انتفاضة الحجارة في ذكراها التاسعة والعشرين 2
رامز مصطفى
فرضت الإجراءات القمعية الإسرائيلية التي تسبّبت في وقوع العديد من الجرحى والشهداء بين صفوف أبناء الشعب الفلسطيني المنتفض، لا سيما الأطفال منهم، إلى لجوء الانتفاضة في تطوير أساليب مواجهاتها مع الاحتلال وقواته العسكرية والأمنية، والتي تمحورت حول: المقاومة المدنية والكفاح الشعبي.
اتسمت المقاومة المدنية، بطابعها الغير عنفي إلاّ إذا اقتضت الضرورة رداً على الاحتلال، وإتخذت أشكال من أهمّها:
ـ تنظيم التظاهرات الشعبية في المدن والبلدات والمخيمات على مدار سنوات الانتفاضة. وتحديداً خلال تشييع الشهداء، أو إنقاذ الجرحى وفي المناسبات الوطنية.
ـ الإضرابات الشاملة التي تعمّ كلّ المناحي الحياتية، باستثناء الخدمات المتصلة بالصحة والاستشفاء. وبالتالي الإضرابات الجزئية، والتي تشمل قطاعات محدودة.
ـ رفض الأوامر العسكرية، والتوقف عن دفع الضرائب ودفع الرسوم المالية بأنواعها. والطلب من العاملين العرب في أجهزة الإدارة المدنية الإسرائيلية ، ومن المخاتير الاستقالة من مناصبهم، في خطوة تعبير عن العصيان المدني، أقدم سكان بيت ساحور على تسليم هوياتهم للحاكم العسكري في إطار رفضهم لدفع الضرائب.
ـ فضح عملاء الاحتلال وتعريتهم أمام الجمهور الفلسطيني، وتمّ قتل بعض هؤلاء العملاء.
ـ قذف الآليات العسكرية بالحجارة والزجاجات الحارقة وإشعال الإطارات ووضعها في الشوارع، ورمي المسامير والزيوت المعدنية ووضع الحواجز الحجرية والزجاجية والحديدية في الشوارع المؤدية إلى المستوطنات، والشوارع التي تستخدمها قوات الاحتلال وإحراق دوريات عسكرية وحافلات وسيارات المستوطنين.
ـ توزيع منشورات تشرح كيفية إعداد واستخدام القنابل الزجاجية الحارقة وكرات اللهب المشتعلة وكرات الرصاص والزجاج والمقاليع.
ـ رفع الأعلام الفلسطينية على المدارس والمساجد والكنائس، وفوق أعمدة الهاتف والكهرباء وأسطحة المنازل.
ـ كتابة الشعارات الوطنية والإسلامية على جدران البيوت والأماكن العامة التي تدعو للمقاومة والتصدي لقوات الاحتلال
ـ دعوة المواطنين إلى رفض الدعوات التي تطالبهم الحضور من أجل مقابلة ضباط الحكم العسكري والإدارة المدنية، أو مقابلة ضباط المخابرات الصهاينة للتحقيق معهم كما كان يحدث قبل الانتفاضة.
مقاطعة البضائع
دعت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الشعب الفلسطيني إلى:
ـ مقاطعة البضائع والمنتجات «الإسرائيلية»، ومنع توزيعها في الأسواق الفلسطينية.
ـ تخريب المنشآت الاقتصادية «الإسرائيلية» من مصانع وشركات ومؤسسات.
ـ تدمير شبكات المياه والكهرباء العائدة سواء لوزارات حكومة الكيان أو المستوطنين أو الشركات الخاصة.
العمليات العسكرية
خلال الانتفاضة اعتمدت الفصائل الفلسطينية أشكال العمل العسكري المسلح:
ـ عملية ديمونا عام 1988.
ـ محاولات لاختطاف جنود صهاينة لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
ـ ملاحقة وقتل العملاء وإحراق منازلهم.
ـ ملاحقة سماسرة الأراضي أفراداً كانوا أم شركات.
ـ اعتماد عمليات الطعن بالسكاكين على الجنود أو المستوطنين.
وسائل الانتفاضة
ابتكرت الانتفاضة في فعالياتها مجموعة من الوسائل التي تساعد في بث الدعاية والتعبئة الجماهيرية لجموع الشعب الفلسطيني، وحثهم على الإنخراط الأوسع في أعمال الانتفاضة والمقاومة. ومن تلك الوسائل:
ـ إصدار البيانات والنداءات: وهي الموقعة من قبل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، أو من قبل حركتي حماس والجهاد، وهي تتقاطع عند توجيه الدعوة إلى الاضرابات، حيث كانت تلقى استجابة من قبل فئات الشعب الفلسطيني.
ـ النداءات في المساجد: مثلت المساجد إحدى الوسائل الفعّالة والمهمة في توجيه الدعوات من أجل تنفيذ فعاليات الانتفاضة. حيث ميكروفونات المساجد لعبت دوراً مؤثراً كإذاعات وطنية تبث نداءات سياسية وجماهيرية في عموم المخيمات والبلدات الفلسطينية من أجل المشاركة في التظاهرات والمواجهات. وإذاعة ما تصدره قيادة الانتفاضة
ـ الكتابة على الجدران: انتعشت خلال الانتفاضة الكتابات والشعارات الجدرانية التي ملأت جدران الشوارع والمباني والدارس والجوامع والكنائس والمؤسسات والمصانع إلخ… وهي مساحات واسعة وجدت فيها الانتفاضة ورجالاتها وأبطالها فرصة لإطلاق الشعارات الحماسية الثورية والوطنية وحتى الإسلامية، من مثل لتستمر الانتفاضة… تحية لأطفال الحجارة… نموت واقفين ولن نركع… أعلناها سوية إسلام ومسيحية .
ـ اللقاءات المنظمة: عمدت قيادة الانتفاضة إلى تنظيم اللقاءات والمحاضرات والندوات والمهرجانات، خصوصاً في مجالس عزاء الشهداء والجامعات ومقار النقابات، بهدف حث الجماهير على مواصلة الانتفاضة وتعميمها.
ـ الإعلام الجماهيري: فقد اعتمدت الانتفاضة في قلة الوسائل الإعلامية، اللجوء إلى الإعلام الجماهيري المباشر، حيث تمّ الاعتماد على إذاعة قرارات وبيانات الانتفاضة بميكروفونات محمولة على سيارات. مع الاعتماد على وكالات أنباء محلية وعالمية لفضح ممارسات الكيان وقواته وأجهزته الأمنية ومستوطنيه، حيث لعبت الصور الملتقطة لجنود الاحتلال وهم يكسرون عظام عدد من الفتيان الفلسطينيين، وكذلك قتل الطفل محمد الدرة المحتمي بوالده، دوراً هاماً في كسب التعاطف والتضامن من الانتفاضة ومطالبها العادلة والمحقة.
ردّ الفعل «الإسرائيلي»
أول ردود الفعل من الجانب «الإسرائيلي» على أعمال الانتفاضة جاء على لسان المقبور إسحق رابين خلال كلمة له أمام «الكنيست»، قائلاً: «سنفرض القانون والنظام في الأراضي المحتلة، حتى ولو كان يجب المعاناة لفعل ذلك».
وأضاف قائلاً: «سنكسر أيديهم وأرجلهم لو توجب ذلك». وصلت الانتفاضة إلى أعلى مستوى لها في شباط 1988عندما نشر مصور «إسرائيلي» صور جنود يكسرون أذرع فلسطينيين عزّل باستحدام الحجارة في نابلس عملاً بما هدّد به رابين. ودارت تلك الصور حول العالم مما أثار مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين. أما «إسرائيل» فقد قامت بسياسة لتهميش منظمة التحرير والإيقاع بين حركة حماس والفصائل الأخرى. أقحم رابين حرس الحدود بهدف قمع الانتفاضة لما عُرف عنهم عنفهم وقسوتهم، بعد أن عجزت قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية في إخماد جذوة الانتفاضة. إلاّ أنّ تدخّل أيّ من اللواءين 20 و21 من حرس الحدود لم يغيّر أيّ شيء في مجريات الانتفاضة واتساعها وشموليتها، الأمر الذي دفع حكومة رابين إلى الزجّ بوحدتين المستعربين يتقن أفرادها التحدث باللغة العربية، ومهمّتها التسلل إلى داخل الانتفاضة وأفراد المقاومة.
وفي خطوات إضافية أقدم الكيان «الإسرائيلي» على تطبيق سلسلة إجراءات رادعة وعقابية بهدف إعادة الإمساك مرة جديدة من قبل الإدارة المدنية، والحدّ من توسع العصيان المدني، ومنها:
ـ قرّرت قوات الاحتلال تمديد ساعات منع التجوال العام الأول للانتفاضة شهد 1600 حالة حظر للتجوال، فقط منها 180 فقط خلال خمسة أيام .
ـ إغلاق الجمعيات والجامعات والمدارس الفلسطينية بشكل متعمد 900 مدرسة فلسطينية و9 جامعات كان يدرس فيها 300 ألف طالب .
ـ منع القادمين من الأردن من إدخال مبالغ مالية تفوق مائتي دينار أردني، في خطوة للحدّ من الدعم الخارجي للانتفاضة بعد أن كان يسمح بإدخال ألفي دينار.
ـ اشترط لتجديد رخص التصدير القيام بدفع الضرائب.
ـ تشديد الحصار على عدد من المناطق المأهولة بالفلسطينيين، مما أثرّ على تحركهم أو تصدير ما ينتجونه. وما زاد الأوضاع سوءاً، عندما منعت الأردن استيراد عدد من بضائع الضفة.
ـ قطع التيار الكهربائي وإمدادات بالماء وخطوط الهاتف.