلى الجوائز العربية والعالمية ومنها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2005.
ولفت رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين الدكتور إحسان العر في كلمة ألقاها إلى ما تركه رحيل الفنان نبعة من غصّة في قلب محبّيه. فبرحيله انطفأ قنديل النبل الإنساني. مبّيناً أن الفنّ التشكيلي في سورية قبله لم يكن كما بعده. فقد استطاع هو وزملاؤه النهوض به إلى مناص العالمية، رغم تغرّبهم في مدارسهم واطّلاعهم على حركات الفنون العالمية وثقافات الغرب.
وأشار مدير الفنون الجميلة الفنان عماد كسحوت إلى أن أعمال الفنان نبعة كانت على امتداد حياته تعبر عن انتمائه إلى الوطن والإنسان، وتستلهم من البيئة المحيطة والتراث الشعبي والثقافة الوطنية الأساطير التي أبدعها الأسلاف. كما سعت إلى إيجاد فنّ أصيل متقدّم بنكهة محلية تمتدّ جذورها في واديَي الفرات والنيل، وفي القضية الفلسطينية، والتي أنجز كماً هائلاً من الابداع المتعلق بها.
وقال كسحوت إن الفنان نبعة سعى إلى تطوير مهاراته التقنية ومعرفته الفنية عندما أوفد للدراسة في باريس من دون أن يسمح للثقافة الغربية أن تمس أصالته وشخصيته وهويته الفنية. حيث تجلّت لزمن طويل بمجموعته «الدمشقيات» التي حفلت بالتفاصيل الجمالية التراثية المتقنة، وكانت سبباً في تكريس وصف أعماله بالواقعية السحرية. معرباً عن ثقته بأن نبعة الفنان المعلّم سيبقى حاضراً بقوة في الذاكرة الوطنية بشخصه وإبداعه.
وفي كلمة أسرة الراحل وأصدقائه، أكد الفنان التشكيلي الياس الزيات أن إنتاجات الفنان نبعة ولوحاته ستبقى في ذاكرة طلابه الذين تتلمذوا على يديه ونهلوا من معرفته وعلمه بفنَّي الرسم والتصوير وتاريخ الفنّ والحركة التشكيلية السورية.
وأوضح أن الفنان نبعة أبدع بالحديث والريشة، وفي الفنّ ترك بصمة متميزة نابعة من موهبة وتجذّر بالفنّ السوري والعربي فأحبه رواد الفن ليغدو ركناً يشار إليه من كل دارس ومهتمّ به. مستعرضاً تفاصيل لوحة «الشهيد» للفنان الراحل الموجودة في المتحف الوطني حيث استطاع أن يحوّل من خلالها عَظمة الحدث إلى فرح ودلالات سامية باللون والحركة والاخراج.
وافتُتح على هامش الاحتفالية معرض فنّي بعنوان «تحية إلى نذير نبعة» لأصدقاء الفنان الراحل ممّن عاصروا مسيرته الابداعية ونهلوا من علومه وخبرته الطويلة. فجاءت اللوحات والتي يقارب عددها 50 لوحة متنوّعة المواضيع والأساليب والقياسات والمدارس وفاء لعطاءات نبعة الكبيرة ومسيرته التي أغنت الحركة التشكيلية السورية على مدى نصف قرن.
كما تم توقيع كتاب بعنوان «نذير نبعة الانسان… والفنان المعلّم» من إعداد الناقدين والفنانين التشكيليين الدكتور طلال معلا وسعد القاسم. ويلخّص الكتاب تجربته الفنية وعمقها وتنوّع تجلّياتها، إضافة إلى صوَر مختارة للوحات أثارت انتباه الفنان نبعة في مرحلة الدراسة قبل الجامعية في دمشق ودراسته في كلية الفنون الجميلة في القاهرة، وصولاً إلى معرضه الفردي الأول عام 1965 الذي كان من أكثر التجارب الإبداعية خصوصية في المشهد التشكيلي السوري في ذلك الوقت.
وعلى هامش المعرض، قالت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان في تصريح صحافي: من واجبنا جميعاً تذكّر هذه القامة الوطنية والفنية التي لها فضل على الهوية الفنية السورية وعلى الهوية الوطنية العربية. معربة عن سعادتها بوجود رفيقة درب الفنان الراحل في الفعالية ومشاركة زملائه وكبار الفنانين في هذا المعرض.
وأكدت شعبان أنه رغم كل الصعاب والمحن والاستهداف تبقى سورية منتجة ومبدعة على يد نخبة وكوكبة من الفنانين، وتجعلنا نؤمن أنه لا يمكن قهر سورية أبداً لأنها ولّادة ومنتجة لأفضل الطاقات والابداعات.
وأشارت الفنانة التشكيلية وزوجة الراحل شلبية إبراهيم إلى الرقي الإنساني الذي تميّز به الفنان نبعة، وإحساسه العالي ووطنيته المتجذرة، واحترامه المراة وإعطائها الثقة بنفسها.
وتحدّث الفنان بسام كوسا عن معرفته بالفنان الراحل عن كثب وما لمسه من خلال هذه العلاقة من صفات راقية وما قدّمه للأجيال في الحركة التشكيلية السورية المعاصرة من قيمة عالية تحتاج إلى دراسة مطوّلة وبحث طويل لإيفائها حقها.
وأشار كوسا إلى أن مسيرة الفنان أكبر من كل العبارات كونه قدم طريقة من التفكير فيها كمّ كبير من الحبّ والدأب والاصرار والتسامح تجاه من حوله فكان معادلة متكاملة فنياً وإنسانياً وأخلاقياً.
يشار إلى أن الفنان الراحل نذير نبعة ولد عام 1938 ودرس الفنون الجميلة في القاهرة بموجب منحة دراسية. وبعد عودته عام 1962 درس مادة الرسم في مدارس دير الزور، وأقام أوّل معرض فرديّ له في دمشق عام 1965، كما نال شهادة الدراسات العليا من الأكاديمية العليا للفنون الجميلة في باريس عام 1974 وبعدها درس التصوير في كلية الفنون الجميلة، وأقام عدداً من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها.
ومن الجوائز التي حصل عليها جائزة معرض «غرافن» عام 1967، وجائزة «بينالى الإسكندرية» عام 1967، وجائزة المدرسة العليا في باريس.