وقف النار… ليس نهاية المطاف والعبرة في التزام ضامني الإرهاب ورعاته
معن حمية
ليست المرة الأولى التي يقرّر فيها الجيش السوري وقفاً لإطلاق النار على الأراضي السورية، فهو اتخذ في مراحل سابقة قرارات مماثلة، لإنجاح الاتصالات الإقليمية والدولية تحت عناوين إيجاد حلول للأزمة السورية.
في كلّ مرة كانت المجموعات الإرهابية هي مَن يخرق وقف النار، وقد صار معلوماً أنّ كلّ هدنة تمّ الإعلان عنها، كانت تستفيد منها المجموعات الإرهابية لإعادة تنظيم صفوفها وتصعيد أعمالها الإرهابية، وكلّ ذلك تحت إشراف وبعلم تركيا والولايات المتحدة الأميركية وحلفائهما.
إنّ نسبة صمود وقف إطلاق النار هذه المرة، قد تكون أكبر من سابقاتها، لكنّها ليست كافية لضمان هدنة طويلة الأمد، لأسباب عدة، أبرزها أنّ المجموعات التي تمارس الأعمال الإرهابية في سورية، تدين بالولاء لقوى خارجية، وهذه القوى الخارجية تواجه مآزق وتحديات كبيرة، إنْ على صعيد علاقاتها البينية المهزوزة، أو لجهة شعورها بفشل مخططاتها، بفعل صمود سورية والانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، وخصوصاً في مدينة حلب.
التطور المستجدّ، هو أنّ تركيا دخلت على خط الاتصالات طرفاً ضامناً من جهة المجموعات الإرهابية. وفي هذا الظرف الدولي والإقليمي، ليس أمام تركيا هامشاً واسعاً للتلاعب مع الكبار، علماً أنها لا تزال تمارس ازدواجية سلوك، إذ إنها تتعهّد أمام الروس والإيرانيين من جهة، وتستمرّ على خطابها السياسي والإعلامي التصعيدي ضدّ سورية من جهة أخرى.
غير أنّ واقع التحديات لا يمنح تركيا فرصاً كبيرة للتلاعب، فهي خسرت الكثير من أوراقها، لا سيما ورقة مدينة حلب التي كانت تعتبرها أساسية، وهي ربما تخسر ورقة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، بعد بروز تباينات كبيرة بين الجانبين الأميركي والتركي، في ظلّ إصرار أميركي على مضاعفة الدعم غير المحدود للمجموعات المسلحة الكردية التي تعتبرها تركيا تهديداً لأمنها القومي.
إنّ خرق وقف النار المعلن رهن بالتطورات على الأرض، فعلى قسم من الجغرافيا السورية، تستميت تركيا لدفع تنظيم داعش الإرهابي إلى التراجع من مدينة الباب وإقامة منطقة خاضعة لسيطرتها تحت عنوان «المنطقة الآمنة». وهناك محاولات تقوم بها التنظيمات الكردية المسلحة لإقامة منطقة نفوذ وسيطرة انفصالية. وبين الأطماع التركية والأوهام الانفصالية، يصبح التصادم حتمياً، بما يعيد خلط الأوراق كلياً.
تركيا في وضع لا تُحسد عليه، فهي وإنْ كانت تقبض على قرار العديد من المجموعات الإرهابية في سورية، لكنها غير قادرة على إلزام مجموعات إرهابية أخرى تتبع لدول عربية وأجنبية معروفة. لذلك فإنّ صمود الهدنة من جهة المجموعات الإرهابية ليس مرتبطاً فقط بضمانة تركيا، بل بالولايات المتحدة الأميركية وحتى السعودية، وأيّ دولة لها أذرع إرهابية في سورية. لذلك فإنّ تركيا لا تستطيع راهناً الابتعاد كثيراً عن حليفتها واشنطن، وفي المقابل لا تستطيع أن تلعب كثيراً مع موسكو.
وفي الحديث عن الأذرع الإرهابية، فعلى ضفاف «داعش» و«النصرة» عشرات المجموعات الإرهابية التي تدور في فلك التنظيمين الإرهابيّين، ماذا عنها وما هي آلية الفصل بين المجموعات الإرهابية وبين تلك المسمّاة «معتدلة»؟
على أية حال، فإنّ مواقف موسكو وواشنطن وطهران وأنقرة المرحبة بوقف إطلاق النار، كلها تصبّ في اتجاه واحد، هو التشديد على ضرورة الحلّ السياسي، أيّ العودة الى المربع الذي رسمته القيادة السورية منذ بداية الحرب على سورية.
الحلّ السياسي هو ما كانت تدعو إليه الدولة السورية ولا تزال، لكن الدول التي ترعى الإرهاب، لم تعط الحلّ السياسي فرصة واحدة، فهي أرادت إسقاط الدولة السورية وتدمير سورية، إلى أن جاء النصر الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في مدينة حلب، ليشكل ضربة قاصمة للإرهاب وداعميه، ويفشل أهداف الحرب على سورية. كما أنّ الجيش السوري لن يتراجع عن خوض معاركه لتحرير المدن والمناطق من احتلال «داعش» و«النصرة»، بما في ذلك فتح معارك مدن الرقة وإدلب والباب.
وقف النار، ليس نهاية المطاف… والعبرة في التزام ضامني الإرهاب ورعاته.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي