الاسم: خيرات.. والكتاب: «منام الماء»!

اعتدال صادق شومان

لأن للّغة أمّاً تلد حروفها، فإنّ أمومة خيرات الزين فاحت في سيرة ذاتية للحروف، في إهداء للابنة «الغالية»، ثمانية وعشرين حرفاً في إقامتها «القمرية»، حرفاً، حرفاً، من بابها حتى مغلقها، كما في ترتيبها الأوّل «أبجد هوز حطي كلمن…». اصطحبتنا إليها الفنانة التشكيلية خيرات الزين في رحلة سردية في تطابق للحكايات والأمكنة وخفايها في جمالية الحرف، بما تملك من رهافة الشاعرة وخيال اللون، في توليفة فنّية لحركة الحروف من حيث هي نطق وتدوين وصوت ومنحنيات سيميائيّة في مجمل أحوالها الساكنة والمتحرّكة. وعلى ما تتفرّد بها الكتابة العربية من الأبّهة والفخامة. لتمضي الأبجدية بردائها الفصيح مع خيرات الزين بما يشبه أريحية شعرية تتناغى في ظلال الحروف، تفوح عطراً برائحة الأقحوان في «ألف الهمزة» تلاقيها «بنات الباء» أمّ «البنين والبنات». وهكذا، تتبع خيرات الزين الأبجدية في وصال صوفيّ مع «ماء الميم» فيها «عطر الملائكة» و«منام الماء»، عطر «مبارك ومؤمن» في تجلٍّ واضح مع الأبعاد الصوفية في توحّدها مع الذات الإلهية، تقرّباً بالنور الأكبر على ما يعتقد أتباعها.

وتمضي الأحرف مع خيرات الزين بحفاوة فائقة وجهد رياديّ كمن يعيدها إلى مكنوناتها السحرية، فتدلّل الحرف في الحضن الدافئ، فصار له اسم ينادى به، ولون بنفسجيّ للتباه، وحجر كريم للتفاؤل، وخرزة زرقاء تحميه من شوارد الزمن، فيتألق معها الحرف بين الستر والبوح في استحضار للفصاحة وضوابط الكلام والإبلاغ، وجمالية نثرية تكمن في قوّتها التعبيرية مكتملة العناصر.

تضعنا الفنانة خيرات الزين أمام مقاربة قصدتها، بين أنوثة المرأة تحاكي أنوثة الأبجديّة، وما بينهما من صلة رحم ورحمة وكيد لا تتفقهه إلا امراة، في إعادتها الأحرف إلى ركنها الرقيق، تمنحها اسماً وسمات، لا تركن إلا للأنوثة في خواصّ إغوائها، وسداد حزمها، وتلقي على الصوت رخامة الأحرف، سرّها توليف متناغم للأحرف في مراعاة وملاءمة المخارج المتباعدة والمتقاربة عند المنادى، فتضحى «جمالاً، براءة، دلعاً، همسة، وعداً، زمّردة، حورية، ملاك الماء، نوّارة، سندساً، عبيراً، فجر صلاة، قبلة، رحيقاً، شهداً، تسنيماً، ثراء، خيرات، ذاتاً، ضحكة، ظبية، غنجاً»، واختُصر الحضور الذكوريّ، فـ«الكاف» كنز، و«اللام» «لجين» و«ط» طيف. أما «الملائكة»، فلم يزل الجدل البيزنطي قائماً في أصل جنسها، أهي ذكور أم إناث.

ليّن ومرن الحرف بين أصابع خيرات الزين في تجلّيه الرمزيّ السرديّ للأشياء، وإيقاعه الشعري بهمسه بين الحرف والكلمة وتآلفهما في الجملة، في خاصّية شعرية تخدم النصّ، فينساب برقّة متناهية وانسجام وافٍ في تداخله بين الحكايات والأسطورة، تحاوره خيرات الزين «العين بالعين»، ودائماً على «ذمّة الراوي» والراوي هنا… «شهرزاد».

في «منام الماء»، لكل الحروف فائدة. ولا تطرح فيه خيرات الزين الأسئلة أو الاستفسارات. ولا تطلق الأحكام. بل ثمة اعتراف كامل عن ماهية كلّ حرف بحسب ركنه في الكلمة، ومنزلته ونسبه للمعنى بغير تكلّف. نسق نثريّ للحروف وحسب، من أجل غاية جميلة.لا شائبة فيها، فقط… مكارم أخلاق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى