توتر العلاقات بين روسيا وأميركا … والفرص التركية
سماهر الخطيب
قيام الولايات المتحدة الأميركية بطرد دبلوماسيين روس من أراضيها، لا يندرج في سياق توتر مستجدّ بين الدولتين، فالعلاقات الأميركية ـ الروسية شهدت في مطلع العام 2014 توتراً على خلفية أحداث القرم وشرق أوكرانيا وانضمام شبه جزيرة القرم للاتحاد الروسي، ما دفع بواشنطن ومعها الاتحاد الأوروبي، إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا ومضاعفة الدعم لأوكرانيا ضدّها.
واشنطن القلقة جداً من تصاعد دور روسيا على الساحتين الإقليمية والدولية، تدرك أنّ فرملة هذا الدور أمر شبه مستحيل، خصوصاً بعدما استطاعت روسيا أن تلعب دوراً رئيساً وحاسماً في دعم عمليات الجيش السوري، بمواجهة المجموعات الإرهابية المتطرفة، التي في معظمها تعمل وفق أجندات أميركية ـ تركية. لذلك، لم يستبعد بعض المحللين أن تكون تركيا أسقطت «السوخوي» الروسية قبل عام، بضوء أخضر أميركي.
الإدارة الأميركية الحالية، تضغط للتقليل من تأثيرات الدور الروسي. وفي هذا السياق، أطلقت الإدارة الأميركية اتهامات ضدّ روسيا، مفادها أنّ روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة دونالد ترامب. وقد صدرت تصريحات أميركية رسمية عن قيام روسيا بشنّ هجمات الكترونية. ومن ثم إعلان الخزانة الأميركية عن تجديد وتوسيع العقوبات، التي سبق لها أن فرضتها على شركات روسية. علماً أنّ الشركات المستهدفة تابعة لمصرف «روس سيلخوز بنك» وشركة «نوفاتيك»، التي تعمل غالبيتها في مجال استكشاف موارد النفط والغاز واستخراجها وتكريرها، إضافة إلى شركات تعمل في مجال النقل والبناء في شبه جزيرة القرم. وكانت هذه العقوبات منسقة مع الاتحاد الأوروبي، الذي سبق له إعلان تمديد عقوباته الاقتصادية ضدّ روسيا.
الرئيس باراك أوباما برّر العقوبات على روسيا بـ «منع موسكو مستقبلاً من انتهاج المسالك التي تتبعها حالياً». ولإظهار ضعف روسيا والتأكيد أنها لا تملك القدرة في تغيير الأميركيين والتأثير عليهم. قال أوباما: «هم أصغر وأضعف من الولايات المتحدة. واقتصادهم لا ينتج شيئاً يريد الآخرون اقتناءه، سوى النفط والغاز والأسلحة… ولا يتطوّر». وهذا ما يتنافى مع خطابه الأول، الذي أشار فيه إلى قوة روسيا وثقلها إقليمياً وعالمياً.
والسؤال، هل أنّ اغتيال السفير الروسي لدى تركيا، يندرج في مسار التوتر الأميركي ـ الروسي، على خلفية التقارب الروسي ـ التركي. وهو تقارب تسعى تركيا من ورائه، إلى إيجاد مقعد لها على طاولة المفاوضات السياسية حول سورية، بعدما فشلت كلّ رهاناتها على إسقاط الدولة السورية.
لا شك، أن دور تركيا تراجع، كما الدور القيادي الأميركي. في مقابل صعود دور روسيا وحلفائها. وتركيا لم تدرك تداعيات تلك الصفعة، إلا بعد أن تمّ الاغتيال. لذلك، وجهت الاتهام سريعاً إلى غولن، الذي تتهمه بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل. وهذا اتهام يصيب الولايات المتحدة.
تركيا التي دعمت المجموعات الإرهابية ودرّبتها داخل معسكراتها، تلعب على الحبلين، فهي من جهة، تبقي على تحالفها الوثيق مع المجموعات الإرهابية ومن جهة، تنحو باتجاه انعطافة، من خلال التواصل اليومي مع الروس بشأن سورية!
روسيا تمارس سياساتها بذكاء حادّ. وتقوم بلجم غضبها وامتصاص انفعالها بممارسة السياسة الأميركية عينها، على تركيا. وهي القوة الذكية، بالتلويح بالقوة العسكرية وإقامة التحالفات والاتفاقات الديبلوماسية ولجم تركيا عن دعمها اللامحدود للإرهاب، بإعادة توجيهها والتأثير عليها للتعاون معها في محاربة الإرهاب وإغلاق معابرها، التي تورد من خلالها المسلحين إلى سورية. وهنا تبرز تركيا حسن نيتها المبطنة، في تعاونها مع روسيا. وتستفيد من عملية الاغتيال لإعادة خلط أوراقها وتكثيف جهودها الديبلوماسية، بعد فشلها العسكري الذريع في سورية.
وتبقى الولايات المتحدة ودول البترودولار الداعم للإرهاب، هي الخاسر الأول في هذه الحرب الشرسة، ليكون الرابح الوحيد الدولة السورية، التي صنعت النصر ببطولات جيشها وحلفائه مع روسيا وإيران والدول الداعمة لها.
وإذا استفادت تركيا من هذه الفرصة، التي منحتها إياها روسيا، في تزخيم تعاونها وإعادة صياغة استراتيجيتها ضدّ الإرهاب. وابتعدت عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، فإنها قد تحجز لنفسها موقعاً في ضفة الرابحين.