تركيا: انقلب السحر على الساحر
اياد موصللي
من أمثالنا المتداولة: «طابخ السمّ آكله…»
ما حدث في بداية العام الجديد في اسطنبول وأدّى إلى إصابة مواطنين عديدين من بلادنا ممّن كانوا يقضون إجازة العام الجديد في تركيا، ومع فداحة مصابنا الوطني والآلام التي تركها… هو نتيجة مباشرة لما صنعته يد الغدر والإجرام، وما عمله أردوغان وقادة تركيا في بلادنا السورية من العراق إلى الشام ولبنان، حيث صدّت المحاولة وتمّ حصر الإرهابيين في جرود عرسال منذ ستة أعوام إلى يومنا هذا.
تركيا تدفع الآن، وستستمرّ بالدفع من أمنها واستقرار وطمأنينة شعبها، حيث أسّست بورصة الإجرام ورعتها وجعلتها سوقاً يومياً لنشاطها الهدام. أنشأت جماعات تكفيرية إرهابية تحمل رايات دينية مزيفة وسلحتها وموّلتها وأرسلتها عبر الحدود الى بلادنا لتعيث فساداً وتزيل الحياة بعناوينها ومعانيها كلها… هذه الجماعات سقت أردوغان من الكأس نفسها وما طبخه وحضّره من السمّ لبلادنا…
ما كنا في أيّ فترة من فترات التاريخ مطمئنين للأتراك، ولا نشعر نحوهم سوى شعور المظلوم نحو الظالم والمعتدى عليه تجاه المعتدي… كان الأتراك يمثلون قمة العدوانية بحقنا وذروة التعصّب العنصري، وهدفهم البعيد طمسنا ومحونا وإزالتنا من الوجود، سوريين وعرباً، والاستيلاء على بلادنا بعد محو كلّ ما يربطنا بها لغة وتاريخاً… ولذلك قاموا بإنشاء علاقات متينة مع اليهود وسهّلوا لهم التمدّد في فلسطين…
حضنت تركيا الإرهاب وأرسلت الإرهابيين للقتل والتدمير في الشام وطعنت جيرانها في ظهرهم بسلاح الغدر والخيانة… مستهدفة إسقاط النظام وإقامة نظام عميل لها ولـ»إسرائيل»، بما يكفل لها التمدّد وتحقيق حلمها المستحيل.
فلو استعرضنا مدة وجودهم في بلادنا أو بلاد العالم الأخرى لما وجدنا صفحة واحدة من ذلك التاريخ بيضاء او رمادية، فما تركوه على صفحات التاريخ أسود قاتم… ولن ننسى تاريخ 6 أيار من العام 1916 والسفاح التركي جمال باشا الذي لقب بالجزار لقاء جرائمه حين أمر بشنق مجموعة من الأحرار في بلادنا وقفوا في وجه محاولات تتريك شعوبنا وتغيير لغة البلاد وهويتها وجلّهم من رجال الفكر والكلمة. هذا السفاح واحد من عشرات من أمثاله ممّن مارسوا نفس السياسة التي خطط لها قادة تركيا.
تركيا اليوم تقف في صدارة الدول التي احتضنت الإرهاب والمجموعات التكفيرية وصدّرتها الى عالمنا العربي من العراق والشام الى ليبيا وتونس واليمن… وقد زوّدتها بكلّ مستلزمات القتل والدمار، وفي 2 شباط 1938 كتب الزعيم سعاده مقالاً بعنوان «هذا حب بشع يا تركيا». قال فيه: «إذا تحدّثنا كثيراً عن اللواء فلأنّ اللواء لحمنا ودمنا. ولأنّ تركيا تأبى علينا إلا أن نتحدث دائماً عنه وعنها. وتأبى دائماً وأبداً إلا أن تموّه على الناس كأنّ الناس عميان.
تأبى الأوساط التركية إلا أن تذرّ الرماد في عيون السوريين بتصريحات هي من باب التمويه والتدجيل السياسي.
جاء في البرقيات عن استانبول: «إنّ تركيا تشعر بمرارة وتأثر حين ترى سورية بعيدة عن التمتع بحريتها واستقلالها وكلما اقترب من هذا السبيل زاد سرورها أي تركيا ولا ترغب تركيا الا أن تكون صلاتها طيبة مع جيرانها».
بمثل هذه التصريحات الودية تحاول الأوساط التركية أن تموّه على الشعب السوري، ولو جاءت هذه التصريحات قبل أن تبتلع تركيا الاسكندرونة. أما وقد بانت نوايا تركية نحو سورية، فلم يبق من مجال لهذا التمويه يُغرون به السذج من الناس.
إنّ نيات الدولة التركية ظهرت صريحة لا تقبل أيّ نقاش، فتركيا تريد أن تبتلع سورية كلها ولن تكتفي بالاسكندرونة، إذا تمكّنت من ذلك.
إنّ هذه المظاهر ليست بالحقيقة غير عواطف سياسية لا لون لها ولا طعم، وما كان للعواطف السياسية مرة لون وطعم.
إنّ هذه العواطف تبديها تركيا لسورية مطلوة من الخارج دهاناً غرّاراً وأصباغاً من ألف لون، هي بالحقيقة عواطف زائفة متى تطلع عليها شمس الحقيقة حتى تظهرها بزيفها وبشاعتها.
نحن نعرف ما قيمة هذا التمنيات من خير ومن سعادة واستقلال تامّ، تتمناها لنا تركيا، ونعرف ما قيمة هذه المرارة وهذا التأثر تشعر بها تركيا حين ترى انّ سورية لا تتمتع بحريتها واستقلالها.
نحن نعرف هذا ونعرف أنّ تركيا تحاول أن تستغلّ السذج من الناس في سورية، فتموّه على الرأي العام الذي لا يعرف قيمة الأشياء في جوهرها فتغره بكلمات الصداقة، الاستقلال، الخير، السعادة.
لمثل هذا تعمل الأوساط التركية. هي تعمل للتمويه على السوريين وتضليلهم، ليسكتوا عن حقهم السليب في لواء الاسكندرون ويؤمنوا بعواطف تركيا التي تريد أن تكون علاقتها طيبة مع سورية. ولكن الدعوة لهذا الغرام لن تلقى في سورية غير الصدود والهجران، لأنها عواطف عشاق زائفة تخفي تحت مظهرها الناعم قلباً أشدّ اسوداداً من فحمة الليل، هذه عواطف تشتهي لحم الأمة ودمها، لا خيرها وسعادتها واستقلالها».
وها هي الأيام وبعدما يزيد عن الثمانين عاماً على هذا الكلام تكشّر تركيا عن أنيابها وتظهر المخفي من مكنوناتها النفسية والأخلاقية تجاه أمتنا. فأرسلت رسلها ليدمّروا معالم الحياة كلها في سورية وليعيثوا في الشام والعراق فساداً وقتلاً وتدميراً لكلّ معالم الحياة والحضارة ليتساوى تاريخنا مع تاريخهم، حيث لا ماضي يفاخرون به ولا حضارة إنسانية صنعها أجدادهم. فتاريخنا وماضينا تاريخ عز ورقيّ، تاريخ سيادة وقيادة وعلم وحضارة… في كلّ شأن من شؤون الحياة.. فيما ماضيهم ماضي أذلاء عبيد مماليك، وفيهم صحّ قول الشاعر: لا تشتري العبد إلا والعصى معه
إنّ العبيد لأنجاس مناكيد..
ستبقى الصفعات واللطمات تنهال على تركيا من أشباح قتل وإرهاب وتدمير صنعتهم من أجل تدميرنا حياة وحضارة.. لأنّ تركيا اليوم في صدارة الدول التي احتضنت الإرهاب والمجموعات التكفيرية وصدّرتها الى بلادنا، بعد أن زوّدتها بكلّ مستلزمات القتل والدمار.. فقد كانت مؤامرات الأتراك بحقنا ولا زالت عميقة الجذور من أجل القضاء على العروبة، وسورية سيفها وترسها. إنّ ما جرى ويجري اليوم من قبل الحكام الأتراك هو إتمام لما حاولته جمعية الاتحاد والترقي وأفشلته يقظتنا.. لقد حاولت هذه الجمعية التي كان معظم قادتها من ذوي الأصول اليهودية وفي مقدّمتهم مصطفى كمال، حاولت تتريكنا، ولكنها فشلت…
والآن ينطبق على تركيا المثل القائل: «انقلب السحر على الساحر…».