مختصر مفيد سقوط الرهان على خلاف روسي ـ إيراني
انطلقت أبواق العداء لمحور المقاومة لمحاولة محو آثار نصر حلب مع سماع أنباء اتفاق الهدنة في سورية بضمانة روسية تركية مؤسسة على كونه بالرعاية الثنائية وليس لإيران اسم بين الضامنين لخوض غمار حملة عنوانها تهميش إيران، والذهاب فوراً للقول إن روسيا لم تعد تجد مصلحة بتحمل التطلعات الإيرانية في سورية، وأن تفاهماً تركياً روسياً يحلّ مكان التفاهم الروسي الإيراني، وأن روسيا المنهكة من أكلاف الحرب تريد أن تستريح بالتفاهم على حل ثنائي مع تركيا يستبعد إيران ويتم على حساب حزب الله، وأن الدولة السورية مرتبكة بين حليفيها المتصادمين.
فجأة تطور الخطاب مع معارك وادي بردى وصار اسمها انتهاك وقف النار تحاول عبره إيران بواسطة حزب الله إسقاط التفاهم التركي الروسي وتحدّي مكانة روسيا وإحراجها، وصار التوقع يوماً بيوم عبر الإعلام المموّل سعودياً وقطرياً عن موعد انفجار العلاقة بين إيران وروسيا. وبعد إثبات اشتراك الجيش السوري بفاعلية في هجوم وادي بردى على الجماعات المسلحة، ماذا ستقول روسيا لحليفها السوري الذي صار واجباً تطوير موقف موسكو منه وصولاً لرسم سقف سياسي لحوارات أستانة يقوم على ملاقاة الدعوات التركية لحكم انتقالي يلبي تطلعات المعارضة بدور مرحلي للرئيس السوري ينتهي بانتهاء المرحلة الانتقالية. جاء الكلام التركي عن اتهام إيران بالعمل على تخريب الهدنة ليؤكد التورط التركي في الحملة والرهان على تصادم روسي إيراني.
خلال اليومين الماضيين ظهرت الوقائع المخيّبة لآمال أصحاب الحملات مع إعلان جماعات مسلحة عن الانسحاب من الهدنة وتهديد آخرين بإسقاطها، ما لم تتوقف هجمات وادي بردى والرد الروسي باعتبار المنسحبين من الهدنة جماعات إرهابية لا مكان لها في العملية السياسية، فتراجع المهدّدون وأكدوا بقاءهم تحت سقف أحكام الهدنة. ثم إعلان روسي ثانٍ بعد اجتماع تركي روسي لتقييم الهدنة في أنقرة، يقول فيه الروس إن السعي لثبيت الهدنة مستمرّ وإن الإرهابيين في وادي بردى هم سبب الانتهاكات وإن الجيش السوري وفقاً لمتابعات وزارة الدفاع الروسية يحقق المزيد من الإنجازات على الجماعات المسلحة، وإن روسيا ستقف مع سورية حتى تثبيت الهدنة وانطلاق الحل السياسي على قاعدة مواجهة الإرهاب.
أخيراً تعلن روسيا انتهاء التحضيرات لأستانة وتتأكد أطراف الحملة المتسرعة برهاناتها السخيفة، أن صناع النصر في حلب متضامنون ومتماسكون في قطف ثماره، وتوظيف نتاجه. فالأبواق نفسها تخترع نظرية قوامها قبول الهدنة على نقاط ضعفها، لأن حلف الصراع هو على مكانة روسيا بين إيران وتركيا، ويجب منع إيران من ربح الجولة، وتزويد تركيا بما يحقق لها التفوق على إيران في إثبات قدرتها على ضمان التزام حلفائها بالهدنة حتى لو أدى ذلك لخسائر في وادي بردى وسواه. وتطور الخطاب الملفق والمنافق لتغطية الهزيمة بنظرية ثانية قوامها أن أستانة لن يحترم في حواراته تمثيل المعارضة بالهيئة التفاوضية لمؤتمر الرياض وستدعى جماعات متعددة للمشاركة وستتم دعوة شخصيات من الائتلاف ومن هيئة التفاوض بصفات شخصية ومعهما قادة فصائل الهدنة وآخرين من مؤتمرات القاهرة وموسكو. ورغم أن هذا سبق وترتب على طرحه تعقيد مؤتمر جنيف السابق، تقول الأبواق نفسها إن قبوله اليوم ليس ضرراً، لأنه يمنع عزل المعارضة وإضعاف تركيا ويمنح المعارضة فرصة المشاركة وقول ما لديها وإثبات وجودها.
الضربة الثالثة على رأس المعارضة جاءت بما قالته الأبواق نفسها عن سقف سياسي منخفض للمحادثات، وهو حكومة تشترك فيها المعارضة تحت مظلة الرئيس السوري، ورغم ذلك تعود الأبواق ذاتها للقول إن المشاركة واجبة لعدم الوقوع في العزلة، والتأقلم هنا ليس واقعية ولا ارتضاء لمصلحة سورية وشعبها بل خدمة للسعي التركي لاستبعاد الأكراد عن المحادثات مقابل قبول المعارضات التي تدعي دفاعاً عن مصلحة شعبها بالتفريط بأحد مكوّنات هذا الشعب كالأكراد، والتخلي عن كل ثوابت هذه المعارضة بأحاديتها كممثل مفاوض أو بسقفها السياسي الذي تسببت عبر التمترس وراءه بجولات وجولات سقط فيها الآلاف ودمّرت فيها مدن، والتضحية الواجبة هذه المرة كرمى للمصلحة التركية فقط.
لا شيء أدلّ على حقيقتَيْ: لا وطنية مكوّنات المعارضة وتخديمها مشاريع لا تمتّ لسورية والسوريين بصلة من جهة، وعلى أن ما بعد حلب غير ما قبلها من جهة مقابلة، بمثل ما تدلّ هذه الوقائع المتتابعة…
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.