القدس… تصعيد وتهويد و«أسرلة»
راسم عبيدات ـ القدس المحتلّة
حكومة الاحتلال تواصل حربها المجنونة على المقدسيّين، وهي ترى بأنّ صعود ترامب اليميني المتطرّف للسلطة في الولايات المتحدة، يمنحها فرصة ذهبيّة للإجهاز على المدينة، فلا يكاد يمرّ يوم من دون الإعلان عن مخطّطات ومشاريع استيطانية جديدة، فقط منذ 8 تشرين ثاني الماضي موعد انتخاب ترامب وحتى اليوم أكثر من ألف رخصة بناء مُنحت للمستوطنين في القدس، ففي الوقت الذي شهدت فيه الأعوام السابقة تباطؤاً في البناء والنمو الاستيطاني في القدس، ففي عام 2014 صودق على بناء 395 وحدة استيطانية، وليتضاعف هذا الرقم وليصل إلى 755 وحدة استيطانيّة في 2015، وليرتفع إلى 1506 وحدة استيطانية في 2016، وفي مقابل ذلك شهدنا ارتفاعاً حادّاً في هدم منازل المقدسيّين في القدس، حيث كان معدّل عمليات الهدم لمنازل المقدسيّين ما بين 40 70 بيت سنوياً، ولكن في العام 2016 ارتفع وقفز الرقم إلى 130 بيتاً، والشيء اللافت هنا بأنّ عمليات الهدم طالت منازل فلسطينية مقدسيّة خارج جدار الفصل العنصري في قلنديا وكفر عقب وحزما وغيرها.
في حين على جبهةٍ أخرى رأينا بأنّ الاقتحامات للمسجد الأقصى، وبغرض فرض وتكريس عملية التقسيم الزماني، جرت زيادة ساعات الاقتحام الصباحي بساعة إضافية، وتتواصل محاولات منع رفع الأذان في مساجد القدس والداخل الفلسطيني في حرب على الشعائر الدينية وحرية العبادة، لتصل حدّ الصفاقة والوقاحة بِاقتراح رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو برفع الأذان مرة واحدة بدل خمس مرات في اليوم.
وعلى جبهة «الأسرلة» للوعي والسيطرة على المنهاج والعملية التعليمية في مدينة القدس، يخطو المتطرّف «بينت»، وزير التعليم العالي في «إسرائيل»، خطوات حثيثة نحو السيطرة على العملية التعليمية في القدس وتطبيق المنهاج الصهيوني على طلبتها الفلسطينيّين المقدسيّين، فمع بداية هذا العام طرح مسألة مقايضة المنهاج بالميزانيات المدارس التي تدرّس منهاج صهيوني أو لديها صفوف لمنهاج صهيوني تغدق عليها الميزانيات، وتمنح ساعات تدريس إضافية وفق إطار تربوي خاص. ولم يكتفِ بذلك، بل بالتعاون مع ما يُسمّى بوزير جودة البيئة وشؤون القدس المتطرّف «زئيف اليكن»، قالا بأنّ المدارس المطبّقة للمنهاج الصهيوني تحوّل لها الأموال من أجل الترميم والبُنى التحتيّة، والمدارس الأخرى لا أموال لها، أي ربط المنهاج بالميزانيات والترميم، وليعلن في الذكرى الخمسين لاحتلال القدس وضمّها، أنّه في الذكرى الخمسين لما يسمّيه بتوحيد القدس، شعار العام الدراسي الحالي، سيكون «توحيد القدس» كعاصمة لدولة الاحتلال وتدعيم ارتباط اليهود فيها كردّ على «الإرهاب» الذي يشنّه الفلسطينيّون على سكان المدينة اليهود لإبعادهم عنها، ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ، بل قام مدير التعليم في بلدية الاحتلال ودائرة معارفها أمس الأول، وفق صحيفة «هارتس» العبرية، بإبلاغ مدراء المدارس الفلسطينية في القدس، المدارس الثانوية التي تخضع لسلطة وسيطرة بلدية الاحتلال ودائرة معارفها، بأنّ عليها أن تلتزم بجدول العطل والإجازات المدرسيّة المُقرَّة من قِبَل بلدية الاحتلال ودائرة معارفها، وهذا بهدف الضغط على تلك المدارس من أجل عدم تطبيق المنهاج الفلسطيني والتقدّم للثانوية العامة وفق هذا المنهاج واستبدال ذلك بـ«البجروت» الصهيوني، فترة العطل المطروحة وخاصة ما يُسمّى بعطلة الربيع، هي فترة مصيريّة لطلبة الثانوية العامّة من أجل استكمال المنهاج، وعند عودة بقيّة طلبة تلك المدارس، طلاب المرحلة الثانوية، يعطّل طلبة الثانوية العامّة من أجل تقديم الامتحان التجريبي والاستعداد لامتحان الثانوية العامّة، الذي يُفترض التقدّم له بعد إنهاء طلبة الصفوف الثانوية أول ثانوي وثاني ثانوي للفصل الدراسي، من أجل استخدام صفوفهم كقاعات للامتحانات الثانوية، ولكن في الوضع الجديد مع بقاء جميع الطلبة في المدرسة سيؤثّر ذلك على سير امتحانات التوجيهي من حيث الفوضى الناشئة وعدم قدرة المراقبين على ضبط قاعات الامتحان، وعدم توفّر الصفوف الكافية كقاعات، مع ما يخلقه ذلك من أجواء توتّر وضغط نفسيّ على الطلبة والمراقبين.
وكردّ على قرار مجلس الأمن الدولي الداعي إلى وقف الاستيطان واعتباره غير شرعيّ في الضفة الغربية والقدس، تتسابق الأحزاب والحكومة الصهيونية على طرح المشاريع الاستيطانية في القدس، فصحيفة «يديعوت أحرنوت» «كشفت النّقاب قبل أقلّ من أسبوع عن توجّه ما يسمّى باللجنة المحلية للبناء والتخطيط للمصادقة على بناء 5600 وحدة استيطانية جديدة في القدس، 2600 وحدة استيطانية في «جفعات هتحموس» في بيت صفافا، و2600 في مستوطنة «جيلو»، و400 وحدة استيطانية ففي مستوطنة «رمات شلومو».
وفي الوقت الذي أرجأت فيه لجنة التخطيط والبناء المصادقة على خطة لبناء 400 وحدة سكنية في مستوطنتي «رمات شلومو» و«راموت» في القدس، وبحسب القناة التلفزيونية الصهيونية الثانية، فإنّ تجميد المصادقة على البناء جاء بناءً على طلب رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، لتجنّب منح وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ذخيرة قُبيل خطابه مساء الأربعاء، ولكنّها عادت ظهر الأربعاء وقُبيل ساعات من إلقاء كيري لخطابه الذي طرح فيه رؤيته لحلّ الصراع الصهيوني ـ الفلسطيني ومستقبل القدس، وصادقت على مشروع استيطاني عبارة عن مبنى استيطاني مؤلّف من ثلاث طبقات في قلب سلوان. وذكرت وسائل إعلام صهيونية أنّ هذا المخطّط قدّمته ودفعته جمعية «عطيرت كوهانيم» الاستيطانية، والتي تعلن أنّ هدف نشاطها هو تهويد البلدة القديمة ومحيطها.
وستؤدّي المصادقة على بناء المبنى في قلب سلوان إلى توسيع البؤرة الاستيطانية في هذا المكان، والأرض التي سيُبنى عليها هذا المبنى هي بملكيّة فلسطينية يعتبرها «الاحتلال الإسرائيلي» بأنّها «أملاك غائبين»، فصادرها وسرّبها إلى الجمعية الاستيطانية.
قرارات الأمم المتحدة لا تعني لدولة الاحتلال شيئاً، ولسان حالهم يقول فلتذهب تلك القرارات بما فيها القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي إلى مزابل التاريخ، فلا اليونسكو ولا مجلس الأمن يفصل الشعب اليهودي عن أرضه، ولو استمع اليهود لقرارات الأمم المتحدة لما قامت دولة «إسرائيل» بعد «الهولوكست». هذا هو لسان حالهم، صلَف وعنجهيّة وغطرسة وتصرّف أهوج واستعلائيّ وصل حدّ استدعاء سفراء الدول التي صوّتت لصالح مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي ضدّ الاستيطان وعدم مشروعيّته من أجل توبيخها، وفرض عقوبات على العديد من الدول التي ساهمت في تقديم القرار كالسنغال وغيرها من الدول.
إذا استمرّ هذا السباق الاستيطاني المحموم، فهذا يعني أنّنا بحاجة إلى لغة ومنهج جديدَين في التعامل مع هذا الواقع، والملف بحاجة إلى قرارات دوليّة ملزمة فيها عقوبات وفرض مقاطعة وسحب استثمارات على ومن دولة الاحتلال، والمأساة هنا بأنّ الكثير من دول العالم يقف إلى جانب الحق الفلسطيني، ولكن تجد العروبة بدلاً من أن تشدّ أزر تلك الدول ويكون موقفها على يسارها، تعمل على تدعيم وتطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، مختلقةً الحجج والأعذار الواهية لهذا الذلّ والخنوع بأنّ تلك العلاقات هي من أجل خدمة الشعب والقضية الفلسطينية، وليس تعبيراً عن حالة انهيار وانحطاط غير مسبوقَين لواقع عربيّ مخزي ومهين.
أدراج الأمم المتحدة مثقلة بالقرارات لصالح القضية الفلسطينية، والتي كانت كلّها تُحال إلى الإيداع ليعلوها الغبار بفعل و«فضل» أميركا، التي ما فتأت رغم كلّ الجرائم والدعم اللامحدود الذي تقدّمه لدولة الاحتلال «معشوقة» العرب الأولى، وكأنّهم أصبحوا عبيداً وأذلّاء لها، توجّه لهم اللطمة تلو اللطمة، ويقولون هل من مزيد..؟؟ نحن خدَم لك يا أميركا وعبيد.
ما نحتاجه الآن ليس صحوة ضمير من إدارة أميركيّة راحلة، فالكثير من القيادات الأميركية السابقة من كارتر إلى كلينتون وغيرهم أصابتهم صحوة الضمير عندما أصبحوا خارج دائرة الفعل والقرار والسلطة، ما نحتاجه هو عمل دؤوب لتحشيد أوسع تحالف دولي من أجل فرض عقوبات ملزمة على دولة الاحتلال تحت الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي.
Quds.45 gmail.com