حلب تكشف الإخوان وحماس

د. رائد المصري

هناك الكثير ممَّن يعتبرون أنَّ بداية العام 2017 ستشهد انحساراً للحرب في سورية وجنوحاً صوبَ التسوية مع البدء في تبدُّل وتغيّر الوجوه والإدارات السياسية العديدة في العالم، بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية وصولاً إلى فرنسا وأكثر منها كما تتَّضح خطوط الاستفتاءات الجارية.

فباتت واضحة الاستعدادات الأميركية في ملء الشواغر الحكومية آخرها في وزارة الخارجية ريكس تيليرسون عملاق النفط وصاحب الخبرة المتواضعة في دهاليز السياسة والديبلوماسية، لكن الأهمّ هو الجنوح العام في السياسة الأميركية نحو التوجُّه الوطني وانتهاج سياسات خارجية غير تصادمية وإعطاء مساحة الحركة والتدخّل أكثر لجهاز المخابرات العسكرية الأميركية بدلاً من جهاز «سي أي آي» المهجوس بإقالة الحكام وضرب الدول بعد التدخّل في شؤونها وتعريض الشرعية الوطنية للدول أو الشرعية العالمية لأخطار حقيقية حصَدَ العالم منها الكثير على مدى ثلاثين عاماً.

أوروبا التي طالما كانت مُلحَقة بالسياسات الأميركية الخارجية، في سياسات عطَّلت مفهوم ودور الدولة الوطنية فيها، المؤسَّسة والقائمة على الإنتاج الصناعي والتطويري وكذلك التفاعل الناعم مع الآخرين، بدأت تشهد جنوحاً هي الأخرى نحو تعزيز المفهوم القومي ولو كانت بدايتها في النزعة العنصرية، لكنَّها عنصرية قومية تحاكي السيادة الوطنية وستتعقْلن مع الأيام بحكم المصالح وليس بحكم أيِّ شيء آخر.

وعندما نصل إلى الخط التفجيري في الإقليم والعالم، وفي يوم واحد، فإنه يصبح له دلالة وأهمِّية كبرى نتيجة ما يجري من حسم لمواقع استراتيجية في المنطقة، خصوصاً في الموصل والأخصّ ما جرى في حلب.

فحالة الهستيريا والخطاب التجييشي المذهبي لجماعات الإخونجية وفشلِهم ثم سقوطِهم المُريع سياسياً وتنظيمياً، جعَلَ البعض منهم يفتِّش للتعويض بمكتسبات سلفية جهادية اتَّجهت أكثر في انتهاج خطاب المظلومية والإقصاء كردِّ فعلٍ على الهزيمة المذلَّة بما يمثِّلونه كمشروع مُرتقب وحانت فرصته، ففتحوا بذلك المجال لدخول الآلاف من المقاتلين المتطرفين القاعديين إلى سورية والعراق. ورغم ذلك لم يكتفوا بعد أن تقدَّمت مصر إلى الواجهة السورية من بوابة التنسيق الأمني لمحاربة الإرهاب، فجاءتها التفجيرات الدموية في الكنائس في رسالة مفادها أنَّ الدور الفاعل لأهلِ السُّنة والجماعة هم الإخوان المتمثِّلون في تركيا لقيادة العالم العربي والإسلامي بعد أن اطمأنوا للتقوقُع السعودي.

وفي مجمل القول إنَّه لو قدِّر للموقف المصري أن يستمرَّ على هذه الحال من التردُّد والتحسُّب، وفي التقصير في لَعِبِ الدور المطلوب منها في سورية خصوصاً، التي تشكِّل تاريخياً خطَّ الدفاع الأوَّل أمام الخطر الإخونجي الآتي من تركيا، فسيصبح الخطر أكبر في الداخل المصري وعلى الأمن القومي والاستراتيجي، ذلك أنّ المشروع الإخواني يُشكِّل تكملةً وتسييلاً في الربحية السياسية للمشروع الصهيوني، ورأينا ما أدلُّ على ذلك في الحرب الإرهابية التي تخوضُها سورية في وجه الحركات التكفيرية المتماهية مع الدور الصهيوني ليشكِّل الإثنان خطراً واحداً على مفهوم الأمن القومي السوري والمصري معاً.

ولم يَعُدْ هناك استعداد لسماع وجُهات النَّظر السياسية للفصيل الإخواني أيّ حركة حماس بعد تحرير حلب سوى الإدراك بأنَّ مشاريعهم تشكِّل أكبر خطر استراتيجي على أمننا الوطني وأمننا القومي من أيِّ خطر آخر، وهو ما أثبتتْه الأحداث في الدول العربية منذ العام 2011 إلى يومنا هذا.

ولا بدَّ من القول بأنَّ في سورية بات هناك انفصام واضح وحادّ بين معارضة سياسية خارجية تناقشُ نظريات الثوار التاريخيين وقادتهم في الديمقراطية وتريد الاستفادة من خبراتهم، وهي تقبع في القصور الرئاسية من اسطنبول إلى الرياض والدوحة وجنيف ونيويورك، ومعارضة مسلحة يتركَّز خطابها على تعزيز وشرعنةِ الإرهاب والطائفية والشوفينية. هو انفصام تُدفع أثمانه غالياً لأنَّ هذه المعارضات السياسية لم تنكفئ يوماً عن الاستفادة من خدمات السلفيات التكفيرية طيلة مدة الحرب دون مواربة، عدا عن كونها دمَّرت نفسها وأساءت لنفسها قبل الإساءة للآخرين سواء لناحية تشتُّتها وتشرذُمها ممَّا سهَّل اختراقها إقليمياً ودولياً إضافة لتقديمها أوراق اعتماد مُسبقة للغرب الاستعماري وللكيان الصهيوني عبر الإعلان عن قطع علاقاتها المبكرة مع إيران والمقاومة.

هذا الخروج لهذه المعارضات السورية من تحت العباءة القومية المُقاوِمة للكيان الصهويني لم تشكِّل النموذج الطليعي والأمثل الذي يُمكن أن تحذو حذوه المعارضات العربية، فكانت الهزيمة المدوّية لمشروعيتها، وكذلك في اعتمادها أيّ هذه المعارضات على دول إقليمية ليست بوارد إقامة أيّ حكم فيه نزعة أو نفحة ديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد.

تلطِّي رموز المعارضات السورية من الليبراليين والعلمانيين واليساريين وراء الإخوان والأتراك والقطريين والحلف الأطلسي، واعتقادهم أنه بالسلاح وحده يستطيعون تحقيق «الانتصار» أظهر العُقم والفكر الإلغائي الذي طبع سلوك هؤلاء، وبيَّنت معركة حلب ومجرياتها بأنَّ كلَّ مَن تآمر على الدولة السورية وعلى بلاده وكلَّ من راهَنَ على استحضار الأجنبي واستجلاب المشروع الاستعماري سيكون مصيره الصعود في الحافلات الخضراء التي باتت تشكِّل عنواناً للانتصارات الاستراتيجية لسورية ومحورها، وهزيمة ذلٍّ وعارٍ وخزيٍ لأمثال هؤلاء المعارضين المشوَّهين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى