هل فاجأتنا أنقرة..عملية القدس «حقيرة»!؟
نظام مارديني
كشفت العملية الاستشهادية التي نفّذها المقاوم «فادي القنبر» في القدس المحتلة والتي أدّت إلى مقتل وجرح عدد من جنود الاحتلال الصهيوني. كشفت الوجه القبيح لمسرحية «مرمرة» التي كانت تختبئ وراءها تركيا، ويمكن اعتبار التنديد التركي بهذه العملية البطولية ذا فائدة لحركة «حماس» التي كان من الممكن أن تستمر حركة مقاومة لا أن تنتهي حزباً «إخوانياً» تافهاً، وهي تتفاجأ بتصريح نائب رئيس الوزراء التركي ميهمت سيماسيك الذي نعتَ العملية الاستشهادية بـ«الإرهابية والحقيرة».
ولكن هل هي مسألة تنديد أم أن هذا التنديد يمثل الموقف الرسمي لأنقرة، خصوصاً بعد تطور العلاقات بينها وبين الكيان «الاستدماري» الاستيطاني في فلسطين المحتلة، وما تشكله هذه العلاقات من تهديد للأمن القومي في الهلال السوري الخصيب؟
ففي ضوء رصد تطوّر العلاقات التركية «الإسرائيلية» التي ستتركز في المرحلة المقبلة بينهما على الجانب الأمني، خصوصاً أن استراتيجية العلاقات بين الدول ارتبطت على الدوام بمفهوم الأمن القومي، ومفهوم مصادر التهديد الرئيسية والثانوية التي تتعرّض لها، فكيف إذا كانت هاتان الدولتان بتكوينهما الواقعي دولتين استعماريتين قائمتين على الاحتلال واغتصاب أراضٍ من الهلال السوري الخصيب في الشمال والجنوب.. ولعل السياسي اليهودي البريطاني، بنيامين دزرائيلي 1804-1881 كان أول من رأى أهمية هذا الهلال قائلاً: «مَن يملك الأرض التي تشير إليها قبرص بأصبعها يملك مصير العالم»!؟
وكما يبدو فإن تطورات المنطقة منذ بدء «الاستدمار» اليهودي لفلسطين بداية القرن العشرين وحتى احتلال العراق وتفجير الداخل السوري.. هذه التطوّرات شكلت معالم المرحلة الراهنة التي يعيشها وطننا، كانهيار النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وبروز ظاهرة التكتلات الاقتصادية الجديدة البريكس، شنغهاي، أوراسيا ، وصعود النزاعات الإثنية والدينية، ما يحتّم على دول الهلال السوري الخصيب الاتجاه لبناء قوة أمنية تقتضي منها الابتعاد عن المسائل التي تثير الخلافات السياسية، وتدفع نحو التجمّع أو الوحدة، ولعل ما تقوم به عاصمتا الهلال الخصيب، دمشق وبغداد، من تنسيق هو ضرورة لحفظ أمنهما القومي بسبب الهجمة الإرهابية الدموية الشرسة التي تتعرّضان لها في المرحلة الراهنة.. يعرف والتر ليمان 1889 – 1974 الأمن القومي بقوله «إن الدولة ستكون آمنة حينما لا تُضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتتجنّب الحرب، بحيث تكون قادرة عند التحدي على المحافظة على تلك المصالح بالحرب».. أما من الجانب الاقتصادي، فإن مفهوم الأمن القومي يعني التنمية والاكتفاء الذاتي، وهو ما كانت تعيشه الجمهورية السورية حتى لحظة تفجير الحرب الكونية عليها قبل ست سنوات من الآن.
إن إعادة تقدير متطلبات الأمن القومي لبلادنا، بعد إعادة إطلاق العلاقات التركية «الإسرائيلية»، هي لاستخلاص كل الاحتمالات المقبلة ولاستباق الأخطار المتجددة التي لا تكفّ عن الظهور عبر مشاريع، كلما لاحت بوادر النصر على الإرهاب في كل من سورية والعراق.
فلسطين أمانة في أعناقنا، وليست في عنق أردوغان.. وليست أيضاً في أعناق مَن لا يشعر بالانتماء الحقيقي لها ويفضل عليها انتماءه الإخواني.