عالم الطفولة لن ينسى الفنّان الراحل ممتاز البحرة
محمد سمير طحّان
استطاع الفنّان الراحل ممتاز البحرة أن يحفر بصمته الفنية بعمق في وجدان أجيال من السوريين من خلال رسوماته في كتب التعليم الابتدائي بشخصياتها الراسخة في الذاكرة «باسم» و«رباب» وفي مجلة «أسامة» وغيرها من الكتب والمجلات المخصّصة للأطفال.
البحرة المولود عام 1938 رسم أيضاً الكاريكاتير والرسوم التوضيحية في الصحافة وكان رساماً متمكّناً ومبدعاً امتلك إلى جانب الاحترافية الفنية العالية حسّاً إنسانياً وروحاً فرحة ترنو للجمال باستمرار إلى جانب التصاقه بواقعه حدّ التطابق بكل ما فيه من تفاصيل الازياء والبيوت وطريقة العيش.
يقول الناقد سعد القاسم: رحل ممتاز البحرة بعد عزلة طوعية لسنوات طويلة في دار السعادة للمسنّين لم يقطعها سوى ندوة وداعية أقيمت نهاية السنة الماضية مع معرض ضمّ رسومه، خصوصاً تلك التي رسمها في مجلة «أسامة» كونه أحد مؤسّسيها وكبار رسّاميها، والتي بدورها ساهمت في شهرته الشخصية كواحد من أهمّ رسّامي مجلات الأطفال في سورية والبلاد العربية.
ويتابع القاسم: رسوم البحرة دفعت مئات آلاف الأطفال إلى حفظ اسمه إلى جانب أسماء نذير نبعة وطه الخالدي ولجينة الأصيل عبر شخصيات ابتكرها ومنها «أسامة» وشخصية «شنتير» التي حظيت بشعبية واسعة.
ولفت القاسم إلى أن ضعف اهتمام النقاد والباحثين في الفنون التشكيلية برسوم الأطفال والرسوم الكاريكاتيرية، وهما مجال إبداع البحرة الأساسيان، أثّر على تناول مسيرته خلال حياته. مضيفاً: لعل التعبير الأبلغ عن رحيله هو عنونة أحد الأخبار بجملة «باسم ورباب تيتّما برحيله»، في إشارة إلى الشخصيتين اللتين ابتكرهما للكتب المدرسية.
بدوره، قال التشكيلي بطرس المعري: استطاع الراحل البحرة ان يؤسّس لمدرسة خاصة في الرسم كان اعتمادها الاساسي على تقديم الطابع المحلي عبر وجوه شخوصه القريبة من حياتنا وذواتنا، حيث ترك بصمة قوية في ذاكرة الأجيال التي اطّلعت على رسومه وتفاعلت معها، وكانت له شخصيته الفنية المميزة في الحركة التشكيلية ولكن للأسف لم تستمر هذه المدرسة ولم يأتِ من يستفيد منها ويطوّرها أو يكمل مسيرته.
من جهته، قال الفنان والناقد التشكيلي أديب مخزوم: علاقة الراحل البحرة مع الرسوم الموجّهة إلى الأطفال كما قال لي في حوار أجريته معه عام 2008، بدأت مع انطلاقة مجلة «أسامة» عام 1969، حيث ابتكر شخصية «أسامة» ثم بدأت علاقته مع الكتاب المدرسي بمبادرة شخصية من الشاعر الراحل سليمان العيسى ومجموعة أخرى من التربويين والمؤلفين، وعبرها ابتكر شخصيات «باسم»، «رباب»، «ميسون»، و«مازن»، وغيرها وعاشت رسوماته في الكتب المدرسية من عام 1972 وحتّى عام 2002.
وتابع مخزوم: رسومات البحرة التي كانت ترافق أناشيد الشاعر العيسى جعلت اسمه راسخاً في وجدان أجيالٍ كثيرة، لافتاً إلى أن رسومات البحرة الطفولية كانت تخاطب الملايين، في وقت نجد أن اللوحة الفنية التشكيلية الحديثة تتوجّه عادة إلى نخبة محدودة من المهتمين والمتابعين.
ويرى مخزوم أن بعض كبار روّاد الحداثة في التشكيل السوري عملوا في مجال الرسم الموجّه إلى الأطفال على مدى عقود، ولكن لا أحد منهم استطاع تقديم اللوحة الطفولية النابضة بالحيوية والعفوية والخصوصية والصدق كما قدّمها الراحل الكبير، لا سيما أن أعماله الطفولية ظلّت بمنأى عن التأثيرات الغربية بخلاف رسومات معظم نظرائه في هذا الاتجاه.
ويؤكد مخزوم أن رسومات البحرة من وجهة نظر نقدية موضوعية تضاهي في حيويتها وعفويتها ومرونتها ورشاقتها رسومات أشهر الفنانين الأجانب المتخصّصين في مجال رسوم الأطفال. مبيّناً أنه بمبادرة منه ومن التشكيلية رباب أحمد مديرة المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، أقيمت ندوة تكريمية للفنان الراحل في الشهر الاخير من السنة الماضية مع معرض لأعماله بحضوره.
ويدعو مخزوم وزارة التربية إلى تكريم الفنان الراحل باحتفالية كبرى تشمل كل مدارس سورية وتستمر شهراً على الأقل، لأنه كرّس أهم سنوات عمره لإغناء الكتب المدرسية بأروع الرسومات الموجّهة إلى الأطفال. مؤكداً ضرورة جمع رسوماته الأصلية وعرضها للجمهور في متحف خاص، وإصدار كتاب عنه تُجمَع فيه روائع رسوماته.
وكان الفنان الراحل ممتاز البحرة قد تخرّج ضمن الدفعة الأولى في كلّية الفنون الجميلة في جامعة دمشق باختصاص تصوير زيتي، وعمل كمدرّس للرسم لمدة 23 سنة في الحسكة ودمشق. نشر رسومه الكاريكاتيرية والكوميكس الرسوم التوضيحية في الصحف والمجلات، وله لوحات زيتية كثيرة، أشهرها جدارية ميسلون في صرح الجندي المجهول التي ظهرت فيها ملامح أسلوبه الواقعي الخاص الذي طبع أعماله كلّها.
«سانا»