رفيق سبيعي… راية تسمو نحو الفلك
عبير حمدان
نحترف البكاء حين نجد أنّ الشهامة أضحت عمله يندُر وجودها حتى في الأعمال الدرامية. ويعترينا الوهن حين تصبح الدراما صورة ممسوخة لمجتمع من كوكب آخر لا يُشبهنا ولا ينقل صوَرنا كما هي. ونفقد هويتنا حين يصبح الفنّ مادة مستوردة وفقاً لمعايير تجارية تبحث عن وجوه إعلانية من دون أيّ دراية بروحية مهنة التمثيل… وتفقد الدراما صدقيتها حين تصبح… «تمثيلاً»!
أين نحن من الزمن الذهبيّ حين يترجّل الكبار عن صهوة الوجود وخلفهم تندثر الذائقة الفنية، ويجتاحنا استعمار تلو الاستعمار. حين توهّم بعض الفاسدين في فيلم «بنت الحارس» أنّ الأمن قائم، تخلّوا بشحطة قلم عن الحارسَين ولجأ أحدهم إلى القبضاي «أبو صيّاح» في الشام بحثاً عن رزقه، هذا «القبضاي» لم يبخل يوماً على المهنة التي أحبّها فكان الأب والأخ والحكيم والحكواتي الصادق.
التقيته مرّة في كواليس أحد البرامج الفنية، وبشكل سريع، ولم يسمح الوقت أن نسجّل لقاءً أحفظه في أرشيفي المهنيّ، لكنني أذكر أنّي سألته عن الدراما وأحوالها، وحين استفسرت منه عن سبب عدم عرض مسلسل «الحصرم الشامي» ومنع الرقابة له أجابني: «مشكلتنا أننا شعوب تسعى إلى تجميل تاريخها ولا تعمل على التعلّم من أخطاء هذا التاريخ، والحصرم الشامي عمل يروي واقعاً عاشته العائلات الشامية في حقبة معيّنة، ولم تزل هذه العائلات موجودة حتى الآن. لذلك منعته الرقابة، لو أننا نقول التاريخ كما هو فعلاً لربما أصبح واقعنا أفضل».
لعلّ الأزمة التي طوّقت بلاد الياسمين أكبر من فعل الوجود، ولعلّ قلبه لم يعد يحتمل كلّ هذا الجنون والحرب التي قسّمت حتى الفنانين إلى جبهتين، وكلّ جبهة ترشق الثانية بالكلام والاتهام. بين مؤيّد ومعارض، يصبح التاريخ مهزلة قد يكتبها أيّ هاوٍ من دون دراية واطّلاع.
سيذكر التاريخ الدراميّ والشعبيّ فنّاناً بحجم وطن اسمه رفيق سبيعي، أضناه كلّ هذا الدمار الذي يحيط بنا، وأثقل كاهله سيل الدماء من عروق الياسمين، فاختار الرحيل إلى مكان خالٍ من الأحزمة الناسفة والتقاتل بِاسم الدين على الأرض من دون الالتفات ولو لبرهة نحو السماء.
رفيق سبيعي تاريخ قد لا يدركه المعتدون على الفنّ الدرامي، تاريخ يستحقّ القراءة بتمعّن ورويّة، ويتطلّب من كلّ معنيّ بهذا الفنّ الحفاظ عليه وتوظيفه كما يجب أن يكون… لحظة حمل رايته ومضى لم يسقط عن عرشه، إنما سما بها نحو الفلك.