البيان الوزاري لحكومة استعادة الثقة: لإقرار موازنة 2017 وتأكيد حق المواطنين في مقاومة الاحتلال

تلا رئيس الحكومة سعد الحريري، في مجلس النوّاب، البيان الوزاري، وفي ما يلي نصّه:

«لقد اخترنا لحكومتنا عنوان «استعادة الثقة» لأنّ الثقة هي أغلى ما يمكن أن يملكه بلدنا، واستعادتها هي أسرع ما يمكن أن ننجزه بالتعاون مع مجلسكم النيابي الكريم وسائر المخلصين.

حقّ اللبنانيّين علينا أن نعيد إليهم الثقة بالوفاق الوطني، وبدولتهم ومؤسساتها، وحقّ لبنان علينا أن نعزّز الثقة باستقلاله وسيادته وبسط سلطة دولته على كامل أراضيه. وحق دستورنا علينا أن نعيد تأكيد ثقتنا به، وبوفاقنا الوطني المكرّس باتفاق الطائف، وبنظامنا الديمقراطي، وبقدرتنا جميعاً على حلّ أي مشكلة تواجهنا، عبر الحوار، ولا شيء غير الحوار، تحت سقف المؤسسات الدستورية وروح الميثاق، وعدم اللجوء إلى العنف والسلاح والابتعاد عن كلّ ما هو تحريض طائفي ومذهبي، والتصدّي لكلّ فتنة. كما أنّ حق اللبنانيين علينا أن تعود ثقتهم بقدرة دولتهم على تقديم الخدمات الأساسية لهم على امتداد الأراضي اللبنانية بطريقة مُستدامة ومتوازنة وإدارة شفافة ونزيهة.

إنّ مجلسكم النيابي الكريم أطلق «استعادة الثقة» عندما أنهى عامين ونصف من الفراغ بانتخاب فخامة الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، ونقف أمامكم اليوم طالبين ثقتكم لاستكمالها، من أجل ترجمة الأمل والتفاؤل بإقرار قانون انتخاب جديد وبنهوض في اقتصادنا الوطني يعيد إليه النمو ويلبّي حاجات جميع اللبنانيّين ويوفّر فرص العمل لهم، وللشباب منهم بشكلٍ خاص.

وللوصول إلى هذا الهدف، تضع حكومتنا في الأشهر القليلة المتاحة لها سلسلة أولويّات، وعلى رأسها إقرار موازنة 2017 وإقرار التشريعات الجاهزة أمام مجلسكم النيابي الكريم، وتقديم مشاريع قوانين من شأنها أن تسهّل بيئة العمل الاقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطّاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية وتنظيمها وتطويرها، والتخطيط للإصلاحات والمشاريع البنيويّة والاقتصادية والإنمائية من دون إغفال الخطط الحكومية الموضوعة سابقاً.

كما تلتزم الحكومة تسريع الإجراءات المتعلّقة بدورة التراخيص للتنقيب عن النفط واستخراجه، بإصدار المراسيم والقوانين اللازمة، مؤكّدة حق لبنان الكامل في مياهه وثروته من النفط والغاز، وبتثبيت حدوده البحرية، خصوصاً في المنطقة الاقتصادية الخاصة.

كما تولي حكومتنا أهمية خاصة لقطاع تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات لما يمتلكه من قدرة تحفيز للاقتصاد الوطني، ولكونه مدخلاً أساسياً للاقتصاد الجديد المسمّى اقتصاد المعرفة، حيث لبلدنا إمكانات غير محدودة بما يملكه من رأسمال بشري وقدرة اللبنانيّين المعترف بها دولياً على الإبداع والمبادرة والابتكار، وهو ما يدفعنا لتحسين الخدمات نوعاً وكلفة وسرعة في هذا المجال.

بموازاة ذلك، ولتحقيق كامل الطاقة الكامنة في اقتصادنا، تلتزم الحكومة بدء العمل فوراً لمعالجة المشاكل المزمنة التي يعاني منها جميع اللبنانيين، بدءاً من الكهرباء وصولاً إلى المياه مروراً بأزمات السير ومعالجة الملفات البيئية، وأبرزها مشكلة النفايات ومشكلة تلوّث مياه نهر الليطاني.

إنّ تحقيق النهوض الاقتصادي لا يكتمل إلّا بتحسين وتوسعة شبكة الأمان الاجتماعية، وتأمين حق الوصول للطبابة والتعليم لجميع اللبنانيّين. وفي هذا المجال، ستولي الحكومة اهتماماً خاصّاً للشرائح الأكثر فقراً عبر استكمال البرنامج الوطني لمكافحة الفقر وتأمين التمويل اللازم لمكافحة الفقر المدقع على الأخص، وتأمين التعليم النوعي لجميع الأطفال الموجودين على الأراضي اللبنانية.

وفي العموم، تؤكّد الحكومة أنّ الاستقرار الماكرو – اقتصادي كان ويبقى حجر الزاوية في سياسة لبنان الاقتصادية، كما المحافظة على الاستقرار النقدي.

دولة الرئيس، الزميلات والزملاء، تتعهّد الحكومة بوضع استراتيجية وطنية عامّة لمكافحة الفساد وباتّخاذ إجراءات سريعة وفعّالة في القطاعات الأكثر عرضة للفساد، وأوّلها رفد اليد السياسية عن الأجهزة الرقابية المعطّلة، والتي تحتاج إلى تفعيل وتطوير في أدائها، كما ستعمل الحكومة على ملء الشواغر في الإدارات والمؤسسات العامة بأصحاب الكفاءات، بعد أن تسبَّب الفراغ فيها بالتسيّب وتعطيل أعمال المواطنين، وستعمل الحكومة ما يلزم لإنهاء ملف المهجرين والتقدّم بمشروع قانون لتأمين الاعتمادات المطلوبة له تمهيداً لإلغاء وزارة المهجرين.

لقد نجح الشعب اللبناني من خلال وحدته الوطنية أن يثبت أنّه ليس في لبنان بيئة أو موئل حاضن للإرهاب، فكان خير داعم للجيش اللبناني والقوى الأمنيّة في عملها الاستباقي والرَّدعي في مواجهة الإرهاب بإمكانات متواضعة وتضحيات كبيرة.

لذلك، فإنّ الحكومة إذ تنبّه إلى أنّ لبنان لا يزال في عين عاصفة الإرهاب التي تضرب العالم، تتعهّد بأن يكون من أولى مهامّها تكثيف الجهود والاتصالات لتأمين مستلزمات الأجهزة العسكرية والأمنيّة عدّة وعديداً، لكي تقوم بواجباتها على أكمل وجه، حماية للدولة والشعب والأرض من الحرائق المنتشرة حولنا بعد أن ثبت أنّ الاستثمار الأمني هو الأنجح في مردوده على اللبنانيّين.

وفي هذا المجال، تلتزم الحكومة العمل على وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب على كامل الأراضي اللبنانية، أمّا الاستراتيجية الدفاعية الوطنية فيتمّ التوافق عليها بالحوار.

تحرص الحكومة على تأمين استقلالية القضاء وتحصينه من التدخّلات.

إنّ الحكومة انطلاقاً من احترامها القرارات الدولية، تؤكّد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان، التي أُنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة بعيداً عن أيّ تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي.

وفي جريمة إخفاء الإمام موسى الصدر وأخويه في ليبيا، ستضاعف الحكومة جهودها على كلّ المستويات والصُّعد، وستدعم اللجنة الرسمية للمتابعة بهدف تحريرهم وعودتهم سالمين.

ستقوم الحكومة بالتعاون مع مجلسكم الكريم بالعمل على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابيّة في أسرع وقت ممكن، على أن يراعي هذا القانون قواعد العيش الواحد والمناصفة ويؤمّن صحة التمثيل وفعاليّته لشتّى فئات الشعب اللبناني وأجياله، وذلك في صيغة عصرية تلحظ الإصلاحات الضرورية.

إنّ الإدارات الحكومية المعنيّة ستعمل على تنظيم العملية الانتخابية في موعدها القانوني بدءاً من تأمين سريّة الاقتراع إلى حق الاقتراع لغير المقيمين من اللبنانيّين، وتسهيل اقتراع ذوي الحاجات الخاصة وغير ذلك من الإجراءات التي تسهّل للناخبين مشاركة فعّالة في الاقتراع. كما تلتزم الحكومة متابعة إقرار قانون اللامركزية الإدارية بالتعاون مع المجلس النيابي الكريم.

إنّ الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أنّ لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النار المشتعلة حوله في المنطقة بفضل وحدة موقف الشعب اللبناني وتمسّكه بسلمه الأهلي. من هنا ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية، وبشكل خاص المادة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلّة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاق.

وستواصل الحكومة، بالطبع، تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة والتأكيد على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، كما أنّها تؤكّد احترامها المواثيق والقرارات الدولية كافة، والتزامها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، وعلى استمرار الدعم لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان.

أمّا في الصراع مع العدو «الإسرائيلي»، فإنّنا لن نألو جهداً ولن نوفّر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقّى من أراض لبنانية محتلّة وحماية وطننا من عدو لمّا يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استناداً إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، وتؤكّد الحكومة واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتّى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيّين في المقاومة للاحتلال «الإسرائيلي» وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة.

وإذ تؤكّد الحكومة التزامها مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة أعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، فإنّ الدولة تُشير إلى أنّها لم تعدْ تستطيع وحدها تحمّل هذا العبء الذي أصبح ضاغطاً على وضعها الاجتماعي والاقتصادي والبنيوي بعد أن وصل عدد النازحين إلى أكثر من ثلث مجموع سكان لبنان.

لهذا، فإنّ المجتمع الدولي مطالَب أن يتحمّل مسؤوليّته اتجاه التداعيات التي أصابت شرايين الخدمات والبنى التحتية من كهرباء وماء وطرقات ومدارس ومستشفيات، وغيرها التي لم تعد تستوعب، والوفاء بالتزاماته التي أعلن عنها في المؤتمرات المتلاحقة، خصوصاً في ما يخصّ دعم وتطوير هذه البُنى.

تعتبر الحكومة أنّ الحلّ الوحيد لأزمة النازحين هو بعودتهم الآمنة إلى بلدهم، ورفض أيّ شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم في المجتمعات المضيفة، والحرص على أن تكون هذه المسألة مطروحة على رأس قائمة الاقتراحات والحلول للأزمة السورية.

إنّنا نؤكّد التزام الحكومة بأحكام الدستور لجهة رفض مبدأ توطين اللاجئين وخصوصاً الفلسطينيّين، ونتمسّك بحقهم بالعودة إلى ديارهم. وإلى أن يتمّ ذلك، على الدول والمنظمات الدولية الاضطلاع بكامل مسؤولياتها والمساهمة بشكل «دائم وغير منقطع» بتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واستكمال تمويل إعادة إعمار مخيم نهر البارد.

إنّ لبنان الرسمي يؤكّد تعزيز الحوار «اللبناني – الفلسطيني» لتجنيب المخيمات ما يحصل فيها من توترات واستخدام للسلاح الذي لا يخدم قضيّته، وهو ما لا يقبله اللبنانيّون شعباً وحكومة.

لا يستوي نظام ديمقراطي ما لم يكن المجتمع المدني بشابّاته وشبابه، شريكاً في صنع القرار، لذلك فإنّ حكومتنا تتعهّد بتعميق روح الشراكة مع المجتمع المدني.

كما أنّه لا يمكن فصل حقوق المرأة عن التوجّهات السياسية والاقتصادية والثقافية للحكومة، لذلك تلتزم حكومتنا العمل على تعزيز دور المرأة في الحياة العامة، بما في ذلك على صعيد التعيينات الإدارية وفي المؤسسات الرسمية، لا سيّما في المواقع القيادية انطلاقاً من النصوص الدستورية ومضامين الاتفاقات الدولية التي تضمّ إليها لبنان، والتوصيات التي وافق عليها وأبرزها القضاء على جميع أنواع التمييز ضدّ المرأة.

وستحرص الحكومة على تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لتنفيذ الخطة الوطنية الموضوعة لهذا الغاية.

وعلى صعيد تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ستعمل الحكومة مع المجلس اللبناني الموقّر على إدراج كوتا نسائية في قانون الانتخابات المنوي إقراره، كما ستعمل على إنجاز خطّة استراتيجية لشؤون المرأة تشمل إطلاق ورشة عمل لتنزيه القوانين للقضاء على التمييز ضدّ المرأة والتقدّم بمشاريع قوانين جديدة، تحقيقاً للعدالة والمساواة وتنفيذاً للتعهّدات التي التزم بها لبنان.

إنّني أتعهّد أمامكم وأمام اللبنانيين أن أعمل بالتعاون مع فخامة الرئيس والوزراء على أن تكون القضايا الوطنية التي تعني جميع اللبنانيّين من دون استثناء في رأس جدول أعمال مجلس الوزراء، يليها القضايا التي تعني المناطق الأكثر حرماناً والفئات الأكثر تهميشاً.

كما أتعهّد أن تقدّم الحكومة دوريّاً تقريراً مختصراً عن أعمالها باستمرار، من أجل مساعدة مجلسكم الكريم على ممارسة صلاحياته في الرقابة والمساءلة، ومن أجل استعادة ثقة اللبنانيّين بحكومتهم ودولتهم.

وأتمنّى أن نصل قريباً إلى اليوم الذي تصبح فيه وزارة الشباب هي الوزارة السيادية الأولى التي نتنافس على حقيبتها، لأنّني عندها سيكتمل اطمئناني إلى مستقبل لبنان».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى