هل يلتقط السعوديون مغزى زيارة عون؟
ناصر قنديل
– عندما يلبّي رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون المنتخب بحصيلة وفاق داخلي شارك فيه بفاعلية الحليف الأقرب للسعودية، دعوة المملكة لزيارتها ويجعلها نزولاً عند الرغبة السعودية أولى زياراته للخارج، والسعودية لا تزال تصنّف حزب الله الحليف الأقرب للعماد عون قبل أن يصير رئيساً، والجهة التي تحمّلت أكبر التضحيات بتمسكها بترشيحه، حتى شكل هذا التمسك سبباً لتفكير الآخرين بالسير بترشيحه، يصير على حكام الرياض أن يستنتجوا أحد ثلاثة، إما أن يغرقوا في أوهام روّج لها بعض المشتغلين معهم في لبنان عن تغيير يلحق بعون الرئيس يتيح الرهان على إضعاف حلفه بحزب الله، وصولاً للرهان على استمالته، أو أن يعتبروا أن عون الرئيس يصيغ مسافات في خياراته عن تحالفاته وله رسالة من هذه التلبية والتبدية، أو أن الزيارة بصيغتها المريحة للسعودية هي مناسبة اختارها الرئيس عون بالتنسيق مع حزب الله وبرضاه، ولها وظيفة في مفهومهما المشترك للرئاسة والعلاقة بالسعودية.
– الفرضية الأولى بالرهان على تغيير ثوابت العماد عون وتحالفاته تشكل سطحية وسذاجة، لا يفترض أن يقع فيها حكام الرياض، وهم يعرفون أن العماد عون اختار حلفه مع حزب الله على التمسك بالرئاسة وفرص بلوغها مراراً، وتحمّل الاتهامات والحملات كلها قبل حرب تموز 2006 وأثناءها وبعدها، وقبل السابع من أيار 2008 وأثناءه وبعدها، وقبل ولاية العماد ميشال سليمان وأثناءها وبعدها. وفي خطاب القسم تحدث عن المقاومة وعن الحرب الاستباقية ضدّ الإرهاب مقدّماً التغطية لشراكة حزب الله في الحرب في سورية. والسؤال البديهي لمن يتخيّل هذا الوهم بتغيير العماد عون موقعه من السياسات الإقليمية، هو هل يمكن لمن ثبت على خياراته يوم كانت سبباً للخسائر والتضحيات أن يتخلى عنها وهي تنتصر وهو الذي كان يفسّر لمريديه مصدر ثقته بالنصر بقوله، لا يمكن أن ينتصر في لبنان الفريق الذي يخسر إقليمياً ويخسر الفريق الذي يربح إقليمياً؟ وماذا لدى السعودية تقدمه لمن تدعوه للانضمام إلى حلفها الذي صارت ساحته الوحيدة حرب متعثرة في اليمن، وخسر في سورية وصار خارج العراق، وتجاهلته واشنطن في تفاهماتها مع إيران، وعلاقته بالإدارة الأميركية الجديدة مليئة بالمشاكل والساحة الدولية تقول بمتغيّراتها إنّ الرئيس اللبناني ميشال عون سيكون على علاقة أفضل من حكام الرياض بواشنطن وباريس وحكماً بموسكو وبكين وطهران؟
– تبقى الفرضيتان الثانية والثالثة، ومضمونهما واحد بتقديم فرصة للسعودية كي تلتقط ما يمكن للرئيس اللبناني الحليف مع حزب الله أن يقدّم لها ويقدم بالتالي للبنان، سواء أكانت هذه الرسالة منسقة مع حزب الله وفقاً للفرضية الثالثة، أو من تلقاء العماد عون ومن دون تنسيق بل من ضمن هامشه الخاص الذي يحرص عليه في ممارسة استقلاليته، والرسالة المفترضة هنا تقوم على طي صفحة الخلافات اللبنانية السعودية التي كان وزير الخارجية اللبناني السابق والحالي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل العنوان المستهدَف فيها بالإجراءات السعودية. ومنشأ الخلافات اتهام حزب الله بالإرهاب ورفض لبنان هذا الاتهام، وطي صفحة الخلافات يبدأ بحوار هادئ حول العلاقة بحزب الله وتصنيفه، لكنها بعد كلّ ما جرى في المنطقة تجعل لبنان جسر العبور الآمن والمريح للسعودية نحو حوار بناء مع إيران ولاحقاً مع سورية. وهذه مصلحة للبنان لكنها مصلحة سعودية بالأساس، بعدما دارت أزمة المنطقة دورتها وقالت كلمتها.
– ليس ضرورياً أن يعرض العماد عون مبادرة معينة، فزيارته وتلبية الرغبة السعودية بجعلها فاتحة زياراته الخارجية هي المبادرة، والجواب السعودي بإجراءات إيجابية نحو لبنان واللبنانيين هي تلقف للمبادرة، بعودة السياح وإعادة فتح ملف المبعَدين، وإعادة تقييم الموقف من هبة التسليح للبنان، كتشجيع للبنان ورئيسه على موقف منفتح على كل الأطراف الفاعلة في المنطقة صوناً للوحدة بين اللبنانيين، وتعبيراً عن دور جسر الحوار الذي يمكن للبنان القيام به، والأهم في التعبير السعودي عن فهم الرئاسة سيكون خطاباً مرناً ومختلفاً للرئيس سعد الحريري تجاه خصوم السعودية في إيران وسورية، بعدما يحرّره السعوديون من مطالبات توظيف موقعه الدستوري كرئيس للحكومة اللبنانية بصورة مخالفة لكل الأعراف والأصول للتصويب على خصوم السعودية لا خصوم لبنان، بينما يمكن لسياسة حريرية مشابهة لسياسة عون بالانفتاح على الجميع توفير مناخات هادئة إقليمياً ومناخات لبنانية أشد هدوءاً.
– التصريحات الأولى للحريري بعد زيارة عون ستكشف حسن التلقي السعودي من عدمه، لأنها أهمّ مما سيحمل العماد عون من قرارات سعودية في طريق العودة، تبقى تحتمل التأويل المتعدّد الاتجاهات بين رهان على الفرضية الأولى وفهم للفرضيتين الثانية والثالثة.