سمير القنطار… الساكن في نبض الرصاص
عبير حمدان
هل يكفي أن ننغمس بحبر الكلام كي نرسم وطناً يشبه رجالاً قاوموا وصمدوا وصبروا وانتصروا؟ هل يكفي أن نجمع شتات ذكرياتنا لنعبّد طريق العودة؟ وكيف نكتب التاريخ في زمن صعب، في زمن يعلو فيه منسوب الحقد حدّ ظلام البئر التي رُمي فيها يوسف النبي كيداً؟ كيف نرتّل الصبح المقيم بين تفاصيل الخطى التي قادها إيمانها إلى فلسطين لتخرج منها كاسرة القيد ثم تختار العودة أيضاً إلى فلسطين؟
سنة على قدسيّة الشهادة والدم المعتّق بين شرايين القرى، يؤلّف نصراً جديداً. لا يحتاج سمير القنطار إلى بيانات تعريف، فهو يسكن في نبض الرصاص مذ كان فتيّاً. هو الذي لستبدل الخطاب بالمواجهة والشعارات بالقتال حتى النفَس الأخير.
كلّ الساحات تأخذنا إلى فلسطين، لذلك كانت سورية أرض اللنبعاث من رحم الكرامة. هناك ارتقى العميد والقائد الشاهد والشهيد مزنّراً بالصمت إذ إنّ الحقّ لا يحتاج إلى إشهار.
هو الذي أقام في وجدان الأحرار رغم نير الاحتلال. لم يحتج إلى تذكرة عبور فالحدود تسقط لحظة تخرج من إطارها الاستعماري. في بال ذاك الشاب الفتيّ لا وجود للخرائط التي ابتدعها الانتداب، ولا وجود لكيان منبثق من رحم هرطقة «الهولوكوست» الوهمية. في بال ذلك الشاب وطن بلا أسلاك شائكة.
حين حمل سمير بندقيته وسخر من الحدود المصطنعة، لم تكن المقاومة كما نعهدها اليوم. تبدلت التسميات ولم يتبدّل. بقي صاحب الموقف الثابت والصابر المحتسب، والواثق بصدق الوعد. ذات تمّوز، أدرك الشاب الذي أضحى رجلاً أن القضبان ستزول، وآمن بأنّ العودة حتميّة.
بين ركام الضاحية أطلّ العميد بما يحمل في قلبه من عبق ليمون يافا والبخور الذي يرافق رنين أجراس القدس العتيقة ليحطّم أغلال الوهم الصهيونيّ ويقول: «معك سمير القنطار… رجعت وكلّ الشباب معي»… بعدئذٍ لم يألف الضوء إلا من خلال إطلالات قليلة، واختار رواية قصته التي حرّرها الزميل حسان الزين في حينه، ثم لبس الصمت عباءة ليكمل المسير على أرض الشام، وكلّها بلاد الشام… ليرتفع شهيداً حيث أراد، حيث أسّس نواة المقاومة الزاحفة إلى ما بعد بعد حيفا ويافا.
سنة على الشهادة، لم تسعَ أيّ جهة رسمية إلى البحث عن كرامتها التي فقدتها لحظة تناست شهداء الحقّ في سبيل الحفاظ على الوطن كلّ الوطن من دون تقسيم.
سنة على ارتقاء سمير القنطار العميد والشاهد والشهيد، ولم نشهد أيّ تقرير إعلاميّ يلامس بعضاً من بأسه… فسلام عليه حيث سار وتمسّك براية الصمود، وسلام إليه حيث حلّ راضياً مرضيّاً.
لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المقاوم سمير القنطار، افتُتح في تمام الرابعة من بعد ظهر أمس الأربعاء، معرض آثار عميد الأسرى الشهيد القائد سمير القنطار ورسائله. وحمل المعرض عنوان «سلام على مَن صبر»، وذلك في قصر الأونيسكو، بحضور رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد, رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير السابق محمود عبد الخالق، عضو المجلس الأعلى حسام العسراوي ممثّلاً رئيس الحزب الوزير علي قانصو، عميد الإعلام معن حمية، الوزير السابق الدكتور عصام نعمان، أمين سرّ حركة فتح في لبنان فتحي أبو العردات، مسؤول لبنان في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة أبو عماد رامز، وحشد من الشخصيات السياسية والروحية والإعلامية، إضافةً إلى عائلة الشهيد.
تخلّلت برنامج الافتتاح كلمة عائلة الشهيد ألقتها زوجته الإعلامية زينب برجاوي، وتحدّثت فيها عن سمير القنطار الزوج والأب، وعن سمير القنطار المقاوم الذي لا يهدأ، ولم يهدأ إلى أن نال شرف الشهادة.
ثمّ ألقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، كلمة تحدّث فيها عن سمير القنطار المقاوم، والشهيد، والأب، وقال: «مَن أنجب عليّاً، سيكون خَلَفه مثله». ثمّ شكر شريكة حياة الشهيد القنطار، كونها حافظت على إرث الشهيد البطل.
وإذ اكتظّت القاعة الكبرى في قصر الأونيسكو بالوجوه التي كانت في بحث مستمرّ عن السرّ خلف عزيمة هذا الرجل الذي لم يترك السلاح حتّى الرمق الأخير، عُرضت مقتطفات من فيلم وثائقيّ عن الشهيد من إنتاج قناة «الميادين»، استوقف الحضور في أكثر من محطّة، إذ إنّ بطل الوثائقيّ كان الشهيد سمير القنطار بنفسه، بصوته المقاوم، وكلماته المقاومة، وسيرته المقاومة.
يشار إلى أنّ المعرض الذي دعت إليه ونظّمته عائلة العميد الشهيد سمير القنطار للاحتفاء بالذكرى السنوية الأولى لاستشهاده، مستمرّ حتّى السابعة من مساء اليوم الخميس 22 كانون الأول 2016، ويفتح أبوابه أمام الزوّار في تمام الرابعة بعد الظهر.