بلدات اتحاد جبل عامل… من الاحتلال إلى الإنماء دُر 3
عباس زريق
تناولت الحلقة الماضية من هذا التحقيق، عدداً من القرى المنضوية تحت لواء اتحاد بلديات جبل عامل، وفي هذه الحلقة، نستكمل العدد الباقي، خصوصاً أنّ هذه البلدات عانت الكثير من الاحتلال الصهيوني، كما عانت الإهمال والحرمان على مدى سنوات، وها هي تنفض عنها غبار هذا الحرمان، لتشقّ طريقها نحو الإنماء
قبريخا
قبريخا بلدة عاملية شاركت في رسم تاريخ المنطقة، معاصرة حقبات تاريخية عديدة، إذ اتّخذ منها نبوخذ نصّر مقراً له لمحاصرة اليهود. شعوب كثيرة وحضارات عديدة تركت بصماتها في هذه البلدة مخلّفة فيها آثاراً قيّمة نهب معظمها اللصوص غير آبهين بقيمتها وأهميتها. ولعلّ أبرز شاهد على حقبة نبوخذ نصّر لوحة محفورة داخل أحد المنازل وجرى تشويهها، ويُقال أن اليهود فعلوا ذلك انتقاماً منه. ويعود تاريخها إلى العصر السلجوقي أي حوإلى 198 ميلادياً. وكانت طريقاً تجاريةً في العهد الفينيقي منذ 332 قبل الميلاد.
تقع قبريخا على هضبة تحوطها الاودية من جهاتها الثلاث، فيفصلها «وادي السلوقي» عن بني حيان شرقاً، والقنطرة شمالاً، ويفصلها «وادي الميس» عن تولين غرباً، أمّا من الجنوب فتحدّها مجدل سلم. ترتفع عن سطح البحر 560 متراً وتبعد عن مركز المحافظة 20 كيلومتراً، وتبعد 92 كيلومتراً عن العاصمة بيروت و30 كيلومتراً عن مركز القضاء في مرجعيون. تبلغ مساحتها 9 كيلومترات مربعة. أمّا عدد سكانها فيبلغ 5000 نسمة وعدد الناخبين 2570 ناخباً وعدد المقترعين 850 مقترعاً، خلال الانتخابات البلدية والاختيارية 2010.
ولقبريخا صلات وثيقة بعدد من دول الاغتراب، إذ يعيش قسم من أبنائها في كندا وأستراليا ودول الخليج، أمّا الجالية الكبرى فموجودة في الباراغواي إذ يعيش هناك زهاء 250 عائلة.
تشتهر قبريخا بالاحراج التي تحوطها من سنديان وملّول وغيرها، لكن الأبرز هو شجر الغار أو «الغوردل» كما هو متعارف عليه في هذه المنطقة والذي يدخل في صناعة الصابون ومستحضرات التجميل.
تأسسّت أول بلدية في قبريخا عام 1963 وكان أول رئيس للبلدية الراحل خليل الزين وبقي لغاية وفاته في أوائل التسعينات. الرئيس الثاني الدكتور زيد أحمد حجازي 1998 2004 . الرئيس الثالث علي محمد الزين 2004 2007 . الرئيس الرابع الدكتور حسن محمود حجازي 2007- 2010 . الرئيس الخامس الدكتور حسن محمود حجازي الذي انتُخب عام 2010 وهو من مواليد عام 1957.
مجدل سلم
اسمها سرياني ويعني «الحصن المنيع» أو «القصر المنيع». مجدل سلم بلدة حدودية كانت إحدى قرى التماس أو خط المواجهة، إذ شكّل موقعها الجغرافي نعمة لها، ونقمة في آن واحد، فما تعرّضت له من تدمير وتهجير طوال الأحداث والاحتلال، لم يزعزع حصنها المتين، إنما زادها صموداً وقوّة.
جغرافياً، ترتفع مجدل سلم 650 متراً عن سطح البحر وتبعد 95 كيلومتراً عن العاصمة بيروت، ونحو 35 كيلومتراً عن مركز القضاء في مرجعيون. وتمتد البلدة على ثماني تلال، وتبلغ مساحتها نحو 24 ألف دونم لذا تعد من أكبر القرى مساحة في المنطقة، ويمكن الوصول إليها عبر ست طرق، وتجاورها مجموعة من القرى فمن الغرب تحدها خربة سلم والصوانة والجميجمة، ومن الشمال تولين وقبريخا، ومن الشرق بني حيّان وطلوسة وحولا، ومن الجنوب شقرا وبرعشيت وصفد البطيخ التي يُقال أن فيها عين مياه تعود ملكيتها إلى المجدل أيام الحكم العثماني.
يُكنى سكانها البالغ عددهم زهاء 8214 نسمة بالمتعلّمين والمثقّفين. ويُذكر أن المدرسة الرسمية التي تأسّست قديماً كانت أولى المدارس في المنطقة، إذ أنشأها العالم الديني الشيخ مهدي شمس الدين، وقد تعلّم فيها المرجع الاعلى السيّد محسن الامين وعدد كبير من المشايخ والسادة، ويتميز كثيرون من الجيل القديم في البلدة بحبّهم للشعر والزجل.
تشكّل زراعة التبغ مورداً رئيساً لأبناء البلدة إلى جانب موارد الاغتراب. ونمت مؤخّراً زراعة الزيتون وتربية النحل والدواجن والمواشي.
رُبّ ثلاثين
لعلّ أبرز ما يميّز بلدة رُبّ ثّلاثين هو موقعها الاستراتيجي المحاذي للحدود، الامر الذي دفع الكثير من المقاومين إلى اتّخاذها منطلقا لعملياتهم ضد الاحتلال «الاسرائيلي» منذ مطلع السبعينات. ويُسجّل لـ«حركة المحرومين» التي أسّسها الامام موسى الصدر اتّخاذها من تلّة ربّ ثّلاثين موقعاً للمقاومة، كما أن أحمد الخميني، نجل الإمام الخميني، ومصطفى شمران الذي أصبح في ما بعد وزيراً للدفاع في ايران قبل استشهاده،، حاربا «إسرائيل» عام 1977 انطلاقاً من رُبّ ثّلاثين.
يبلغ عدد سكان رُبّ ثّلاثين نحو 4110 نسمة، لكن المقيمين فيها لا يتجاوز عددهم 500، شتاءً، وألفاً صيفاً. وينتشر عدد من أبنائها في عدد من دول الاغتراب، في أميركا الجنوبية والخليج.
تحدّها من الشمال الطيبة، ومن الجنوب مركبا، ومن الشرق عديسة، ومن الغرب القنطرة وبني حيّان. تبعد عن بيروت 97 كيلومتراً، وعن مركز القضاء 12 كيلومتراً، وعن مركز المحافظة35 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر بين 750 متراً و800 متر، وتبلغ مساحتها كيلومترين ونصف الكيلومتر المربع.
أبرز ما يلفت الزائر إلى رُبّ ثّلاثين، بيوتها القديمة التي لا تزال قائمة حتى اليوم ومنها: جدران من الحجر وبعض الغرف القائمة على «العقد» وفيها «الكوارة» التي كان يُجمع فيها المحصول . والجدير ذكره أن البلدة القديمة كانت متّصلة كلّها بعضها ببعض، عبر سقوف متلاصقة تكاد تكون سقفاً واحداً، ولكل عائلة غرفة أو أكثر، وبينها ممرات تؤدّي اليها، وذلك للّحمة وللمؤازرة في حال حلّ سارق أو حيوان مفترس.
تشكّل الزراعة مصدر رزق أهل البلدة الأساس وفي مقدمها زراعة التبغ، رغم كل المشاكل التي تلاحق هذا القطاع، إلى زراعة الزيتون.
في البلدة مستوصف صحّي أنشأته البلدية بالتعاون مع «الهيئة الطبية الدولية»، إضافة إلى تعاونية زراعية.
تأسس أول مجلس بلدي في ربّ ثّلاثين عام 2004، وتولّى رئاسته علي محمود بركات حتى العام 2010، موعد الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدت معركة، بين لائحة من 10 أعضاء مدعومة من حزب الله علماً أن عدد أعضاء المجلس البلدي هو 12 عضواً وأخرى من 10 أعضاء كذلك، إنما مدعومة من حركة أمل وبعض المستقلين، وذلك بعد انفراط عقد التوافق بين الطرفين ودخول العائلات المستقلة على الخط. وبعد فرز نتائج التصويت، تبيّن أن لائحة حزب الله فازت بأعضائها العشرة، فيما فاز عضوان من اللائحة الثانية أحدهما من الحركة وآخر مستقل، وأعيد انتخاب علي محمود بركات رئيساً للبلدية. وهو من مواليد عام 1960.
طلوسة
طلوسة لؤلؤة جبل عامل، قرية وادعة على تلاله، تعود في التاريخ إلى عهد الكنعانين، وكان اسمها قديماً «طوادي النحارير». خلال فترة الاستعمار الفرنسي، أنشأ فيها الفرنسيون قاعدة عسكرية، ويُحتمل أنّهم أطلقوا عليها اسم مدينتهم «تولوز»، وجرى تعريبها في ما بعد لتصير «طلّوسة» إحدى قرى جبل عامل.
تبلغ مساحة البلدة التي تحوطها خمس هضاب، نحو 250 هكتاراً. ترتفع عن سطح البحر 650 متراً وتبعد عن بيروت 110 كيلومترات، وعن مركز القضاء 15 كيلومتراً. يبلغ عدد سكانها حوالى 3000 نسمة، يقيم منهم نحو 300 نسمة شتاءً، و600 صيفاً. وتُعد طلوسة من البلدات الفتيّة، إذ يشكّل الشباب فيها نسبة ثمانين في المئة.
يعمل سكانها في الزراعة والأعمال الحرّة، ويرتكز اقتصادها بشكل رئيس على المال الاغترابي الذي يؤمّنه أبناء البلدة، المغتربون في دول أميركا الجنوبية وأفريقيا وأوروبا، إضافة إلى دول الخليج.
تحدّها من الشمال بني حيان ومن الجنوب حولا ومن الشرق مركبا ومن الغرب مجدل سلم وقبريخا، وتتوزع البلدة بين نحو أربعين في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة، وبين أحراج من السنديان والملول تحيط بها من ثلاثة جهات، وهي لا مثيل لها في المنطقة من حيث الكثافة والجمال.
طلوسة بلدة قديمة موجودة منذ عهد الكنعانين والفنيقيين والرومان والصلبيين والمسلمين والاتراك امتداداً إلى عهد الاستعمار الفرنسي، وهناك آثار كثيرة وجدت في القرية تدلّ على الشعوب التي مرّت بها، منها بقايا كنيسة تعود إلى العهد البيزنطي، وأثار فينيقية قديمة موزعة في أنحاء البلدة. وقد كان للبلدة النصيب الوافر من المعاناة والأسر والشهادة منذ عام 1978 وحتى تاريخ تحرير الجنوب من الاحتلال «الإسرائيلي» عام 2000.
تأسست البلدية عام 2004 وتعاقب على رئاستها كل من فؤاد اسماعيل ترمس 2004-2007 والدكتور جهاد حسين ترمس 2007-2010 والذي أُعيد انتخابه في شهر أيار عام 2010 لولاية ثانية مدّتها ست سنوات. وهو من مواليد عام 1967.
بالتعاون مع «موقع بلديات لبنان الإلكتروني»