بعد انتصار حلب… مع مَن سيكون التفاوض؟

جمال العفلق

الحديث عن الحلول السِّلمية أو السياسية هو الحديث الأكثر انتشاراً بعد هزيمة الإرهاب في حلب وانتصار الجيش السوري والقوى الرديفة، فالجميع يتحدّث عن وقف لإطلاق النار وإمكانية الجلوس على طاولة المفاوضات، والتي نعرف المفاوض الرئيسي فيها وهي الحكومة السورية، ولكن يبقى البحث جارياً عن الطرف المقابل والمُسمّى «معارضة سورية» حسب التعبير السياسي والإعلامي، ولكن من هي تلك المعارضة التي ستجلس على طاولة المفاوضات ومن تمثّل بالفعل؟

حتى لا تكون البداية فيها أيّ لبس، على الجميع أن يفهم أنّنا ضدّ الإقصاء وإلغاء الآخر، ولا يمكن أن نقبل بشكل من الأشكال انتزاع حق الشركاء في الوطن، ولكنّ هذا لا يلغي حقيقة واحدة هي أنّ شركاءنا في الوطن هم من ألغوا أنفسهم وهم الذين همّشوا قرارهم وأصبحوا تابعين لصالح الدول الإقليمية والدولية، وبهذا لا يقع علينا أيّ لوم إذا قلنا إنّ الأوجب بالتفاوض هو أن يكون مع تلك الدول مباشرة، وهذا فيه خير للجميع.

فنحن بعد تجربتَي جنيف الأولى والثانية، وبعد انقسام المعارضة وقيام تيّارات بإلغاء تيّارات أخرى على حساب الدم السوري، يحقّ لنا أن نطالب بالتفاوض مع الأصيل لا البديل. فالمعارضة السورية أخذت دور البديل وقبلت أن تكون هي الظلّ لا الأصل منذ بداية الحرب على سورية وشعبها، ويعلم من تابع خروج الجماعات الإرهابية من حلب أنّ هناك عصابات ومرتزقة من جنسيات متعدّدة، وهؤلاء لا يمكن وضعهم على قوائم التفاوض. أمّا الجزء الآخر، وهو يحمل بداخله أجزاء وتفرّعات لا يمكن حصرها، فهو لا يملك كامل القرار حيث إنّه مرتبط بمصالح إقليمية ودولية، وهذه المصالح متضاربة فلا يجوز القبول بالتفاوض سياسياً معه، لأنّه بالنهاية لا يمثّل جهة معيّنة، والأهمّ من ذلك لا يمثّل مصالح السوريّين من دون الوقوف على العدد أو المنطقة التي يمكن أن يكون ممثّلاً لها.

فإذن، سيكون التفاوض حُكماً مع الدّاخل، وهو الأهمّ، وهو الذي يمكن اعتباره الأحق بالتفاوض والمشاركة، والداخل هنا المقصود فيه هم الذين رفضوا السلاح ورفضوا تنفيذ مصالح الآخرين على حساب الدم السوريّ، وهم الذين يحملون برنامجاً للحلّ السياسي وإنْ لم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية، ولكنّه يمكن أن يكون لبنة أولى في عمليات المصالحة وإنهاء حالة الحرب، ومن خلال هذا التفاوض أو ما يمكن تسميته مؤتمر وطني للسوريّين للتأسيس للمرحلة المقبلة، وهي المرحلة الأصعب من هذه الحرب حيث ملفات اللاجئين والمفقودين والمصالحة الوطنية وإعادة الإعمار.

أمّا الآخرون، وأعني هنا ما يُسمّى ائتلاف الدوحة الخائن أو جماعة مؤتمر الرياض أو إسطنبول، فلا يجوز إدراجهم على جدول المفاوضين، فكشف الحساب معهم يطول، ولا يمكن أن ننسى ترحيبهم بالعدوان الصهيوني وصمتهم على الجرائم الإرهابية التي مارسها كلّ من «داعش» و»النصرة» و»الزنكي»، وفصائل كثيرة كانت تعمل باسم الجهاد والإسلام.

إنّ انتصارنا في حلب فتح أبواب الحلّ السياسي بالتأكيد، وبنفس الوقت ترك الخيارات العسكرية مفتوحة لاستعادة باقي المناطق، وهذا واجب وطني علينا لا منّة لأحد علينا فيه، فمن يريد التفاوض السياسي عليه أن يقبل بإعادة كافّة الأراضي السوريّة، وعليه أن يقرّ بالهزيمة ويسلّم سلاحه بما فيه السلاح الفردي، فلا يمكن القبول بأيّ حال من الأحوال ببقاء عشوائية انتشار السلاح، ولا يمكن السماح بترك الأسلحة بيد من يمكن أن يحوّلها إلى أداة تهديد تطاول أرواح وأموال المواطنين الأبرياء. فلا يوجد دولة في العالم، وخصوصاً تلك التي تنادي بالديمقراطية، تسمح ببقاء السلاح خارج إطار الدولة، وخصوصاً إذا كان هذا السلاح موجّهاً للداخل لا للدفاع عن الوطن.

وعلينا الإقرار بأنّنا في مرحلة ما سنقبل بالتفاوض مع خصوم الأمس وأصحاب الباع الطويل في تمويل الإرهاب ودعمه، وعلينا أن نقرّ أنّ هناك تغيّرات سياسية وخصوصاً مع دول إقليميّة تفرضها حالة إخراج البلاد من أتون الحرب، ولكن هذا لا يعني أنّنا سنفتح البيت السوري مرة أخرى ونثق بمن خانوا العهود ونقضوا المواثيق معنا، بمن فيهم جامعة الدولة العربية، والتي كانت واحدة من المنظمات العربية التي ساهمت في تعقيد الأزمة السورية، بل دعمت العدوان على سورية.

إذاً، اختيار الطرف المقابل في التفاوض ليس بالأمر السهل، ولا يمكن التعويل على كلّ من ستُطرح أسماؤهم بأنّهم قادرون على الدفع بالحلّ السياسي، لأنّه لا يخفى على أحد أنّ جلّ الذين يطرحهم الإعلام ويحاول أن يلمّع صورتهم لا يملكون أيّ قرار على الأرض، وليس لديهم موالين يقبلون بهم، وما يمكن الحديث عنه الآن بعيداً عن أسرار التفاوض والمفاوضات أن تكون الحرب أفرزت بالفعل قوى سياسية فاعلة تستطيع طرح ما يعني الشعب السوري، ويمكنها فهم واقع الحرب على سورية بالشكل الصحيح، والاستفادة من تجربة السنوات الست التي أدمت عيون الأمّهات السوريّات.

فالتفاوض يجب أن يكون بالفعل مع قوى وطنية لا قوى عميلة، والتفاوض يجب أن يكون مع من يؤمن ببناء الوطن لا مع الذي دعم هدم الوطن، والحديث عن التفاوض ليس من مركز الضعف إنّما لإنهاء حالة الحرب هذه، وخصوصاً أنّ لا أحد مستفيد اليوم والخاسر هو الوطن. وإلّا كان الأوجب علينا أن ندعو لإنهاء من خانوا الوطن وفرض الحلّ العسكري، ولكنّنا لا نؤمن بالإقصاء أو الإلغاء، فالجميع تحت سقف الوطن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى