مهلاً أيها المنخدعون بالعروبة الوهمية… نحن سوريون أبناء أمة سورية تامة

هاشم حسين

دأب البعض في الآونة الأخيرة على نشر كتابات ومقالات تشوّه مفهوم الأمة الذي وضعه باعث النهضة أنطون سعاده، وتحيط هذا المفهوم بإسقاطات بدعوية، بعيدة كلّ البعد عما رمى إليه سعاده.

في كلّ كتابات أنطون سعاده ليس هناك ما يشير الى «وحدة عربية»، لا على أساس قومي اجتماعي «عروبي» ولا على أساس اثني، ولا على أساس مزيج متجانس ولا على أساس وحدة جغرافية زراعية اقتصادية – استراتجية ، ولا على أساس بناء اجتماعي – جغرافي ، ولا على أساس بنيوي اجتماعي – زراعي ، ولا على أساس بنيوي اقتصادي اجتماعي – استراتجي . وليس هناك نصوص لسعاده عن «وحدة عربية» – نفسية – اجتماعية لوحدة حياة ووحدة مصير ، لا في مراسلاته ولا في محاضراته العشر، ولا في المبادئ، ولا في نشوء الأمم، ولا في أيّ قصاصة ورق اكتشفها رفيق ما مهملة في درج ما، ولا في نظام الحزب الذي وضعه أنطون سعاده، ولا في الدستور، ولا في مقدّمته، ولا في خطاب سعاده المنهاجي الاول، ولا حتى في شرحه لعقيدته القومية الاجتماعية، ولا في أيّ مبدأ منها إطلاقاً.

سعاده لم يشر اطلاقاً إلى أمة «سورية عربية»، لا في أي دفتر أو كتاب ولا في أية وسيلة إعلامية حزبية، ولا في الصحف المحلية الكيانية، ولا العالمية، ولا في اللقاءات والمقابلات الصحافية، ولا حتى في المحاكمات التي تعرّض لها سعاده على يد المستعمرين وعلى يد أذنابهم في حكومة الخائن رياض الصلح.

لم يتحدث سعاده عن أمة «سورية عربية»، ولا عن نهضة «سورية عربية»، ولا عن فكر «سوري عربي»، ولا عن صراع «سوري عربي» مع اليهود وغيرهم. بل تحدث الزعيم وبكلّ ثقة وإيمان وعزيمة صادقة عن: الأمة السورية التامة… وأنّ قضيتها قضية سورية لوطنٍ سوري، ولأمة سورية بحتة. كما أنّ الزعيم أسّس حزباً سورياً قومياً اجتماعياً يحمل قضية سورية قومية اجتماعية حدّد مبادئها بكلّ وضوح وبكلّ صراحة وبكلّ إيمان وعزيمة صادقة، وقد وَهَبَ نفسه من أجلها، من أجل الأمة السورية.

الزعيم تحدث بكلّ وضوح عن العالم العربي، نعم العالم العربي، وليس «الأمة العربية»، وتحدث عن قضايا العالم العربي، وليس عن قضية «قومية عربية».

وتحدث عن جبهة عربية تضمّ «قوميات أمم العالم العربي» في جبهة سياسية – استراتجية – دفاعية تكفل ضمان استقلال كلّ أمة وضمان استقلال وحدتها النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في حالات السلم قبل الحرب … ولم يقل إطلاقــا بـ «أمة سورية عربية» تقود هذا العمل أو هذا التوجه، بل قال صراحة ووضوحاً بأنّ الأمة السورية هي إحدى أمم العالم العربي ، وهي الأكثر أهلية لقيادة الجبهة العربية – السياسية -الاستراتجية للدفاع عن حقوق أمم العالم العربي ، والجبهة العربية التي ستتألف من حلف ينشأ بموجب اتفاقيات تضمن سلامة ووحدة أراضي ومجتمع كلّ أمة من أمم العالم العربي ليشكلوا معاً جبهة سياسية – عسكرية – استراتيجية تكون ذات قيمة فعلية في السياسة الانترنسيونية .

لقد ورد في مقالات محدّدة للزعيم تحدثت عن السياسية، والاستراتيجيات الانترنسيونية والتحالفات والموقع المتقدّم للأمة السورية في هذه المحافل الدولية عموماً، وعن موقعها في العالم العربي خصوصاً كأمة مؤهّلة لقيادته وتسير هذه الجبهة بما يخدم المصالح القومية العليا لكلّ أمة من أمم العالم العربي وفي طليعتها ومقدّمتها الأمة السورية .

وإذا راجعنا غاية الحزب يكاد يكون فيها المكان الوحيد الذي أسهب فيه الزعيم شرحاً عن هذه المسألة في شأن الجبهة العربية التي لم يناد بها بل قال حرفياً في غاية الحزب والسعي إلى إنشاء جبهة عربية .

الأمة السورية التامة هي الأساس في ذهن سعاده وعقله وعقيدته ومبادئه وسياسته وفكره ومدرسته ونظامه وحياته حتى أنه هو نفسه يعترف بأنه معذور لأنه غرق بأمته السورية ولكن ذلك لم يمنعه من التفكير بالعالم العربي ، أم الجبهة العربية فهي مسألة سعي أيّ مسألة تكون في الدرجة الثالثة في العمل السوري القومي الاجتماعي:

إنّ درجات العمل القومي وفقاً لمنهاج سعاده تنقسم إلى:

الدرجة الأولى: العمل القومي- إثبات الهوية: الأمة السورية ووحدتها وهويتها السورية وهو إجباري دستوري نظامي.

الدرجة الثانية: العمل الاجتماعي الوحدة والسيادة: ثبات الأمة وسيادتها وقوتها القومية الاجتماعية وهو إلزامي دستوري نظامي.

الدرجة الثالثة: العمل السيو – استراتيجي: السعي لإنشاء جبهة عربية – سياسية عملية سعي كما ذكرنا وليس إجبار أو إلزام – يعني عملاً سياسياً لا دستورياً نظامياً.

إذاً، ومن خلال البحث والتدقيق في كلّ مناحي كتابات سعاده الشرحية والدستورية والإذاعية، لم نجد بأنّ هنالك جنوحاً عند سعاده نحو «أمة سورية عربية» إطلاقاً، ولم يبشر بعقيدة «سورية عربية» إطلاقاً، ولم يسنّها لا دستورياً ولا بالمراسيم بل هي شأن سياسي بحت تقوم على أساس مبدأ عقائدي تامّ «مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة»، وهي تتقدّم من خلال هذا المبدأ على أساس الأهلية على بقية أمم العالم العربي.

وإذا نظرنا جيداً في دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي وبكلّ تفصيل فيه، وبكلّ حرف فيه وبكلّ مسألة وردت فيه وتساءلنا:

ـ لماذا لم يطرح سعاده مسألة «الأمة السورية العربية» في دستوره؟

ـ لماذا أكد على سورية الأمة التامة بكلّ مضامينها، وأبقى على كلمة «السعي» في صميم المادة الدستورية الأولى التي تضمّنت غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي؟

ـ لماذا لم يأت على أيّ شيء له علاقة بالعربية والعروبة لا لغة ولا اثنيات ولا قومية؟

إنّ المحاضرة العاشرة من محاضرات الزعيم تحدّثت وبكلّ وضوح وصراحة عن 6 أمور تتعلق بالعرب والعلاقة معهم، وهي حدّدت ذلك بمسائل سياسية بحتة ثابتة، وليست على أسس علم الاجتماع أو انتماء تاريخي – جغرافي – إنساني:

المسألة الأولى: ضمان مصلحة الأمة السورية في أيّ جبهة عربية تنشأ.

المسألة الثانية: ضمان وحدة الأمة السورية الاجتماعية كمركب لمزيج متجانس ينصهر في قومية واحدة ألا وهي: القومية السورية الاجتماعية، وهذا ربطاً مع المحاضرات الأولى والثانية والثالثة من محاضرات الزعيم العشر الشهيرة، ولم نر أيّ إشارة للانصهار في «أمة عربية».

المسألة الثالثة: هي ضمان مصالح الأمة السورية الاقتصادية، وضمان رفاه الشعب السوري في أيّ جبهة عربية تنشأ على أساس تحالفات «سيو- استراتيجية» و «سيو- اقتصادية».

المسألة الرابعة: ضمان وحدة القوة السورية بجيش سوري قومي يضمن لها مستقبلها وحدودها الآمنة وليس بجيش عربي.

المسألة الخامسة: ضمان الوحدة الجغرافية للأمة السورية، واستعادة أراضيها السليبة، وعدم السماح بذوبان الشخصية السورية في الجبهة العربية التي قال بإمكانية «السعي لإنشائها» حينما أكد من جهة ثانية بأنّ القضية السورية هي قضية الأمة والوطن السوري وهي قضية مستقلة كلّ الاستقلال عن ايّ قضية أخرى . وحين أكد بأنه لا يحق لا لمصر ولا للعربة السعودية، ولا لأيّ دولة إقليمية أو إنترنسيونية حق التدخل في الشؤون السورية وللشعب السوري وحده حق تقرير مصيره.

لا بل أكد مراراً بأنّ سبب فقدان جنوب سورية – فلسطين هو فقدان الهوية القومية للأمة السورية، وفقدان السيادة السورية على سورية الجنوبية – فلسطين ، وإعطاء الحق لمصر أمة وادي النيل والسعودية ام العربة – بلاد الحجاز بتقرير مصير جنوب الأمة السورية والذي نتج عنه خيانة مصرية – سعودية ، فرطتا بفلسطين لليهود لأنهما أصلا لا يمتلكان الحق بها، ولا تهمّهما أصلاً. لا بل أنّ مصر كسبت صحراء سيناء كمكافأة على خيانتها للأمة السورية مراراً وتكراراً، والسعودية كسبت جوف الصحراء هدية مجانية، والشريف حسين كسب مملكة «شرق الأردن له ولابنائه من بعده» كهدية لهؤلاء العرب الخونة القادمين من خلف الصلف والقحط والتصحّر الذهني والعقلي والفكري والإنساني والاجتماعي.

من يقرأ سعاده جيداً يدرك أنّ الفكر القومي الاجتماعي لم يجنح نحو «التعريب أو العربنة»، فسعاده كان «سورياً» خلاّقاً مبدعاً حضارياً تاريخياً يعود الى ما قبل الزمن التاريخي الجلي .

أما مسألة اللغة العربية، فهي مسار جدل ضخم يجب أن تتكشف أسراره يوماً، ويجب أن يُعاد أصل اللغة الى من ابتدعها، ويجب إعادة تسميتها: اللغة السورية ومن حرّف التاريخ وزوّره لن يغفُر له أحد ولن يكون الا مجرماً مزوِّراً للتاريخ والحضارة والإنسانية.

ان اللغة المسماة «زوراً» باللغة العربية هي اللغة الآرامية المتقدمة، والتي تمّت صناعتها في أوغاريت رأس شمرا، وتمّت تنقيتها في كنعان جنوب سورية، ووضع قواعدها وأصولها أبناء شرق سورية في أرض بابل والرافدين العراق. نعم هذا هو مسار تطور اللغة العربية، نشأت في سورية وترعرعت في سورية وتطوّرت وباتت بشكلها الحالي في سورية.

أما أبناء العربة الذين «سرقوا لغتنا» إبان الفتح الإسلامي – المحمدي لبلادنا فكانوا في الحجاز هم قد تحدثوا لغات غير مفهومة من لهجات القحطانيين وأبناء الجزيرة العربية. أما بني العدنان أصحاب الأصول الكنعانية السورية الابراهيمية – البابلية فهم تحدثوا الآرامية العدنانية السورية، وهي التي نزلت بها لغة القرآن الكريم لغة بني العدنان. لغة قبيلة النبي محمد العدناني ذات الأصول السورية – الكنعانية – البابلية السورية محمد جده اسماعيل ابن ابراهيم المولود في مدينة أُور في أرض بابل والذي سافر الى أرض الحجاز عبر عبوره جنوب سورية – أرض كنعان – أرض بني العدنان. لا يوجد لغة اسمها اللغة العربية بل لهجتهم القحطانية – النبطية – اليعربية المنقرضة إلا في الواحات الصحراوية يتحدثون فيها كلغة الفزعة . إنما اللغة السورية – الآرامية اللتي تطورت وأصبحت اليوم على ما هي عليه، فهي بهتاناً وزوراً مسماة عربية. فهل بلاد القحط والصلف والقحل والصحراء والتحجُّر والجفاف ستنجب لغة الخصب والبعل والعقل والفكر؟ إنّ اللغة السورية العربية هي لغة الخصب والبعل والإبداع والتفوّق والعلوم والمعارف. ومن طوّرها هم شعبنا السوري من غربه لجنوبه وشماله الى شرقه.

ـ ألم يُعط إمام البلاغة علي بن ابي طالب – ابن عم النبي محمد العدناني – الكنعاني – السوري الأصل على أرض العراق وفي النجف تحديداً أمرهُ الشهير لأبي الأسود الدؤلي أن يضبط كتابة القرآن أحرفاً وتنقيطاً وصوراً؟

نعم إنه على أرض العراق – الأرض السورية هناك ابتدع أحمد الفراهيدي بحور الشعر وخواص اللغة وهناك على أرض العراق – السوري ضبط أبو الأسود الدؤلي كتاب السماء أحرفاً وزيّنها تنقيطاً ولغةً وِفق لغة الآباء والأجداد.

اللغة السورية – الآرامية، اللغة القومية لسورية الطبيعية والتي نشأت في أوغاريت – رأس شمرا والتي سُمّيت ظلماً وبهتاناً باسم اللغة العربية. فكيف للقحطانيين الأصالِفة العربيين أن يكون لهم إبداع العدنانيين – البعليين الهلال خصبيين؟

إنّ العرب في جزيرتهم تكلموا اللغة النبطية – القحطانية «المنقرضة»، ولم يكونوا على دراية بأصول اللغة والحديث والكلام الفصيح إلا لما دخلت عليهم اللغة الآرامية – الكنعانية – العدنانية التي عُرِفت باللغة الحِمّيريّة التي كانت بدأت تنتشر في اليمن عن طريق التجار السوريين الكنعانيين – العدنانيين الذين استوطنوا اليمن مبكراً وبنوا اولى مدنهم فيها باسم مدينة صور تيمّناً باسم مدينة آبائهم وأجدادهم الخالدة عند كتف البحر السوري العظيم في جنوب سورية مدينة صور- جنوب لبنان لتكون أول رسالة حضارية لهم في البناء لتليها في ما بعد القرية الحديثة في قرطاجة – الساحل الأفريقي – تونس «قرت حتشت» أو المدينة الجديدة المجيدة الثانية من أطفال مدينة صور – السورية، وهذه اللغة التي باتت لغتهم بمنطق قوة السماء التي جاءت على لسان ابراهيم النبي وابنه اسماعيل السوريين صاحبا بئر زمزم الذي زرع الحياة في بلاد القحط القاتل.

إنّ أنطون سعاده لم يكن يوما «سورياً عربياً»، ولم يدع يوماً لعقيدة «سورية عربية قومية اجتماعية». إنما كان سورياً قومياً اجتماعياً وقف نفسه على أمتهِ السورية بقسمٍ لم يردّده بعده أحد وما زال: أنا انطون سعاده اقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أني أقف نفسي، وعلى أمتي السورية ووطني سورية عاملاً لحياتهما ورقيّهما. جعله متن دستوره الفريد الظاهرة التاريخية في تاريخ سورية الحديث والقديم معاً.

سعاده عظيم في بلاغته وكبير في فكره ومتقن لمفرادته وواضح في مبادئه وعقيدته، وهو مؤسّس مدرسة متقدّمة علماً ومعرفة: المدرسة القومية الاجتماعية، مدرسة التحديد شرط الوضوح.

وعليه، نتساءل لماذ يدأب البعض على لحْش كلمة «عربي» خلف كلّ مفردة سورية؟

إن إنطون سعاده سوري قومي اجتماعي، واضح مؤمن بمدرسته السورية، وعقيدته السورية القومية الاجتماعية، ومؤسس لحزبه السوري القومي الاجتماعي، وواضع لنظامه السوري القومي الاجتماعي، وهو الذي قال: انْ وجدتم قوميتكم العربية التي تزعمون فلسوف تجدوننا سيفها وترسها وحُماة لغتها، فهل ستجدونها؟ وهل فاقد الشيء يجده؟ أبداً، لن تجدوا قومية عربية، ولا أمة عربية، ولا حقيقة عربية. بل عالماً عربياً – سياسياً فقط.

السوريون القوميون الاجتماعيون، يقرأون ويفكرون، وقبل كلّ ذالك أقسموا اليمين تعاقداً مع الزعيم السوري – انطون سعاده تعاقداً اجتماعياً سورياً قومياً، لا يهزّه لا تعربُن، ولا تهّود، ولا تأمرُك، ولا تأوْرب، لأننا بكلّ بساطة سوريون، والأرض السورية لنا ونحن أمة تامة.

سورية للسوريين والسوريون أمة تامة، ومصلحة سورية فوق كلّ مصلحة. وإلى كلّ المنخدعين بالعروبة الوهمية اعذروا قلمي، فلقد تقدّم مدججاً بالإيمان القومي يقاتل دفاعاً عن عقيدة سورية قومية اجتماعية أزاحت غبار التاريخ عن أمة ظنّ أعداؤها أنها قضت إلى الأبد لترسم التاريخ الحضاري الانساني من جديد.

اعذروا قلمي لأنه سوري قومي إجتماعي يرفض النفس المساومة، ويعتبرها خطراً شرّه مستطير. وكما قال المعلم: القلعة التي تساوم تسقط. نحن قلعة لن تساوم، ولن تركن إلى ذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى