ترامب كفيل بأن يظهر كرئيس يغيّر النظام القائم

كتب ران إدلست في صحيفة «معاريف» العبرية:

سطحياً، كلّ ما فيه سيئ. فالرجل متبجّح، صبيانيّ، أنانيّ، جاهل، عنصريّ، وقح، متحرّش جنسياً، وبالطبع كذّاب لا يرمش له جفن. ولكن رويداً رويداً وفي ظلّ سلوك غريب بحسب المعايير المقبولة للدخول للعمل في البيت الأبيض، يتبين أنه لعله وُلد هنا فوضويّ كامن. والفوضى هي المفتاح لتغيير النظام القائم.

حتى من يعتقد أنّ النظام القائم هو الأمر الصحيح والآمن، يعرف أن وضع المجتمع والجنس البشري، بما في ذلك المجتمع الأميركي، ليس شيئاً ما. فلم يسبق أن كانت الفوارق الاجتماعية ـ الاقتصادية كبيرة ومهدّدة بهذا القدر. وموجة الغرب التي يمتطيها ترامب هي الدليل الأفضل على أن شيئاً ما متعفّناً في مملكة أميركا. صحيح أن ترامب يمثل الألفية العليا، ولكن اذهب لتعرف إلى أين تؤدّي الفوضى. هيلاري كلينتون هي الحل الوسط بين العالم الرأسمالي بكل مساوئه وبين الليبرالية. هذا حلّ وسط عفن، أليم ومستمرّ ولكنه لا يفترض أن يهزّ النظام القائم، والنظام القائم، كما قلنا، ليس شيئاً ما.

الأمر الصحيح الذي كان يفترض أن يحصل، بالنسبة للحاجة إلى تغيير كاسح، هو انتخاب بيرني ساندرس. هذا لم يحصل. وإذا كان التغيير الكاسح اللازم لن يسير وفقاً لمنهج مرتب بشكل عقلاني، فلعله يأتي بعاصفة رعد وبرق على نمط الدونالد.

إذا أعاد ترامب للأميركي الغاضب الذي انتخبه كرامته، رزقه، هويته، فإنه سيحصل على ولاية ثانية. أما إذا كان تنقل كقيصر معتدّ بنفسه بين العظمة والمسكنة، وفي اتجاه الأبيض الغني، الملوّن الدون، وتنزيلات الشهير للاصدقاء والعائلة ـ فإن بانتظارنا ثورة متدحرجة. ائتلاف السود، الهسبانيين، الليبراليين، الأسرة الاقتصادية سيتكاتفون لتصفيته سياسياً. ليس واضحاً إذا كانوا سينجحون، ولكن إذا لم يكن الرجل قادراً على امتصاص برامج «الساتدري نايت» فإنه سينهار حين سيضطر إلى أن يأكل على المستوى اليومي ضفادع محلّلي الشبكات الكبرى ومذيعي برامج الترفيه.

الأمل هو أن الرجل ربما يحوم في سماء الجواهر ولكنه يعرف كيف يحسب المسار من جديد حبس هيلاري؟ كان هذا جزءاً من العرب . وبهذه الصفة فإنه كفيل بأن يتوجّه إلى طرق غير عادية، وغير المتوقع هو الأسم الثاني لترامب. مثلاً تعيين حصانه سيناتوراً أو ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية. ولخجلي فإني أعرف الاسم تيلرسون بشكل غامض فقط، من الأخبار العابرة والسطحية في المقالات التي تعنى بتأثير عظماء النفط الأميركيين على السياسة الأميركية. تيلرسون هو مدير عام شركة «أكسون موبيل» الكبرى وكان مندوبها في روسيا. وعندما فرض الرئيس باراك أوباما العقوبات على روسيا على إثر اجتياح أوكرانيا، وقف تيلرسون في جبهة المعارضين وتوسّم بميدالية بوتين. ومنذئذ وهو يعتبر صديقه المقرب. وبالنظر إلى المال الشخصي لبوتين وسيطرته على الاقتصاد الروسي، فإن لهذه البادرة الطيبة والصداقة رائحة سامة لعلاقة المال بالسلطة، ناهيك عن تقارير «CIA» عن هجمة القراصنة الروس في صالح نشر بريد هيلاري كلينتون في أواخر الحملة الانتخابية.

يتّخذ تعيين تيلرسون صورة التبويل من فوق خشبة القفز، ولكن في تفكير ثان، كاستمرار للتفكير الأولي الذي يقول إن ترامب سيحطم القواعد في اتجاهات غير متوقعة، فالحديث يدور عن احتمال لا بأس به للتغيير. أنا لا أعلّق أيّ أمل على سياسة ليبرالية لدى بوتين أو ترامب. الامل هو أنه في أنماط بورصة المشترين والبائعين، أي ترامب وبوتين. مثلاً، ترتيبات تقاسم الغنيمة بينهما على حساب باقي العالم. من ناحيتنا: من حيث توزيع الغنيمة في الشرق الأوسط وتفكيك اتفاقية «سايكس ـ بيكو» في صالح الولايات المتحدة وروسيا.

مستشار الأمن القومي المرشح الجنرال مايكل بلين ونائبته المرشحة كيتي ماكفرلند يعتبران هما أيضاً «نوعاً من المؤيدين لكرملين». هكذا بحيث أن الأمل هو أن تكون دولة «إسرائيل» جزءاً من تلك السياسة لتقاسم الغنيمة.

والمنطق هو كالتالي: أفترض أنه حتى لو كانت المصلحة المهنية ـ التجارية ـ القومية ل تيلرسون هي التنقيب في الولايات المتحدة أوباما عارض ، فإن هذه الخطوة ستستدعي حوار مصالح مع عالم النفط العربي. العالم العربي كلّه، لنذكر أنفسنا جميعاً، يؤيد الخطوة الفلسطينية المتوقعة في الامم المتحدة. صداقة خيالية بين ترامب ونتنياهو؟ هذه مصلحة تجارية فقط. لا شيء شخصياً. يمكن منذ الآن أن نسجل على الفور نقطة استحقاق في صالح تعيين تيلرسون: انصراف رودي جولياني، يمينيّ مفترس ومجنون جداً ـ من السباق.

من أجل إرضاء الجناح المحافظ من الحزب الجمهوري يفترض بجون بولتون أن يكون نائب تيلرسون. بولتون هو نقطة خلل. فهو صقر مرضيّ دفع نحو التدخل العسكري «الإسرائيلي» للهجوم على الطاقة النووية المحتملة في إيران، أو بلغة البشر: التضحية بجنود الجيش «الإسرائيلي» لمنع الاتفاق النووي وبين أوباما وروحاني. وقبل أسبوع فقط قدّر بولتون، بحسب أفضل التقاليد التآمرين المصابة بجنوب الاضطهاد لديه ولدى أمثاله، أنّ المسؤول بالسرّ عن نشر بريد هيلاري هي إدارة أوباما. والأمل هو أن يكون طمع تجار ترامب سيتغلّب على الايديولوجيا المتزمّتة.

في هذه الأثناء يحاول نتنياهو أن يشعل من جديد بعضاً من جمرات المعارضة لإيران. مثير: «سأقترح على ترامب سبلاً لإلغاء الاتفاق النووي»، قال لـ«CBS». فالرجل يطارد الريح في الوقت الذي وقعت فيه بوينغ على عقد لتوريد 80 طائرة لـ«إيران اير». عندما بدأ ترامب السباق على التعيين في الحزب الجمهوري، اعتقدت أنه المرشح الصحيح «معاريف»، منتصف آب، تنافس يا دونالد تنافس . كنت مقتنعاً بأن هيلاري كانت ستأكل هذا المهرج. غير أن تيد كروز وأمثاله الذين تنافسوا ضدّه كانوا أكثر خطراً منه. فالحديث يدور عن أقصى اليمين مع نزعة مسيحية كانت ستسمح للمسيح بأن يصلب نفسه بنفسه حتى من دون مساعدة الرومان. كروز وشركاؤه هم حيوانات واشنطنية مع انتشار أفنجيلي وتجاري في أرجاء الولايات المتحدة. وفي هذه الأيام يكافحون ضدّ ترامب ومنتخبيه، ولا يزالون يشكلون خطراً حقيقياً.

استعراض سطحي لتفضيلاتهم الوطنية، الاجتماعية والاقتصادية لكروز وشركائه يقشعر لها بدن ابراهام لينكولن الذي ينظر من أعلى كرسيه إلى مجلس النواب. وهذه تعارض القيود التي يقترحها أوباما على حمل السلاح، تعارض الاجهاضات، الزواج أحاديّ الجنس، قانونية الماريغوانا، تبييض المهاجرين الذين دقّوا وتداً، الأجر النزيه، إصلاح الهجرة الذي قرّره الحزبان وكلّ ما يمثل أميركا المتساوية والأكثر إنسانية.

حتى لو كان ترامب يتحدّث هنا وهناك بهذه اللغة، على حدود «الكلو كلوكس كلان»، لديه بعد هذا خطاب تجار الجياد. في ظروف هذه الصفقة أو تلك لن تكون لديه مشكلة للتراجع في نهاية اليوم التجاري، ولهذا التراجع بالضبط ينتظر الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى