«داعش»… بابُ أميركا للنعيم وبابُ العرب للجحيم
فهد المهدي
الحراك السياسي الأميركي من أجل حشد أكبر عدد من الحلفاء الذين يمكنهم المشاركة في الضربة الجوية لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، بعد صمت طويل تجاه الأعمال الوحشية والعنيفة التي يقوم بها تنظيم «داعش» في العراق وسورية، يدعو إلى التساؤل والاستغراب حول التوقيت المتأخر لهذا الحراك، فهل تحرّكها هذا للقضاء على «داعش» كما تدّعي؟ أم أنه تحرّك تأديبي لتحجيم هذه الفقاعة الإرهابية فحسب؟
يبدو أنّ أحداث 11 أيلول لا تزال تخيّم بظلالها على المشهد العالمي والمشهد العربي بشكل خاص، حيث أصبح حدثاً متنقلاً بعناوين مختلفة وتطوّرات متسارعة، لينتج أكبر وأخطر أداة قتل إرهابية في العصر الحديث، ألا وهي «داعش» المنظمة التي صنعتها الولايات المتحدة الأميركية لتكون سلاحاً يدمّر البلدان العربية من الداخل ويقسّمها.
هناك دراسات لباحثين غربيين تؤكد أنّ منظمة «داعش» هي صناعة أميركية، الغرض منها إثارة الفوضى العارمة في أية دولة تخرج على سياسة أميركا وحليفتها «اسرائيل»، لتنتقل بذلك من الحرب المباشرة إلى الحرب بالوكالة، إذ وفرت لهذا التنظيم الإرهابي البيئة الملائمة وخلقت له الظروف للانتشار، فقد فجّرت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون مفاجأة من الطراز الثقيل، عندما اعترفت بأنّ الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يُسمّى بتنظيم «داعش».
ربما استطاعت واشنطن تحقيق بعض أهدافها في المنطقة من خلال هذا التنظيم الإرهابي، لكن يبدو أنّ هذه الأهداف أصبحت باهظة الثمن وتهدّد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة العربية، فسارعت الى التحرك والحشد ضدّ هذا التنظيم الذي يحاول الخروج عن الخط الذي رسمته له.
لم تهتمّ أميركا للتحذيرات السورية والروسية من خطر «داعش» طوال أربع سنوات كونها تعلم انّ هذه المنظمة ما كانت لتستهدف مصالح الأميركيين أو حلفائهم في المنطقة العربية، لكن ما حدث أنّ الأميركيين بادروا في قصف «داعش» في العراق بدعوى إغاثة الأيزيديين في العراق، فردّت «داعش» بذبح ما تدّعي انهما صحافيين أميركيين انتقاماً لردع واشنطن عن محاربتهم واستهدافهم، مما جعل هذا التنظيم الإرهابي مصدر تهديد مباشر لها، ليظهر رئيسها باراك أوباما محذراً من هذا التنظيم وخطره على المنطقة العربية والعالم.
الحشد الذي تتزعّمه واشنطن لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي لا يغني ولا يُسمن من جوع، فهو حشد استعراضي لقوى صنعت هذا التنظيم الإرهابي وموّلته، هدفه الحقيقي تقاسم غنائم هذا التنظيم الإرهابي في المنطقة العربية، هذا اولاً، وثانياً بناء تحالف لضرب سورية والمقاومة من خلال ما تمّ إعلانه عن استضافة معسكرات تدريب لمقاتلي المعارضة السورية تحت إشراف أميركي، لتتغيّر بذلك طبيعة ونوعية الحرب المقبلة في سورية.
مسارعة أميركا إلى التحالف الدولي والاقليمي من دون تدخل إيران وسورية فيه، يعيد إلى الأذهان مسرحية 11 أيلول التي كانت بوابة لتدخلات أميركية مباشرة في العراق وأفغانستان، لتبدأ مسرحية جديدة بمسمّيات جديدة، هدفها سورية والمقاومة، ليتمّ ضربهما تحت غطاء إقليمي ودولي، لتزيد الصورة الدموية في سورية، ولبرمجة الأوضاع الجديدة على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغن».
هذه الحرب التي يكتنفها الكثير من الغموض على تنظيم «داعش» والتي لن تحقق مبتغاها المرسوم لها في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، كونها تأتي من دول أسّست هذا التنطيم وموّلته ودرّبته لسنوات لتستثمره راهناً وبمباركة إقليمية ودولية في الدخول إلى حرب متنقلة لن تكون داخل العراق وسورية فحسب، بل ستنتقل الى لبنان وربما الى أبعد من ذلك لتصل الى دول أخرى في المنطقة، إذ صرّحت واشنطن أنّ ضربها لهذا التنظيم لا حدود له، بل سيشمل أي جغرافية يتواجد فيها هذا التنظيم، وهذا مؤشر خطير الى دوامة جديدة من الدماء، وتنفيذ مخطط التقسيم، وتدمير جميع القوى الإقليمية الموحدة.
حقيقة ما يجري أنّ واشنطن تسعى راهناً إلى رسم علاقات دولية جديدة في المنطقة ترتكز على شدّ الحبال بين القوى العالمية خاصة في ما بينها وبين روسيا والصين، لتكون الورقة الأخيرة في رصيدها والذي في اعتقادنا انها ستبوء بالفشل الذريع، لتكرّر بذلك ما حصل عام 2001 عندما قرّرت استهداف الحركات الإرهابية المتشددة في أفغانستان، فشنّت حرباً بقيادة الحلف الأطلسي وكلفها هذا الاستهداف الكثير، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
تحرك أميركا وحلفاؤها لا يخدم مصلحة دول المنطقة لأنه منحاز بشكل فاضح ضدّ محور المقاومة، وهو في الوقت نفسه توريط أميركي غير مباشر لحلفائه في المنطقة، خاصة أغبياء آل سعود الذين سيقعون في فخ أميركي محكم، لن تقوم لهم بعده قائمة، فالاتفاق على تدريب عناصر سورية معارضة في الأراضي السعودية خطأ استراتيجي ستكون له عاقبة وخيمة ومدمّرة لمملكة آل سعود، فخشيتها من تمدّد تنظيم «داعش» إليها بفتح معسكرات تدريب مقتنعة من الشيطان الأميركي انه من أجل مصلحتها للقضاء على معارضيها في الداخل والخارج، وحماية لها من أن ينقلب عليها تنظيمها الإرهابي «داعش» الذي موّلته ودعمته فقد بات خطراً يهدّد سيدها الأميركي فكيف بها وهي تابعة، هو كمن يضع السكين على عنقه ليذبحها، فمكرها الدفين والسيّئ لأن تعمل أيّ شيء ومن دون أدنى تفكير من إجل اسقاط من يعارضها سيحيق بها عاجلاً أم آجلاً.
واشنطن رغم ما تدعو اليه من تحالف إلا انها خائفة من حرب واسعة تطال مصالحها في المنطقة والعالم، وتُدخلها في صراع مباشر مع روسيا والصين وسورية وايران، لذلك حشدت قوى عالمية لتشكل جبهة قوية ضدّ هذه الدول، فذراعها الإرهابي العسكري التي تزعم محاربته والقضاء عليه خرج عن السيطرة ليشذّ عن الحدود المرسومة له في خلق دويلات على أسس طائفية، ويشكل تهديداً لمصالح واشنطن من خلال السيطرة على المناطق الاستراتيجية، خاصة آبار ومصافي النفط، فكان لا بدّ من تأديبه وتحجيمه لا القضاء عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى الضغط على الدول التي ذكرناها آنفاً لتستجيب للمطالب الأميركية وحلفائها في المنطقة، فباب الإرهاب من دول الإرهاب هو بابٌ للنعيم ما دام يجعل العرب في الجحيم.