عماد الإصلاح والتغيير
نضال القادري
فخامة الرئيس، لقد فرحت ببطء شديد حين أعلن رئيس المجلس النيابي فوزكم بأصوات النواب الممدّدين لأنفسهم. كنت موشوماً بالكثير من المشاعر المتناقضة. ها اليوم، يمرّ الوقت بسرعة فائقة، والحكومة قد أينع قطاف تشكيلتها، لا بدّ لهذا البلد أن يسقط عن فخ التلوّن. لقد حان وقت العمل المجدي الذي يحمل للبلاد حيوية مهولة لتكون حية بين الأمم، أو حيث وجب أن تكون. ربما صامدة بوجه الفساد المتناسل، وأشكالة المسرطنة التي تثقب رئة الأوادم. إن السياسات تتقادم علينا، وغالباً تكون رمادية، هائمة، سوداوية، أو ما بين بين، أو غير متفردة في التفكر للخروج من بين أنماط الموت، أو مفرغة لنفسها مساحة إضافية لرسم أشكال الحياة.
فخامة الرئيس، ما أفاتحك به صار أملاً واحداً لنا، ولكي نتوافق عليه دونما خصومة، لا بد لنا أن نعترف معاً لمرة واحدة أن البلاد صارت أكثر انفلاشا نحو المجهول الذي لا حلول له، ولن يجدي معها التصفيق للتغيير والإصلاح بيد واحدة. لقد تبدّدت أحلام شبابنا، وصارت وجوه الناس ممسوخة على مثال سياسييه الممدّدين في حياة كل شيء أو حتى الممدّدين في موت كل شيء. ولأن «الدكنجي» الذي حدثتنا عنه قد كبر بعناية الفساد حتى صار «سوبر ماركت». ها أنت أيضاً تدخلنا في بنيته من غير براءة أو ربما من خارج الإبراء. سيدي الرئيس، ما عادت الأشياء مستحيلة، وقد بلغني أن بطن الفساد وعقله يتسعان لأن يبلع أي منهما كل أحلامي الهاربة في بلاد الله الواسعة.
فخامة الرئيس، خلال زيارتك إلى كندا عام 2012، التقيت بك رسمياً، مكلفاً يومها من حضرة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان. لقد شدّنا الحديث إلى حيث العلمنة والدولة المدنية، والصراع على فلسطين، والإصلاح المالي والسياسي في لبنان، وأشياء أخرى. قلت في مجلسنا: «لقد اكتشفنا من خلال المراقبة الماليّة، بعد أن تسلّمنا لجنة المال والموازنة، العجائب خصوصاً بين الأعوام 1990 – 2010 ، إذ تبيّن لنا أنّه ليس هناك محاسبةً عامّة ولا احترام لقوانين المحاسبة. إن «الدّكنجي» يستعمل دفتراً يحدّد فيه كم دفع من المال ثمن البضاعة، وكم باع وكم قبض، ليتمكّن من معرفة ما إذا كان قد ربح أو خسر. بينما حكوماتنا كانت تصرف وتقبض من دون أن تحسب كم من المال قبضت وكم صرفت، وتنفذ المشاريع من دون فاتورة تبرّر الإنفاق، أيّ سرقة موصوفة!! وقد تبيّن لدينا أنّ حوالى 35 مليار دولار، أي أكثر من نصف الدّين العام، هي أموال مفقودة ومجهولة المصير».
فخامة الرئيس، إن في جعبتنا الكثير من أولويات المشاريع المهمة التي تأخّرت بلادنا عن السير بها. إن الإصلاح عملية مستدامة للنهوض ببنية إدارة المجتمعات ومواردها المالية والبشرية، وكذلك اجتراح أساليب التطوير وتحديث الحلول لمشاريعها. سنوجز بعض أبواب الإصلاحات 12 باباً نرى أهمية الولوج منها للتغيير، وإحداث إرادة جامعة نحوه. سنوجز ما تيسر بإيجاز، من دون التطرق لبرامج تنفيذها.
1 – تعزيز الجامعة اللبنانية، والارتقاء بها لتصبح جامعة كل الوطن. واعتماد معيار الكفاءة الأكاديمية والعلمية والبحثية والإدارية ليكون فيها أساس كل الترقيات. وأن يكون لمجلس عمداء الجامعة اليد الطولى في وضع استراتيجيات تطويرها لتقدم نوعية عالية متقدمة من التعليم والبحث العلمي. ووقف عملية ضرب الجامعة الوطنية من خلال وقف تفريخ الجامعات الخاصة بين الأبنية السكنية دون درس حاجات السوق أو مراعاة شروط التفريع. وأن يتم انتخاب مجالس فروع الطلاب في الجامعة اللبنانية.
2 يقال الكثير في مجال الإصلاح المالي ومكافحة الفساد وتعزيز شفافية الأداء. لقد شهد المواطن على أكبر عمليات اختلاس منظم للمال العام من خلال صناديق المزارع الطائفية ومجالسها الإنمائية والإنشائية. تتوزّع المغانم والتعفيشات والمسروقات بالتساوي على المذاهب والطوائف المتوحّشة. بعض نماذجها: صندوق المهجرين، مجلس الإنماء والإعمار، الهيئة العليا للإغاثة، صندوق مجلس الجنوب.
3 إنتاج قانون عصري للانتخابات النيابية، بحيث يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، خارج القيد الطائفي، يتمثل فيه المواطن على أساس القوائم النسبية. وتكون توأمته بقانون عصري للأحزاب، تخرج معظمها من القوقعة المناطقية والمذهبية، ويمنع بموجبها الترخيص للأحزاب الدينية.
4 – إصلاح النظام السياسي بحيث يعمل الرئيس القوي على إلغاء الطائفية السياسية في النصوص والنفوس والوظائف العامة، بحيث يسيطر مبدأ التدرّج بالكفاءة للتعيين بالخدمة العامة.
5 – تفعيل إدارة المناقصات، وتعزيز الشفافية، ومراجعة قوانين الخصخصة، واستعادة قطاعات حيوية منتجة مثل قطاع الخلوي، وإقامة الشركة الوطنية الثالثة، وإطلاق المنافسة في القطاع، وإلغاء مبدأ الحصرية.
6 – وضع اليد على الأملاك البحرية والنهرية، واستعادتها من السارقين والمحميين من قبل قوى الأمر الواقع. وإلغاء قانون شركة «سوليدير» الخاص، مع امتيازاتها وإعفاءاتها الضريبية. القانون أطلق يد مالكيها لسرقة الشواطئ والواجهات البحرية، ومدّها بحقوق غير مشروعة في «الارتفاق العقاري».
7 – توحيد قوانين الأحوال الشخصية في عقود الزواج والطلاق والإرث والوصاية والتبني والرعاية. كذلك منع رجال الدين من التدخل في إدارات الدولة، ووقف استغلال النفوذ داخل القضاء. ومنع السياسيين من التدخّل في شؤونه، وتعزيز النيابات العامة، والمجلس الدستوري، ومجلس شورى الدولة.
8 – توحيد الصناديق الضامنة لدى موظفي الدولة المدنيين والعسكريين، ودعم المستشفيات الحكومية، بحيث تشرف هيئة واحدة على منح بطاقة الضمان والاستشفاء العام، وتخفيض الفاتورة الصحية.
9 – إقرار قانون اللامركزية الإدارية. واقتراح أن يتكون مجلس إداري لكل محافظة. وإلغاء الصندوق البلدي المستقل، بحيث تعطى الأموال المجباة للبلديات مباشرة بصورة دورية، وألا يقتطع منها لصالح الخزينة العامة أو «شركة سوكلين» لتمكين الأرياف والقرى في الأطراف من إحداث أساليب التنمية المستدامة.
10 – دعم مؤسسة الجيش اللبناني، لتكون في جهوزية تامة، فتصون الوطن في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، وأهمها موجات التكفير الديني وإرهابها وأذيالها من بنات «إسرائيل». إن الجيش القوي هو الذي لا يشحذ ذخيرته تحت مسميات الهبة والوديعة. إن برامج بعض الدول المانحة مهينة وتصادر قرار الجيش، وتضرب عقيدته، وتمنع عنه الكثير من الأسلحة والتقنيات التي تمكّنه من مواجهة الإرهاب.
11 الاستثمار في البنى التحية، وحل مشكلة النفايات وتدويرها، وإخراج الحلول من أيدي الفاسدين، ومنع الاتجار بصحة المواطن، ووضعها وإيلائها إلى أصحاب الخبرات للاستفادة من الحلول والنماذج الناجحة، واستبعاد التجارب الفاشلة. ووضع خطة لإنتاج «الطاقة النظيفة»، ولكهرباء من دون انقطاع.
12 إنشاء صندوق سيادي، ومجلس لإدارة «خدمة الدين العام»، من أجل سداده، تناط مهامه بوضع الاستراتيجيات المالية العامة للدولة. أما باكورة الأموال المتدفقة إليه، فهي العائد المالي من استخراج واستثمار الحقول البحرية والبرية النفطية.
ولباقي التفاصيل تتمة. فاربطوا يا فخامة الرئيس قولكم بالعمل.