حلب… الانتصار ولكن أدوات العدوان خرجت بأمان!
محمد ح. الحاج
عندما تقترب بجيشك من قوات لك محاصرة من قبل عدو، وترسل لهم بإشارات تنبئ بوجودك فأنت تبعث في نفوسهم شحنة من العزيمة والصمود، هذا ما فعلته تركيا يوم دخلت الشمال السوري مخترقة الحدود ومتذرّعة بقطع الطريق على استكمال كيان كردي تعلم أكيداً أنه لن تكتب له الحياة وأنه سيبقى محاصراً بين جدران أربعة دون منفذ حتى وإنْ دعمته كلّ قوى العالم، تركيا كانت تريد إيصال صوت مجنزراتها ومدافعها إلى مسامع أدواتها المحاصرين شرق حلب، وما فعلت ذلك إلا بعد التنسيق مع حلفائها الذين لهم عناصرهم وأدواتهم كما لها، حتى العدو الصهيوني شريك، عندما ضرب قرب دمشق أو في مطارها القديم فإنما كان الهدف تخفيف اندفاعة الجيش في حلب وتأخير الهزيمة.
انتصار حلب، انتصار عظيم وتاريخي للجيش السوري وحلفائه، وهزيمة نكراء لشركاء العدوان وأدواتهم، ولسنا نحن كمحللين وطنيين نقول ذلك، بل هم خبراء الغرب وقادته العسكريين ذوي الخبرة: «على الدول الغربية أن تعترف بهزيمتها في الحرب في سورية»، هذا ما قاله الرئيس السابق لهيئة الدفاع البريطانية الجنرال ديفيد ريتشاردز في مقابلة مع «بي بي سي» البريطانية الجمعة 16 كانون الأول 2016، وتابع قائلاً: لقد أثبت بوتين والأسد أنهما أكثر مكراً من قادة الغرب»، أما نحن فنقول هو ليس المكر بقدر ما هي القراءة الصحيحة للواقع وللقوى وإيمان بالحق الذي حاول الغرب كلّ جهوده للالتفاف عليه.
لا نشك أبداً بأنّ استعطاف الرئيس بوتين من قبل القيادة التركية ومعها قادة من الغرب حدود الاستجداء لوقف النار بذريعة الهدنة الإنسانية وإدخال المساعدات كان له التأثير الأكبر، إضافة إلى دور الإعلام الضاغط، وما جرى في كواليس مجلس الأمن والدوائر الغربية، وما كان كلّ ذلك من أجل سواد عيون الإنسانية التي يدّعونها، يقول الجنرال البريطاني اياه : «الوضع الإنساني في سورية يرعبنا جميعاً، وستستمر هذه الحرب لسنوات إنْ لم نضع نهاية لها، وأعتقد أنّ الموقف الليبرالي للغرب بما في ذلك موقفي الشخصي، كان أحياناً شديد النفاق، ولا أخشى الاعتراف بذلك، نحن نذرف دموع التماسيح عندما نتحدث عن قضية الوضع الإنساني في سورية لكننا لم نكن أبداً على استعداد لحلها». هل نحن من قال ذلك أو حكوماتنا أو أحدا من حلفائنا؟ بالتأكيد لن يتمّ تسليط الضوء على ما قاله، بل ستعمد الصحافتان الغربية والعربية إلى تجاهله مع الاستمرار في التطبيل والتزمير لما يروّجونه عن وضع إنساني مزر وانتهاكات وارتكابات إلخ…
عندما أدرك الغرب أنّ النهاية أصبحت حتمية لأدواتهم وأنهم أصبحوا في النزع الأخير وأنّ سقوطهم في قبضة الجيش السوري وحلفائه قيد أيام أو ساعات، تحرك الجميع فلديهم مئات الضباط والخبراء ضمن غرف عمليات ومستودعات ذخيرة ومقرات قيادة تركوا أغلبها فوصلوا خط النهاية، وقد لا نبالغ إنْ قلنا مجازاً لقد ارتضوا تقبيل يدي بوتين إنْ لم يكن أكثر من ذلك ليصدر التعليمات إلى جنرالاته وممارسة الضغط على الجانب السوري لوقف الهجوم… بل يمكن القول إنّ اتفاقاً ثنائياً بين الأتراك والجانب الروسي تمّ عقده قبل اطلاع الحكومة السورية ونيل موافقتها يقضي بانسحاب المسلحين من حلب الشرقية، بالأحرى من الحيين أو الثلاثة الباقين بها مقابل التزام تركي بوقف الإمدادات لأي جهة كانت وإغلاق المعابر الحدودية والتعاون في ملاحقة داعش والنصرة، وربما هناك التزامات أخرى، وجاء الاعتراض السوري لإضافة موضوع المفقودين والمختطفين، وأيضاً إخراج الحالات الانسانية وبعض المدنيين من بلدتي كفريا والفوعة، وكاد الاتفاق يلغى عند اكتشاف عدم مطابقة الأرقام بين ألفين أو أربعة آلاف وبين خمسة عشر ألفاً، وأيضاً تمّت معالجة الأمر وبدأت تالياً عمليات الخروج وظهر أنّ بداياتها كانت دون تدقيق أو تفتيش وهكذا انكشف التلاعب التركي بعد خروج الموجات الأولى، الخروج المشبوه وهي الأهمّ التي ضمّت قوائم تمّ نشر بعضها لاحقاً ضباطاً من جنسيات مختلفة، كما نقل المسلحون معهم أسلحة نوعية وعسكريين مخطوفين – لقد خرقوا الاتفاق، وخرقوا يافطة النصر وعلا صراخ من وصل منهم شمالاً فشعر بالأمان بين القوات التركية… عائدون يا حلب، وردّد بعدهم وزير الخارجية البريطاني أنّ الحرب لم تنته…! وكأنّ الهزيمة بهذا الشكل ليست كافية، فما زال لديهم أعداد من الأجراء والمرتزقة ومن كلّ الجنسيات الدولية يعملون تحت يافطة المعارضة «السورية المعتدلة» وأنّ تخريب سورية لم يكتمل بعد.
البكائية الدولية على الضحايا والإنسانية في حلب لا يقابلها ذكر لضحايا اليمن، ولا ليبيا، هي بكائية لفجيعة سقوط المشروع الغربي الذي لم يأخذ بنصيحة الجنرال البريطاني، ولم يهاجم سورية مباشرة، كما لم يعلن الوقوف إلى جانب الأسد حسب نصيحته قبل مبادرة الروس إلى ذلك خصوصاً أنّ هذا الغرب أعلن الحرب على داعش بتحالف واسع، يقول الرئيس المنتهية ولايته أوباما، لم نساعد الشعب السوري على انتصار قضيته حتى لا نتعرّض لمشاكل أكثر، وهنا لا يأسف السيد أوباما لأجل الشعب السوري الذي يختزله الغرب ببضع مئات من العملاء والأتباع، بل هو يأسف على فشل أغلب مخططات المشروع رغم نجاح هذا الغرب بتدمير البنية التحتية والاقتصادية لدولة كانت الأكثر أمناً والأقلّ معاناة، والأقلّ مديونية، والتي كانت تتجه إلى التقدّم بخطى واسعة نحو التطور التكنولوجي والاكتفاء الذاتي وهذا ما لا يقبل به الغرب بالمطلق.
لا شك أنّ الحركة السريعة التي قامت بها داعش نحو تدمر كانت بتوجيهات غربية وأهدافها ليست خافية، وأجزم بأنّ الروس كانوا يتوقعونها نتيجة رقابتهم للأجواء، والأنشطة الاستطلاعية والاستخبارية الخاصة بهم، وتسرّب أنهم أخلوا مواقعهم في تدمر قبل أيام، وأنّ صور تحرك داعش على محاور العراق الشام عبر البادية كانت بحوزتهم، وإذ لم يكن ممكناً سرعة نقل قوات وإجراء حشد قادر على المواجهة فقد تمّ اتخاذ إجراءات وقائية ودفاعية غير متوازنة مع حجم القوات المهاجمة التي كان ظهرها مستنداً إلى وعود تركية أميركية بالدعم ووقف الهجمات حتى الشكلية عليها، ومن المرجح أنه تمّ إمدادها بما يلزم من أعتدة تحت جنح الظلام إما عبر إسقاط جوي أو عبر هبوط للحوامات العملاقة بعيداً عن الأعين في وهاد البادية الفسيحة، ومع ذلك فإنّ سقوط تدمر ثانية بيد داعش لم يعط النتائج المتوخاة لوقف الهزيمة في حلب، وبذلك تكون الإدارة الأميركية لعبت ورقتها الأخيرة، وتركت استكمال اللعبة للأتراك الذين لا يجب أن تنطلي أكاذيبهم ووعودهم على الحليف الروسي، ونعلم أنه جرى خرق الاتفاق بالنسبة لخروج المدنيين من الفوعة وكفريا، وأنّ جبهة الكفرة جيش الفتح أو غيره استهدفوا طرق مرور الحافلات وسيارات الإسعاف…
تركيا، وحتى لا تتحمّل مسؤولية خرق الاتفاق أوعزت للبعض فاختلقوا ذريعة لإعادتهم إلى مواقعهم شرق حلب غير مدركين أنهم سيكونون الضحية المجانية للتغطية على الفصل الأخير من المسرحية، المهمّ أنّ الأجانب خرجوا بأمان وليذهب الباقون إلى الشيطان.
الأسئلة كثيرة، منها البريء ومنها المشكك، ومنها ما هو خارج المنطق، كيف ولماذا وإلى أين الوجهة… وماذا بعد انتصار حلب؟