بري تحسّب من «دوبلة» الحريري فأخفى الاسم في جيبه للحظة الأخيرة

روزانا رمّال

لا تعتبر الأغلبية العظمى في لبنان أنّ مسألة توزير المرأة «عجيبة» يجب التوقف عندها، لأنها ليست «منّية» من أحد على من تحتسب عديداً وحضوراً أكثر من نصف سكان لبنان، بالتالي فإنّ أيّ حساب طبيعي للناخبين في الاستحقاقات البلدية والانتخابية في نظام ديمقراطي كذلك الموجود في لبنان يجعل من توزير المرأة بشكل متساوٍ مع الرجل أمراً بديهياً عملاً بقدرتها على ممارسة حقها الانتخابي بشكل عادي وعملاً أيضاً بقدرتها على التمييز بين مرشح وآخر لدى اختيارها لممثلي الشعب في البلاد.

التقصير في تمثيل المرأة يفوق وجوب الابتهاج لتعيين سيدة في مجلس الوزراء في التشكيلة الحديثة، وهي د. عناية عز الدين، لكنه يسجل بالوقت عينه نقطة إيجابية في سجل الحزب السياسي الذي قدّمها من بين خياراته في التشكيلة بغضّ النظر عن الحسابات التي يرى البعض فيها، حسب معلومات «البناء»، قطعاً للطريق على بعض المستوزرين أولاً وضرب عصفورين بحجر واحد على طريقة الرئيس بري «النبيهة». وعلى هذا الأساس بدأت معالم الرواية تتوضح أكثر وكواليس توزير السيدة عزالدين بين حسابات وضرورة تمثيل للمرأة احتلت حيّزاً هاماً من مفاعيل الخطوة التي جاء وقعها طيباً على مسامع اللبنانيين، خصوصاً الجمهور الشيعي الذي كان يعتبر أنّ أكبر فصيلين سياسيين حزب الله وحركة أمل مقصّرين في دعم المرأة وإيصالها لمراكز القرار، كيف إذا كانت الوزيرة عز الدين أول سيّدة محجّبة في مجلس الوزراء اللبناني؟

الشق الأهمّ في معلومات «البناء» من أوساط متابعة، أنّ مسألة دعم المرأة في العهد الجديد هي فكرة الرئيس بري التي كان يتداول فيها مع المعنيين بينهم الرئيس سعد الحريري الذي تمنّى عليه الرئيس بري في أحد اجتماعاتهما أن يعمل على إنتاج قانون انتخابي يضمن هذه المرّة الحصة النسائية «الكوتا». فهذا الأمر بات أساسياً حسب بري، متوجّهاً بهذا الحديث للحريري. وللمفارقة خرج الحريري مهتماً بالمسألة وقدّم للبنانيين اهتماماً لافتاً بطرح رغبته بتوزير امرأة في كواليس التحضير تارة وفي بعض تصريحاته أيضاً كاشفاً عن سعيه لتوزير امرأة لحقيبة ترعى شؤونها. وتابع المصدر: «من جهته اعتبر الرئيس بري كلام الحريري المستمرّ والمتلاحق عن المرأة و»الكوتا النسائية» ومسألة توزيرها بالحكومة قبل التشكيل نوعاً من «الدوبلة» على اهتمام بري وتركيزه على المرأة، وهو مقرّر سلفاً ترجمة هذا الاهتمام أفعالاً بتوزير امرأة، فخشي بري من طرح الفكرة للإعلام او التحدث فيها فتصبح مزايدة تخرب على التشكيلة الحكومية وتعرقل ولادتها، فقرّر بري أن يترك الأمر لآخر لحظة من التشكيل لضمان سيره بالحكومة، لأنه لم يكن يودّ إظهار الموضوع على أنه منافسة ورفعه كقضية تحدٍّ بين أمل والمستقبل. الأهمّ عنده كان إطلاق الحكومة بعدما أوحت بعض اللحظات إمكانية عرقلتها إلى ما بعد الأعياد.

يضيف المصدر «فوجئ بري بتحويل الحريري الموضوع الى «منافسة»، وكأنه سباق عوضاً عن الاهتمام بالقضية كقضية»، وفوجئ أيضاً باهتمام الحريري بالظهور «كمتفوق» على الآخرين في مسألة دعم المرأة وحقوقها، فلم يتحدّث بري بالأمر نهائياً ولم يكاشف أحداً باسم الوزيرة أو بنيّته توزير امرأة، كي لا يصبح تركيز الحريري منكباً على إعادة ترتيب الحكومة و»شقلبتها» كي يوزّر امرأة فقط للقول إنه هو من عيّن وزيرة في الحكومة. وعلى هذا الأساس خبأ الرئيس بري اسم الدكتورة عز الدين حتى اللحظات الأخيرة تحسّباً من «الدوبلة» حتى آخر لحظات التشكيلة الحكومية، يختم المصدر.

بكل الأحوال تبدو المرأة اللبنانية محطة جذب وتجاذب في الحسابات السياسية من دون التأكد من إمكانية أن تستفيد بعد تخصيص حقيبة لشؤونها على رأسها الوزير جان اوغاسبيان الذي قبل بتسلّم حقيبة من هذا النوع فيها الكثير مما ينتقص من المرأة أولاً بتخصيص حقيبة لإدارة شؤونها، وكأنّ هذه الحقيبة قادرة على إحداث فارق في تقديمها كعنصر فاعل بالمجتمع عوضاً عن الصورة التي قدّمت فيها اليوم ككائن يحتاج لرعاية ودعم من منطلق الضعف.

حريّ بالساسة الذين «انتخوا» أمام الكاميرات وتحدّثوا عن حاجات المرأة ومتطلباتها وبين حقوقها وواجباتها أن يجهدوا لتخصيص حقائب سيادية أو أساسية لها قادرة على إظهار كفاءاتها الكبرى في إدارة شؤون البلاد بدلاً من استعطاء وزارة او اثنتين لا قدرة فيهما على العطاء وإحداث فارق بل فيها ما يكفي بحالة «حقيبة إدارة شؤون المرأة» من تكريس فوقية الرجل في الحياة السياسية اللبنانية.

وعليه يبقى أنّ التغيير الجدي الذي سيساعد المرأة اللبنانية في إثبات حضورها هو ما يتكفل به قانون انتخاب جديد قادر على إعطائها حصة وازنة في مجلس النواب، بدلاً من تقديم وزارات لا تؤكد على احترام تمثيلها في الحياة البرلمانية من منطلق دستوري يجعل من أيّ وزارة تتسلّمها «هدية» او «جميلاً» من هذا الفريق او ذاك.

يلوم اللبنانيون ساستهم للتأخر في هذا الملف، في وقت يدّعون «الريادة». نظرة واحد الى دول جارة ومجاورة تكشف زيف ادّعاءات المسؤولين اللبنانيين، يكفي وجود مستشارة للرئيس في سورية ورئيسة لمجلس النواب، كي لا يقارن لبنان بمن لا طاقة له على مجاراتهم كدول أوروبية جعلت من نسائها رئيسات… المانيا او بريطانيا ومرشحات لقيادة دول عظمى كهيلاري كلينتون مؤخراً…!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى