قالت له
قالت له: أين ستمضي ليلة رأس السنة؟
فقال لها: في البيت، فالسهر مع الأصدقاء في مثل هذه المناسبة متعبٌ في مثل هذه الأيام، بينما العقل والقلب منحازان إلى الهموم الكبرى، وحال البلاد والمزاج يميل إلى البحث عن الهدوء.
فقالت: إذاً، نلتقي بعد أوّل السنة، فأنا سأخالف مزاجك بمزاجي، وأذهب لأغنّي وأرقص وأفرح، وقد تعبت من ربط إيقاع حياتي على توقيت مزاجك.
فقال: تجيبين وكأني ألومك أو أعتب إن اكتفيتِ بالقول إنّك ستسهرين مع الأصدقاء. فلو كان قولك هكذا لقلت أتمنّى لك سهرة ملؤها الفرح.
فقالت: حسناً، افترض إذاً كلامي كما كنت تحبّ سماعه.
فقال: افترضتُ، وأتمنّى لك الفرح.
فقالت: وماذا ستلبس لسهرة العيد؟
فقال: على الأرجح سأبقى بثياب النوم.
فقالت: أما أنا فسألبس أجمل ما عندي، وأتخايل في قاعة الحفل وأشدّ أنظار الحضور، وأبدو الأجمل بين الفتيات والسيدات، وأثير غيرتهنّ وألفت أنظار الرجال وأقطف ما فيها من إعجاب، ما دمتَ لست بمزاج يرمقني بمثل هذه النظرات، ويُسمعني هاتيك الكلمات.
فقال لها: سيكون الأفضل ألا تسهري إن لم تفعلي ذلك، فمزاج هذه السهرة تنقصه هذه الروح المفعمة بالفرح والمرح والمشاغبة، فكوني الأجمل وافرحي وارقصي وامنحي للحظة حقّ اكتمالها، ولا صلة لذلك بالتذكير أنّي لا أفعل.
فقالت: حسناً، أعِد صوغ كلامي كما تحبّ إن كان هذا يرضيك.
فقال: لقد فعلت.
فقالت: هل ستعدّ مائدةً للسهرة فيها ما تحبّ العين ويستطيب اللسان؟
فقال لها: والله أظنّني سأبيت ليلتي كما اعتدتُ من دون وجبة عشاء، مكتفياً بوجبة غداء متأخّرة.
فقالت: أما أنا فقد اخترت للسهرة كلّ أنواع الطعام الفرنسيّ، خصوصاً من ثمار البحر ومعها أنواع من الخضار والأجبان. وسندخّن السيكار ونشرب ما لذّ وطاب حتى ساعات الصباح، ومعنا فرقة كمان وقيثارة ونرقص حتى تطلع أولى ومضات النهار فهل تغار؟
فقال لها: هكذا تكونين عاقلة، لأن الأشياء إن لم تعش بلحظاتها بأتمّ ما تستدعي يكون من الأفضل الاستغناء عنها، وإكمال كلّ مناسبة يعني أنها فعل مزاج وليست مجاملة، وما أصعب الشراكة في سهرة كهذه من باب المجاملة. أما أن أغار فلا حقّ لي أصلاً، وقد أعلنت عزمي على الانكفاء. وأن تكوني بحال الفرح ذلك يمنحني بعض العزاء، ولكن تذكّري كلّما ضاق على قدمك الحذاء أنّني متحرّر من مثله، ومرتاح من ثقله. وكلّما ضجّت في أذنك الضوضاء أنّني في سكون وهناء. وكلّما ضاقت الخيارات أمامك أن خيارتي مفتوحة وأبسطها الذهاب للنوم، وعدم سماع اللوم.
فقالت: أنت رفيق لئيم تذكّرني من الآن بمعاناتي مع حذائي الجديد وحنيني للحذاء القديم.
فقال: ستذكرين.
فقالت: الحنين.
فقال: وتمضين.
فقالت: ونمضي بالسنين.
فقال: تباعد المزاج لا يضرّ الحبّ وإن أضرّ الزواج.
فقالت: نلتقي في السنة المقبلة.
فقال: ولك ليال حالمة. وتوافقا على العدّ إلى ثلاثة والسير باتجاهين متعاكسين، وعيونهما تحاول التحقّق عبر زجاجات الباب العاكسة.