هل يعمل بري على تشكيل «ثنائية» جديدة؟
روزانا رمّال
يحرص الرئيس نبيه بري حسب المعلومات على تمثيل حزب الكتائب في الحكومة العتيدة مع علم الرئيس بري مسبقاً انّ الكلّ متفق على حكومة وحدة وطنية سلفاً مؤلفة من اؤلئك الذين دعموا العهد والذين لم يدعموه، ومع ذلك يكرر بري أمام زواره أهمية تمثيل الكتائب، مع تمسكه الثابت بالحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المرده الذي قدم له بري من كنف حركة أمل حصة الأشغال التي شكلت استفزازاً كبيراً بالأيام الماضية لجهة حصرية الجهة المانحة، فهل يحق للرئيس بري إسناد حقيبة للمرده من حصة حركة امل حيث لا يستند ذلك الى قانون مثبت؟ أليست هذه مهمة الرئيس المكلف؟
يدرك بري جيدا انّ هذا الإعلان لا يتعلق بمسائل قانونية بل يحمل ما هو ابعد بكثير فتبنّي تيار المرده بالنسبة اليه «مسيحياً» أصبح أبرز ما يعوّل عليه مستقبلاً ليضاف اليه نفحة مشابهة تحيط بحزب الكتائب الذي يعيش ما يشبه العزلة المسيحية او «يكاد» بعد معارضته دعم ايّ من المرشحين فرنجية وعون لرئاسة الجمهورية اولاً وبعد المصالحة التي اتخذت طابعاً مسيحياً كعنوان عريض بين القوات والتيار الوطني الحر، وهي المحطة الأهمّ في حسابات الكتائب.
يتحدث مصدر سياسي لـ«البناء» عن «الواقع الجديد» للكتائب المثقل بإخفاقات حملتها محطات أساسية مؤخراً في سلوكه السياسي أولها تغييرات جذرية أرخت بظلالها على الروح الكتائبية داخل الحزب بين عناصر ومتفرّغين بين صراع القدامى والجدد بين تحديث وتأهيل. فتسلّم النائب سامي الجميّل رئاسة الحزب خلقت أجواء جديدة ووضعت الجميّل امام اختبار النجاح او الفشل في قيادة الحزب خصوصاً عندما علت أصوات معارضين في داخله وجدت صعوبة في التأقلم مع الكتائب الجديدة، بالتالي فانّ اول استحقاق عايشه الجميّل كان تثبيت زعامته داخل حزبه من اجل التماسك لمواجهة استحقاقات متعدّدة قائمة أهمّها الاستحقاق الانتخابي.
ويضيف المصدر: «كان أبرز ما توجه اليه النائب الجميّل من خطوات غير موفقة بالنسبة لكثر هو مسألة إقالة وزرائه من مجلس الوزراء على خلفية أزمة النفايات التي اجتاحت لبنان العام الماضي، فالمسألة هذه على أهميتها فهمت من قبل كثر تسرعاً غير مفهوم وضع في خانة ميل الجميّل نحو اقتناص فرصة تجعل منه «زعيماً» يحشد الى جانبه الثقل الشاب، وهكذا يمكن لسياسة التجدّد واللمسة الخاصة بالنائب الجميّل ان تكسر الركود في صورة الكتائب وان ترسم الى جانبها صورة جديدة من مشهد التغيير والثورة اذا صحّ التعبير على الفساد في البلاد».
تعيش الكتائب ومعها تيار المرده محطة مفصلية تفتح على أساسها الأسئلة على مصراعيها حول مصير تيارين مسيحيين وموقعهما من المصالحة المسيحية، فهل المصالحة تلك تقتصر على القوى الكبرى في الطائفة المارونية فقط دون سواها؟ سؤال لا يزال غير واضح المعالم خصوصاً انّ اقتراب الاستحقاق الانتخابي النيابي يجعل من مسألة التحالف خارج اطار «التيار والقوات» كعنوان عريض مسألة حساسة، فالقوات اللبنانية تبدو حتى الساعة غير متحمّسة لتقارب مع الكتائب ولا متحّمسة بطبيعة الحال لتقارب مع المرده اذا تمّ التسليم بأنّ التيار الوطني الحر تقدّم نحو «بنشعي» لفنح ثغرة في الجدار المقفل منذ فترة مع تيار المرده، وعلى هذا الاساس تصبح هوامش التيار الوطني الحر ضيقة إذا أراد الأخذ بعين الاعتبار انّ خوض الاستحقاق الانتخابي ضمن عنوان عريض «تحالف قواتي عوني» للمرة الأولى بعد سنوات طويلة من السواد يحمل هالة كبرى لا تحتمل التشويش.
بالعودة للرئيس بري فهو يدرك جيداً مصلحة القوات في عزل «المردة والكتائب»، ويدرك ايضاً من جهة أخرى موقف التيار المحرج من حليفه حزب الله الذي تمنّى حسب المعلومات ان يتمّ فضّ الخلاف بين المرده والتيار بأسرع وقت ممكن، لإرساء أرضية مناسبة لتشكيل الحكومة والبناء على نوايا مصالحة قبل الانتخابات النيابية أقله لأجواء لا يشوبها التشنّج بين القرى المتداخلة.
بري الذي كان اول من طرح فكرة المعارضة لعهد الجنرال عون بحال لم يتمّ الاتفاق على ما يرضي حركة امل في تشكيل الحكومة لا يبدو أنه تخلى عن دور رئيس معارضة «الظلّ» في هذا العهد، وهو دور قادر على ان يحجز لبري قوة تمنع الحليفين المسيحيين من تشكيل تلك الثلاثية التي بدأت تقلق بري مع المستقبل في سابقة لم يعتد رئيس مجلس النواب على التكيّف معها وسط تفرّده لسنوات بمفاتيح اللعبة السياسية وخفايا حسابات «الكتل».
يكشف بري اليوم عن قدرة كبيرة في ابتكار مخارج قادرة على التأكيد في كلّ مرة انه رقم لا يُستهان به في المعادلة، واذا كان تمسكه بالكتائب اليوم موجهاً لأحد فهو بالتأكيد موجه إلى تلك الثنائيات والثلاثيات التي بدأت تسلك مسار عزل بشكل غير مباشر على المردهوالكتائب وكلّ من يخالف ثنائية «عون جعجع».
السؤال الذي يطرح اخيراً يتمحور حول مدى امكانية ان ينشأ حلف انتخابي بين المرده والكتائب على الرغم من الخلاف الكبير بينهما خصوصاً انّ الكتائب رفضت بالمطلق تسمية فرنجية رئيساً للجمهورية…
لكن، ومع الحذر من التكتل الكبير الذي يشكله تحالف عون جعجع هل تعيد «الحاجة» خلط الأوراق فيولد تفاهم مسيحي جديد او ثنائية جديدة بين الكتائب والمرده برعاية الرئيس بري؟