أردوغان يصعد إلى العربة الروسية
كتب أيال زيسر في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:
إن اغتيال السفير الروسي في أنقرة أثار زعزعة عميقة، وكذلك الخوف من التأثيرات المحتملة على الاستقرار في المنطقة. وكان هناك من حذّر من التصعيد وتدهور العلاقة التركية ـ الروسية إلى درجة اندلاع الحرب بين الدولتين، وذكر مثالاً على ذلك قتل وليّ العرش النمسوي الهنغاري فرديناند في حزيران 1914 في سراييفو، الأمر الذي أدّى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى.
إن الزعزعة من عملية الاغتيال نبعت على ما يبدو من أنّ العملية تم بثّها مباشرة وكأنها برنامج من برامج الواقع. وفعلياً، القتل ليس فقط لم يؤدِّ إلى تدهور العلاقة بين تركيا وروسيا، بل على العكس، دفع أردوغان أكثر نحو أحضان بوتين.
كانت عملية الاغتيال فخر وغطاء للقاء وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا الذي أجري مؤخراً في موسكو. وقد بشّر هذا اللقاء ببداية تحالف إقليميّ جديد متبلور بين الدول، وبشكل أدقّ، انضمام تركيا إلى المحور الروسيّ ـ الإيراني الذي يحاول منذ زمن فرض سيطرته على المنطقة.
قبل حوالى سنة عادت روسيا إلى الشرق الأوسط بعد غياب طويل. فقد قامت بإرسال قوات عسكرية إلى سورية للمحاربة إلى جانب الأسد. ومنذ ذلك الحين تفرض وجودها العسكري الكبير في هذه الدولة وتقيم مواقع عسكرية، بحرية وجوية، تؤكد على أن روسيا جاءت إلى هنا للبقاء فترة طويلة.
إن عودة روسيا إلى المنطقة تمت من خلال التعاون مع إيران التي تشقّ طريقها مقابل أرباح جيدة. مثلاً تقوم روسيا في سورية بالقصف الجوّي، أما إيران فتحارب على الأرض. ويمكن القول إن جوهر التعاون بين روسيا وإيران، الذي يشمل أيضاً منظمة حزب الله، هو الاتفاق على تقسيم سورية، بل تقسيم كل الشرق الأوسط ـ العراق واليمن ولبنان ـ إلى مناطق نفوذ بين موسكو وطهران.
على مدى السنة الماضية كانت تركيا في الطرف الثاني من المتراس، وتحاول بكل قوّتها مقاومة التأثير الإيراني المتزايد في المنطقة والتخريب على روسيا في سورية. إلا أنه في الاشهر الاخيرة حدث تحوّل في تركيا. وعلى خلفية الواقع الإقليمي الجديد يقوم أردوغان بعمل المطلوب من أجل الحفاظ على قوّته وعلى مكانة تركيا، وهو الانضمام إلى موسكو.
إن جوهر تحوّل موقف تركيا هو الاعتراف بقوة روسيا وقدرتها على الاضرار. والادراك أن واشنطن قد تركت المنطقة وتركت أصدقاءها. والأتراك يعرفون أن فرصة «المتمرّدين السوريين» الذين تحت رعايتها، ضعيفة في حسم المعركة في ظل الظروف الجديدة. ويضاف إلى كل ذلك، أن تركيا تعتبر الاكراد هم الخطر الاكبر. ومن هنا فإنّ الانضمام إلى موسكو في خطوة ضدّ الأكراد الذين تقف من وراءهم واشنطن، هي خطوة مطلوبة وضرورية. ويمكن القول إنه مقابل استعداد تركيا للمساعدة في استقرار الوضع في سورية، ستحصل تركيا وحلفاؤها، «المتمرّدون» الذين يعملون في شمال سورية في إدلب وفي شمال حلب، على الحصانة التي تمكّنهم من الاستمرار في السيطرة على المنطقة، خصوصاً القتال إلى جانب تركيا ضدّ الاكراد الذين يريدون حكماً ذاتياً خاصّاً بهم في هذه المناطق.
سخرية القدر أنّ اللقاء في موسكو، الذي ناقش مستقبل سورية، لم تتم دعوة الأسد إليه، الامر الذي يظهر ما الذي يفكّر فيه الروس عنه، وإلى أيّ حدّ أصبح في جيوبهم. وحقيقة عدم دعوة واشنطن إلى اللقاء هي رمزية، وكأن الأمر لا يعنيها وأن لا أحد يحسب لها أيّ حساب.
إن تحالف تركيا وروسيا يعمل على تعزيز مكانة موسكو، حيث تستطيع روسيا الآن المناورة كما تشاء بين أنقرة وطهران، وعن طريق سياسة فرّق تسد، يحققون مصالحهم على حساب تركيا وإيران. ومثلما هي الحال في كثير من التفاهمات والاتفاقات والتحالفات، الحديث هنا يدور عن تحالف مؤقت للمصالح لا يلغي التخوف وعدم الثقة بين المتحالفين. ولكن يتبين مجدّداً أن بوتين فقط، بخطوة مفاجئة وتحت عيون الأميركيين المغمضة، نجح في الربط بين أنقرة وطهران، وبينهما وبين موسكو.