ومن العشق ما قتل: لماذا أحبّت قطر ثورات «الربيع»؟!
د. رفعت سيد أحمد
في هذه الأيام وفي ذكرى ما سُمّي بالربيع العربي، ثمة أمر محيّر ارتبط بذلك الربيع. أمر يدعو إلى الدهشة والتساؤل حقاً.. ما الذي يدفع «إمارة» صغيرة أن تنفق من أموال شعبها، ما يزيد على عشرة 10 مليارات دولار في أقل من ست سنوات منذ اندلاع ما سُمي الربيع العربي على دعم تنظيمات وجماعات دينية وسياسية، تمارس الإرهاب والذبح، رغم أن قناة الجزيرة وأخواتها تسميهم بـ الثوار ؟!
ما السبب؟ الإمارة اسمها قطر.. غنية جداً بالنفط وبالقواعد العسكرية الأميركية.
تقول الإمارة المحكومة حكماً وراثياً منذ القرن التاسع عشر، والتي توالى على حكمها تسعة من الأمراء من أسرة آل ثاني بعضهم جاء بالانقلاب على آبائه.. إنها تبذل كلّ هذه الأموال بسخاء حباً في الثورات وعشقاً للديمقراطية؟!
فهل تلك هي الحقيقة؟
أما أنّ للحقيقة، أوجهاً أخرى تحتاج إلى بيان؟
بحثاً عن تلك الأوجه دعونا نسجل ما يلي:
أولاً: تؤكد التقارير الدولية الرسمية والإعلامية أن قطر بذلت كلّ هذه المليارات من أموال شعبها، ليس حباً في الثورات ولكن تأدية لوظيفة خلقت من أجلها، فتلك الإمارة من وجهة نظرنا ليست سوى شركة على هيئة دولة . هذه الدولة الشركة وُجدت مصادفة على رمال الخليج، ولأنها لم تكن قادرة بذاتها على أن تعيش وتحمي نفسها، فما كان منها إلا أن بحثت عن الحلفاء الأقوياء، الذين كانوا عبر تاريخها الممتد هم حماة أمنها وأمن الأسرة الحاكمة تحديداً، وهم صنّاع دورها ووظيفتها الجديدة.
من هنا يأتي الدور والوظيفة، ويأتي بذل المال بسخاء في مجالات وعلى هيئات ودول وتنظيمات إرهابية بامتياز قد يستغرب مَن يقرأ الصورة من الخارج، لكن عندما يكتشف الضعف التاريخي في بنية تلك الدولة الشركة ، وفي قدرتها على حماية نفسها بنفسها ويقرأ التفاصيل الدقيقة في مشهد النشأة والدور والتاريخ المصنوع في معامل المخابرات الغربية، ذلك التاريخ الملتحق بقوى أكبر، من يتعمّق في ذلك جيداً، ربما يدرك ساعتها لماذا تقوم الإمارة بصرف أموال البلاد على تنظيمات متطرفة يحلو لها أن تسميها ثورات ، حتى ترضى لنفسها بتزييف الحقيقة المرة، وبقول أكثر وضوحاً، إن واشنطن، وبعض عواصم الغرب وأحياناً تل أبيب بحكم العلاقات الدافئة مع الدوحة ، قد أمروا جميعاً، الإمارة المرتهن قرارها بأيديهم أن تنفق هذه الأموال، فأطاعت خاصة في زمن الربيع العربي الملتبس.
ثانياً: ثمّة أوجه أخرى للحقيقة تحتاج إلى كشف وبيان، خاصة حين يقول تقرير صدر عن نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين في شباط/ فبراير 2015، أن ثمة 20 شخصية قطرية تم جمع معلومات وافية عنهم، قامت بتمويل عمليات الإرهاب في العالم، خارج نطاق الدور الذي حددته واشنطن للإمارة وهو – حليفتها الصغيرة – وأن هؤلاء بدأوا يلعبون خارج المرسوم لهم ولدولتهم، ومن أبرز الأسماء ذكر التقرير:
1 – خالد محمد تركي السبيعي. وهو الممول الأول لخالد شيخ علي، أحد زعماء القاعدة. وهو من المدبرين الكبار للحادي عشر من سبتمبر 2001 وظل دور السبيعي والذي سبق اعتقاله في بيروت بتهمة دعم الإرهاب في سورية ثم أفرج عنه لاحقاً تحت الضغط القطري! ممتداً من دعم لتنظيم «القاعدة « في باكستان وأفغانستان إلى النصرة في سورية من خلال المدعو أشرف يوسف عثمان عبد السلام وعمار القطري، بملايين الدولارات لنشر الفوضى باسم الدين والثورة.
2 عبد الرحمن عمر النعيمي، وهو مستشار في الحكومة القطرية.
3 عبد العزيز خليفة العطية ابن عم وزير الخارجية السابق خالد العطية.
4 سالم حسن خليفة الكواري المتهم بنقل أموال للقاعدة.
وأسماء أخرى عديدة، وشركات وبنوك أكثر عدداً، جميعها أوردها التقرير الأميركي، ومن بعده تقارير بريطانية وتولى فضحها صحفاً ووسائل إعلام غربية منها: صحيفة الفينانشال تايمز والتي كان عنوانها الرئيسي قطر تدفع 50 ألف دولار شهرياً لكل منشق سوري في الجيش! وصنداي تليغراف والتي وصفت قطر في تحقيقاتها الصحافية الوثائقية بالدولة الراعية للإرهاب، والديلي تليغراف، وكتاب بارزون أمثال سيمور هيرش، والسؤال: لماذا تجاوزت قطر، من خلال هؤلاء الممولين للإرهاب، حدود الدور المرسوم لها؟ أم أنها كانت تفهم الدور وتطبقه بشكل آخر؟.
ثالثاً: إن الدور الوظيفي لإمارة قطر ، ازداد وضوحاً، كما هو ملحوظ بعد اندلاع ما سُمّي بثورات الربيع العربي، التي عشقتها قطر إلى حدّ الهوس، وأضحت تسمّى كلّ فوضى وكلّ إرهاب ثورة ، وكانت أدوارها في أغلبها مدمّرة للأوطان التي كانت متماسكة من خلال دعم الجماعات المسلحة، خاصة تلك الملتحفة زيفاً برداء الدين، بالمال والسلاح. وهو السلاح الذي تمّ جلبه من دول عدة منها مؤخراً «أوكرانيا»، وكانت الحدود التركية السورية هي البوابة لدخول هذا السلاح إلى سورية والعراق، ومعسكر «أضنة» كان المكان الأبرز لتدريبهم والذي وصل تعدادهما في البلدين، إلى ما يزيد على 40 ألف مقاتل من خارج سورية والعراق ومن داخلهما. وبعد تحرير حلب من هؤلاء الإرهابيين بدأت تتكشف حقائق مذهلة عن هذا الدور الإرهابي لتلك الجماعات وللدول التي وقفت خلفها وفي مقدمتها قطر. لقد كان الدور القطري الوظيفي المطلوب أميركياً هو التدمير والفوضى، مع تغليف ذلك كله وعلى مدى ست سنوات برداء «الثورة» وهي بريئة من دور قطري كهذا! إنه الدور الذي بحاجة إلى قدر من التفصيل والتأمل من مراكز الأبحاث والمواقع والإعلام والنخب العربية… لماذا؟ لأنه دمّر أكثر مما بنى وفي الواقع هو لم يبنِ!! والثورة تبني ولا تهدم، ولأنه مثّل حباً وعشقاً مفاجئاً أصاب أسرة آل ثاني الحاكمة، وهم الملوك الوارثون، المخاصمون لمفهوم الديمقراطية بالضرورة والطبيعة والمصلحة، كيف بهؤلاء يحبون الثورات كل هذا الحب فجأة، ولا يمارسونه في بلادهم؟!
إنه إذن شيء آخر غير الثورات، إنه الدور الوظيفي في إطار استراتيجية دولية وإقليمية لدول كبرى أرادت تفكيك هذه المنطقة بالإرهاب الذي أسمته ثورة، وقامت باختلاق ربيع وهمي أسمته الربيع العربي، كانت دول الخليج وفي مقدمتها قطر، مجرد بيادق على رقعته، تتحرك كيفما ووقتما يريد اللاعب الرئيسي، وكان الثمن غالياً، للعديد من البلاد العربية، وفي مقدمتها «سورية» و«العراق» و«ليبيا» والآن مصر، لقد كان الثمن بهذا العشق الثوري المزعوم ، هو الدم والفوضى.. والخراب!!
E mail: yafafr hotmail. com