يومان سعوديان للبنان.. توازن الحسابات والمصالح أبعد من النيّات
هتاف دهام
يسجل لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه نجح بثقة وجرأة، مستنداً إلى تحالفاته المتينة وثقة الآخرين به، في أن يخوض غمار فتح كوة مع دول المنطقة تخترق حالة الستاتيكو القائمة في العلاقات العربية العربية والعربية – الإقليمية.
لم تأتِ زيارة الرئيس عون إلى المملكة العربية السعودية، أمس وأول أمس في سياق منعزل، بل في سياق متصل على ضفتي الصراع.
يزور رئيس الجمهورية اليوم قطر. من المنطقي أن تكون هاتان الزيارتان الخليجيتان محفزتين لزيارات مشابهة على المحور الآخر، من بينها طهران، والتحدّي أن تشمل سورية، لا سيما أنّ عاصمتها آمنة ومؤسساتها تعمل ورئيس دولتها بشار الأسد بكامل حيويته.
وعلى ضفة «الوسط العربي» ستتضمّن جولة الرئيس عون مصر، بعدما أصيبت بحساسية أولوية المحطة السعودية في ضوء ما تشهده العلاقات بين القاهرة والرياض من توتر.
شكلت الزيارة السعودية حاجة متبادلة لرئيس الجمهورية والملك سلمان. يريد فخامة العماد إعادة وضع العلاقات السعودية اللبنانية في نصابها الإيجابي وتجاوز الاهتزازات التي أصيبت بها في المرحلة الماضية وإطلاق دينامية جديدة من خلال مساحة توازن، يبدي حرصاً على إدارتها داخلياً وعربياً وإقليمياً.
سعودياً، لبّت زيارة الرئيس عون حاجة المملكة في هذا التوقيت بالذات. الرياض غارقة في الهموم الإقليمية. ملف اليمن «مكربج» وملتهب. مُعارضاتها المسلحة في سورية مهزومة. ثمة ضرورة قصوى عند الأسرة الحاكمة لإعادة الظهور في قلب المشهد. جاءت الزيارة اللبنانية الرسمية لتوفر منصة إيجابية لإمكانية أن تدرس مملكة آل سعود حالة أكثر انفتاحاً تجاه الأزمات المحيطة.
لا تزال خفايا ما طرح في القمة السعودية – اللبنانية تحتاج إلى المزيد من الوقت قبل استبيانها، لجهة أن يلعب لبنان دور التجسير ونقطة الجمع عربياً وإقليمياً في ظلّ الاشتباكات المعقدة بين الدول المعنية.
راعت مواقف رئيس الجمهورية خلال لقائه الملك سلمان بن عبد العزيز وفي إطلالته عبر «الإخبارية» السعودية حالة توازن يحاول أن يؤسّس لها مع بداية رئاسته. «دوزن» سياسته بطريقة يراعي فيها التركيبة اللبنانية. تضمّنت عباراته الكثير من الإيجابيات الواعدة.
حمل الرئيس عون ملفات بالجملة إلى الرياض في محاولة لإعادة جذب السياح وتحريك التبادل التجاري والاقتصادي، وإحداث خرق في حالة الجالية اللبنانية هناك، ووضع حدّ لطرد اللبنانيين لا سيما الشيعة منهم.
مباحثات اليومين السعوديين، يقول مصدر معني بالزيارة، كانت ناجحة على أمل أن تكون هناك ترجمة «رياضية» فعلية لحفاوة الاستقبالات.
يؤكد المصدر نفسه لـ»البناء» أنّ اللقاءات كانت واعدة بالإيجابيات. أنتجت الملفات الاقتصادية والمالية حيوية معينة. نجح وزير الخارجية جبران باسيل بعد لقائه نظيره السعودي عادل الجبير في رسم معالم الزيارة سياسياً وبدقة. تحدّث رئيس التيار الوطني الحر عن التمايزات وضرورة استيعابها، وأنّ لبنان سيلعب دوراً محورياً بين إخوانه في ظلّ أزمات المنطقة. لكن تبقى طبيعة الخلافات على مستوى الإقليم والأطراف المعنية، وفق المصدر، أشدّ تعقيداً من كلّ النيات الحسنة.
تجاوب الملك السعودي حيال طلب رئيس الجمهورية دعم الجيش لمواجهة الإرهاب والتحديات الأمنية الأخرى، ومن ضمن ذلك تفعيل الهبة العسكرية السعوديّة للبنان، واعداً بأنه سيعطي تعليماته إلى وليّ وليّ العهد وزير الدفاع محمّد بن سلمان بعد عودته من الخارج للاهتمام بهذا الملف. إلا أنّ مسألة إحياء الهبة كاملة، بحسب المصدر نفسه لم يُحسَم. تبدّلت الظروف السعودية والفرنسية، ومبدأ المساعدة السعودية للجيش أعيد فتحه على نار حامية إلى حدود إنعاش هذه المكرمة أو تقديمها بقوالب جديدة.
يسير رئيس الجمهورية بين خطّين متوازنين بالمستوى نفسه من إثارة الحيوية والإنتاج.
الخط الأول مثل أول جلسة للحكومة فشكّل انطلاقة واعدة ومفاجئة بالملفات الكبيرة التي قوربت على رأسها النفط والإطاحة بالمدير العام السابق لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف.
الخط الثاني الموازي قرار الرئيس عون الجريء أن تكون أول زيارة خارجية له للسعودية على رأس وفد وزاري متنوّع سياسياً وطائفياً. راعى هذا الوفد خريطة شراكة تُعمّم سياسياً ووطنياً سياسة الانفتاح على المملكة. لم يضمّ الوفد وزيراً من حزب الله وهذا غير مستغرَب بيد أن مجرد وجود وزير المال علي حسن خليل ضمنه هو تمثيل للثنائي الشيعي، لا سيما في ظلّ حرص السعودية على متانة العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فضلاً عن أنّ هذا الحضور إشارة إيجابية للعلاقة بين بري وعون.
الأكيد أنّ شيئاً لم يتبدّل في سياسة حزب الله تجاه السعودية، وكذلك لم يتغيّر انخراط السعودية في الحرب ضدّ سورية. لكن عدم تكرار حارة حريك الاتهامات الموجَّهة لـ «آل سعود» مردّه احترام العهد الجديد وعدم تفجير قنابل تصنَّف أنّها في وجهه. جاء كلام الشيخ نبيل قاووق أول أمس ليؤكد موقف المقاومة، إذ اعتبر أنّ هناك تمويلاً وسياسة سعودية تقضي بتصدير الفكر الوهابي إلى العالم كله، حيث بات هو منبع الخطر على الإنسانية جمعاء، حيث إنّ النظام السعودي يصرّ حتى اليوم على استخدام سلاح التكفيريين في لبنان والعراق ودول المنطقة كلها.