القضاء المصري يسبق البرلمان «الجزر ليست سعودية» والأزمة «دستورية» ارتباك سياسي في تقاسم أعباء السير بقانون الستين وجنبلاط يتطوّع «ميثاقياً»
كتب المحرّر السياسي
خلف كمية من الضجيج التي تضمنتها مجموعة من المواقف الصادرة عن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ناحية اليمين واليسار، باستهداف مستقبل حلف الأطلسي وجدواه، واللوم لإدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما لعدم التدخل في معارك حلب لمنع انتصار الجيش السوري، وانتقاد الدور الروسي في سورية، وصولاً للسخرية من ألمانيا وتعاملها مع قضية اللاجئين السوريين، رمى ترامب قنبلة سياسية تضمنت انقلاباً على المسارات التي اعتادتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بربط العقوبات على موسكو بسلة من القضايا المتصلة بالسياسات الإقليمية، مثل مستقبل جزيرة القرم، والتدخل في سورية، وسواها، فقال ترامب إنه مستعد لإلغاء العقوبات إذا تم التوصل لتفاهم حول تخفيض الأسلحة النووية. وهو الملف الذي أبدى الرئيس فلاديمير بوتين حماساً للسير فيه وعطّلته إدارة أوباما، انطلاقاً من ربط بوتين للعلاقات الثنائية الروسية الأميركية بالشؤون الثنائية، وفي طليعتها تخفيض الترسانة النووية، وقام بتعليق تنفيذ اتفاقية عدم إعادة استخدام الوقود النووي في صناعة الصواريخ، بعدما ماطلت واشنطن بالتنفيذ لثلاثة أعوام تلبية لطلبات شركات صناعة الأسلحة.
رغم العرض المغري ردّت موسكو بأنها ترى من المبكر الردّ عليه، وقال محللون روس إن موسكو تفضل التعامل مع إدارة ترامب بعيداً عن التصريحات المتداولة في الإعلام والتي لا تشكل أساساً صالحاً بناء علاقات بين دولتين، مثل أميركا وروسيا. وترى أن الأمثل هو الانتظار لحين تبلور إدارة ترامب وتسلّمها مهامها والإفصاح عن سياساتها، على موائد التفاوض ليتم البناء على أسس ثابتة.
بحماوة ترامب ذاتها تقارب تركيا ملف الحوار السوري السوري المرتقب في أستانة، فتجهد لتقديم ممثل جيش الإسلام محمد علوش رئيساً لوفد الجماعات المسلحة، وتتحدّث عن مشاركة أميركية وأخرى سعودية، بينما تلتزم موسكو وطهران الهدوء والتروي وتعلنان أنهما ستنسقان الدعوات، وأن الاتفاق على الحضور ثلاثي روسي تركي إيراني وفقاً لاتفاق موسكو بين وزراء خارجية الدول الثلاث.
في المشهد الإقليمي المشوّش في ضوء التصعيد السعودي في البحرين واليمن، والعجز عن ملاقاة سياسات التفاهمات والتسويات، رغم حراك المبعوث الأممي في الملف اليمني نحو جولات تفاوض جديدة بين صنعاء وعدن، تلقت السعودية صفعة جديدة من القاهرة مع حسم القضاء المصري للموقف القانوني حول اتفاقية تسليم جزيرتي صنافير وثيران المصريتين للسعودية، معلناً في حكم مبرَم لا قانونية ولا شرعية الاتفاقية، في خطوة استباقية لتصويت البرلمان تصديقاً للاتفاقية بطلب من الحكومة المصرية، ما يضع الأمر بنظر الخبراء في دائرة الأزمة الدستورية، فالبرلمان أمام إشكالية النظر باتفاقية سبق تداوله بها حكم قضائي مبرم يبطل مفاعيلها، وبالمقابل هو أمام اتفاقية تمّت إحالتها قبل صدور الحكم القضائي ويفترض بالسلطة التنفيذية استرداد طلبها بضوء الحكم القضائي لا إحراج البرلمان بالمفاضلة بين مسؤوليته بالنظر بالإتفاقية أو الإلتزام بالحكم، لكن على المستوى السياسي يقول برلمانيون مصريون إنهم سيتصدّون لكل محاولة لمناقشة الاتفاقية، بعدما حسم القضاء أمرها، لأن القضية وطنية بامتياز ومسؤولية لحماية القواعد الدستورية بما لا يقبل النقاش.
لبنانياً، لا يزال إهدار دم النسبية يُشغل بال السياسيين المعنيين باستيلاد قانون انتخابي جديد، لجهة كيفية تقاسم أعباء ومسؤوليات العودة لقانون الستين الذين تناوبوا خلال سنتين على إعلان نعيه وسقوطه إلى غير رجعة، بينما قد أكملوا إعداد ماكيناتهم الانتخابية ومرشحيهم على أساسه، وصار المأزق في كيفية الإعلان عن الفشل في التوصل للتفاهم على قانون جديد كمبرر لعودة الحياة لقانون الستين، أو التذرع بضيق المهل. وتظهر مبادرة النائب وليد جنبلاط كمتبرّع لتحمّل هذه المسؤولية إنقاذاً لماء وجه الشركاء الذين يتهربون من هذه المسؤولية تطوعاً سيكتبه له الشركاء، خصوصاً أن الحجة الميثاقية ستكون حاضرة للبناء على الرفض الجنبلاطي للنسبية، لتعطيل البحث في القانون الجديد، تحت شعار «احفظ قديمك جديدك ما بيدوم».
التشريع اليوم بلا قانون الانتخاب
بينما انهمكت الوزارات المعنية بأزمة طيور النورس في مطار بيروت وتوصلها الى حلّ يعلن عنه اليوم من السراي الحكومية بعد اطلاع رئيس الحكومة عليه، يعود المجلس النيابي إلى ملعبه التشريعي مدعوماً بتوقيع رئيس الجمهورية العقد التشريعي الاستثنائي بجدول أعمال مؤلف من 46 بنداً يغيب عنها قانون الانتخاب.
وإذ يعقد المجلس اليوم جلستين تشريعيتين متتاليتين صباحية ومسائية ويستكمل جلسته الثانية الخميس المقبل، يتراجع منسوب التفاؤل بولادة قانون انتخاب جديد وترتفع احتمالات إجراء انتخابات نيابية على قانون الستين كأمر واقع في ظلّ إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحسب ما نقل عنه زواره لـ»البناء» رفضه بشكلٍ قاطع التمديد للمجلس الحالي ليوم واحد، وأنّ الانتخابات ستجرى في موعدها المقرّر، وامتعاضه حيال برودة القوى السياسية تجاه التوصل الى قانون جديد يعتمد النسبية.
وحضر قانون الانتخاب مساء أمس، على طاولة الحوار الثنائي في جلسته الـ39 بين «تيار المستقبل» و»حزب الله» في عين التينة، ودعا الجانبان في بيان الى «الإسراع بإقرار قانون جديد للانتخابات يلبّي طموحات اللبنانيين».
وحضر الجلسة المعاون السياسي للأمين العام لـ حزب الله حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار المستقبل. كما حضر الوزير علي حسن خليل.
وقالت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ»البناء» إنّ المجتمعين لم يتوصلوا الى صيغة نهائية لقانون الانتخاب، بل تمّ استكمال النقاش حول هذا الموضوع والملفات المطروحة في البلد، لتقريب وجهات النظر حيالها وتدوير الزوايا، ما يساهم في تحقيق أمن البلد واستقراره. ولفتت المصادر الى أنّ «اجتماعات دائمة تعقد بين لجان تقنية من القوى السياسية كافة لمحاولة إيجاد قواسم مشتركة حول قانون الانتخاب»، وأوضحت أنّ تيار المستقبل منفتح على أيّ صيغة تراعي النسبية قريبة من القانون المختلط الذي قدّمه والحزب الإشتراكي والقوات اللبنانية. وهذه الأطراف ترفض النسبية الكاملة في ظلّ النظام الطائفي الحالي ووجود السلاح». كما أكدت أنّ «المستقبل يرفض إجراء الانتخابات على قانون الستين ويرى في القانون المختلط حلاً عملياً وواقعياً في ظل المعطيات والظروف الحالية، لكنه منفتح على نقاش أي صيغة أخرى». واعتبرت المصادر أنّ «رئيس الجمهورية لم يرفض المختلط ولم يعلن أنه سيفرض النسبية الكاملة على الأطراف الأخرى، بل يريد التوصل لقانون يراعي الاعتبارات السياسية والطائفية وهواجس الجميع».
ودعا عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض «القوى السياسية لاستكمال المشاورات على أمل أن نصل لتوافق»، مؤكداً «أننا لن نوافق على التمديد للمجلس والأمور تتعقد يوماً بعد يوم، بما يخصّ قانوناً جديداً». وأوضح فياض أنه «يمكن للنسبية أن تناقش وفقاً للإجراءات التي تجعلها أكثر طمأنة ولا مانع أن نناقش في الدوائر وبعض الإجراءات التقنية الأخرى وحاجة القوى أن تتفاهم في ما بينها»، مؤكداً «أننا لم نستسلم أمام الستين كأمر واقع».
وأشارت مصادر نيابية في تكتل التغيير والإصلاح لـ»البناء» أنّ «الجلسات التشريعية رغم أهميتها في إقرار ملفات ضرورية وأساسية عدة في حياة المواطنين وبنود مالية ملحّة، غير أنّ هدفها التغطية على مظلومية قانون الانتخاب، لأنّ أيّ جلسة لا يكون على رأس جدول أعمالها ملف قانون انتخاب يوحّد لبنان ويجعل منه مشروع حياة ووحدة وطنية لن تحقق التغيير المنشود، فلا أمل بقانون الستين الذي يعيد إنتاج الصيغة السياسية الإقطاعية نفسها»، مشيرة الى أن «توقيع رئيس الجمهورية فتح دورة استثنائية للمجلس يجب أن يشكل فرصة لإنجاز قانون وطني عصري يكون مقدمة لإصلاح شامل في البلد».
ولفتت المصادر الى أنّ «الرئيس ميشال عون مصرّ على قانون جديد للانتخابات وتشديده بشكلٍ دائم على أنّ الانتخابات ستُجرى وفقاً لقانون جديد، هدفه تحفيز الأطراف والقوى كافة على أن تأخذ مصلحة الوطن بالدرجة الأولى، وليس مصالحها الشخصية وحساباتها الانتخابية، ولكن للأسف هذه القوى ستقدم للشعب اللبناني قانوناً متخلفاً ومجلساً نيابياً لن يشبه إلا المجلس الحالي». ولفتت المصادر الى أنّ «الرئيس عون سيضغط في الحكومة باتجاه إقراره قانون جديد، وفي المقابل سيعلن التكتل في الأيام القليلة موقفاً هاماً على هذا الصعيد».
وعلمت «البناء» من مصادر في كتلة اللقاء الديمقراطي أنّ «وفد اللقاء برئاسة النائب وائل أبو فاعور سيقوم بجولة على الرؤساء الثلاثة ثم على القوى السياسية للتأكيد على اعتماد القانون الأكثري في ظلّ المعطيات والتوازنات السياسية والطائفية الحالية»، وأكدت المصادر «رفض اللقاء النسبية الكاملة في ظروف البلد الحالية».
حلّ جديد لنوارس الكوستابرافا
على صعيد خطر نوارس الكوستابرافا على حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت، وبعد فشل الحلول المطروحة، توصل المعنيون الى حلّ جديد عبر اختبار 16 آلة زوّدت بها الدولة من أحدهم لإبعاد الطيور عن المطار سيبدأ تركيبها اليوم، كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي ترأس اجتماعاً تحضيرياً في الوزارة للبحث في موضوع المطار، بحضور وزير الأشغال يوسف فنيانوس ورئيس جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط ورئيس مجلس إدارة كهرباء لبنان كمال الحايك وممثلين عن الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام.
ومن المقرّر أن يُعقد اجتماع اليوم، في السراي الكبير، لإطلاع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على الحلول المقترحة لتطوير الخدمات في المطار والطرقات المؤدية اليه.
.. وجلسة حكومية غداً
ويعقد مجلس الوزراء غداً الأربعاء جلسة في السراي برئاسة الحريري، وعلى جدول أعمالها 32 بنداً على رأسها البند الخاص بـ «مشروع مرسوم يرمي الى تعديل كامل القسم الثاني من النظام المالي لهيئة إدارة قطاع البترول» المرجأ من الجلسة السابقة بانتظار حضور وزير المال علي حسن خليل، للردّ على أسئلة طرحها بعض الوزراء وملاحظاتهم. ويتضمّن جدول الأعمال أيضاً ملفات إدارية ومالية متعدّدة من بينها نقل اعتمادات مالية لبعض الوزارات والمؤسسات وهبات ومساعدات عسكرية وذخائر للجيش اللبناني.
وأكد الرئيس عون أنّ «الانسجام قائم في الحكومة الآن بين قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة. وهو أمر يقتضي التعاون بين عناصر هذا المثلث بشكل كبير»، كاشفاً عن تدابير مالية قريبة ستتخذ، ومشدّداً على أن «لا زيادة في الضرائب بل هناك تحسين للإيرادات عبر الحدّ من التهرّب الضريبي».
وطالب الرئيس الحريري المنظمات التابعة للأمم المتحدة مساعدة لبنان في تحمّل أعباء النزوح السوري والتمكّن من مواجهة هذه التحديات. واعتبر بعد لقائه الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ أنّ أزمة اللاجئين السوريين في لبنان تبقى الموضوع الجوهري والنقطة الأكثر صعوبة وحساسية، مقترحاً إجراء مسح شامل لانتشار النازحين السوريين وأثرهم على الاقتصاد اللبناني الفعلي، من مختلف الجهات المالية والخدماتية والبنى التحتية.