هل يخاطب عون مجلس النواب: النسبية تعيد مقاعد مسروقة وهذا شأن دستوري؟ هدوء تشريعي يتفادى قانون الانتخاب… والمشنوق يربط الأحزمة للإقلاع بالستين
كتب المحرر السياسي
يمضي الرئيس الأميركي باراك أوباما آخر لياليه في البيت الأبيض معلناً أنه رغم جهوزيته للمشاركة في حفل تنصيب خلفه دونالد ترامب سينتظر أحوال الطقس في إشارة ضمنية لفرضية مشاركة المقاطعين لحفل التنصيب الذين انضم إليهم وزير الخارجية جون كيري، ولا تخفي وسائل الإعلام الأميركية مشاعر الإحباط والحزن التي يعيشها أوباما بعد فشله في إيصال مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون إلى الرئاسة وفوز دونالد ترامب الذي لم يقم له الحساب يوماً كمنافس جدّي، وقد تناوله مراراً بلهجة ساخرة كمرشح محتمل للرئاسة عندما كان يريد الإشارة إلى رجل الشارع غير المثقف الذي يحلم ببلوغ الرئاسة التي صارت حكراً على نخب مكاتب المحاماة التي يتحدّر منها أوباما، كما لا يُخفي حزنه من تدهور علاقاته بـ«إسرائيل» من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وهو يظن أنه استثمر جزءاً كبيراً من ولايتيه الرئاسيتين لتفادي المواجهة معهما. وبالتوازي مع إحباط أوباما يفرج مدير مخابراته جو برينان عن أسرار الرهانات على الربيع العربي والخيبة التي جلبتها، متحدثاً عن وهم ديمقراطيات شبيهة بالغرب حكمت التفكير الأميركي كسبب للضغط على رؤساء حلفاء للتنحّي، لكن المسار الذي افتتح بالثورات انتهى بداعش.
غداً يدخل العالم حقبة جديدة في السياسة، مع بدء الولاية الرئاسية لدونالد ترامب كرئيس للدولة الأعظم والأهم في العالم في ظل غموض يتسبّب به التضارب بين المواقف المعلنة للرئيس الجديد واستحالة التوفيق بينها، كالحرص على التنسيق مع روسيا في الحرب على الإرهاب، في سورية خصوصاً، والتحريض على توتير العلاقة بإيران. وعلى ضفة موازية، الحرص على تحقيق الاستقرار وعدم إثارة الأزمات، خصوصاً في الشرق الأوسط والتمسك المقابل بنقل السفارة الأميركية لدى حكومة الاحتلال من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وما يرتبه ذلك من أذى بأي مسعى تفاوضي فلسطيني «إسرائيلي»، وما سيطلقه من شحنات غضب في الشارع الفلسطيني الذي يبدو في قلب انتفاضته الثالثة.
لبنانياً، يتقدّم التساؤل حول فرص استيلاد قانون جديد للانتخابات النيابية وسط تضارب الإشارات، فمن جهة يواصل المجلس النيابي هدوءه التشريعي الذي يُستأنف الخميس المقبل، متفادياً التطرق لملف قانون الانتخابات الشائك مفسحاً المجال للحكومة لإنجاز تعهّدها في بيانها الوزاري بإرسال مشروع قانون جديد، بينما يعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق إصدار تعليماته لدوائر وزارته للبدء بالتحضير للانتخابات على أساس قانون الستين المعمول به، بداعي ضيق المهل التي تستدعي دعوة الهيئات الناخبة خلال شهر يفترض إنجاز التحضيرات اللازمة قبل توجيهها. بالمقابل لا تبدو القوى المناوئة لقانون جديد يعتمد النسبية قد ألقت سلاحها، وفي مقدّمها النائب وليد جنبلاط الذي تصدّر حملة الدعوة لرفض النسبية مستعملاً سلاح التحذير من لا ميثاقية أي انتخابات يصفها بتهميش الدروز إذا سارت على أساس النسبية، بينما تستعد القوى الداعية لقانون جديد يعتمد النسبية لإطلاق حملتها المعاكسة ما يعقد بلوغ التسوية المنشودة وفقاً للستين أو سواه، خلال الشهر المتبقي قبل حلول موعد دعوة الهيئات الناخبة بسبب التوتر الذي سيزداد حماوة مع تصاعد الحملتين المتعاكستين، ويتقدم الصفوف المقابلة لصف جنبلاط التيار الوطني الحر، الذي يرى في رفض النسبية والتمسك بالستين مسعى مكشوفاً لإجهاض الآمال المرسومة على العهد الرئاسي لزعيم التيار العماد ميشال عون.
يبقى السؤال عن كيفية تصرف رئيس الجمهورية الذي يزيد في كلامه المعلن من درجة التزامه بقانون جديد ورفض قانون الستين والتمديد معاً، من دون أن يكشف سلاحه البديل لفرض معادلته التي ضمّنها لخطاب القَسَم ولا يزال يبشّر بها في كل إطلالاته، وينقل زواره عنه اعتبار رفض النسبية بداعي تهميشها لأوزان طوائف وترجيح أوزان طوائف بالمعادلة المفضوحة للاحتفاظ بمقاعد مسيحية مسروقة في ظل التطبيق الأعرج لاتفاق الطائف، بقوة تصويت غير المسيحيين، وتقسيم الدوائر واعتماد النظام الأكثري لتحقيق هذه الغاية. وينقل الزوار أن الرئيس يقدّم شروحاً وأمثلة كثيرة لتدعيم موقفه فيقول كيف تصاب طائفة بالتهميش إذا كنا نتحدث عن عدد المقاعد ذاته المعتمد في القانون الحالي وتوزيعه على الطوائف، والقوى صاحبة التمثيل الأكبر في طوائفها ستربح من اعتماد النسبية، طالما أن الصوت المرجّح لاسم المرشح، أي مرشح سيبقى محصوراً بأبناء طائفته حكماً، في ظل تنافس مرشحي الطوائف الأخرى على أصوات مرجّحة لناخبي طوائفهم، من ضمن التنافس بين اللوائح على اساس التمثيل النسبي. وهذا حال المقعد الشيعي في جبيل والمقعد الدرزي في راشيا والبقاع الغربي وبعبدا وحال المقعدين الماروني والكاثوليكي في بعلبك الهرمل والمقعد الماروني في طرابلس، والخسارة التي ستلحق ببعض الأطراف من تطبيق النسبية ستنحصر بالمقاعد المسيحية التي ضخمّت عبرها أحجامها في مرحلة من تطبيق مشوه لاتفاق الطائف اتفق اللبنانيون على تصحيح نتائجها لضمان الحفاظ على اتفاق الطائف، ويشكل التمسك بمكاسبها احتفاظاً بمكاسب غير شرعية وإخلالاً ميثاقياً ودستورياً لا يمكن لرئيس الجمهورية القبول بتمريره، ويأمل أن يفهم الآخرون مواقفه من منطلق ميثاقي دستوري لا بصفتها مواقف سياسية.
ويصير السؤال هل يلجأ الرئيس عون إلى الدستور ويخاطب مجلس النواب برسالة صريحة تضع النقاط على الحروف قبيل انتهاء مهلة الشهر؟
استكمال التشريع على إيقاع الشارع
على إيقاع التحركات المطلبية وضغط الملفات المعيشية والمالية والاقتصادية والاجتماعية الملحة والداهمة والمتراكمة في أدراج البرلمان، استكمل المجلس النيابي أمس، جلسته التشريعية الثانية برئاسة رئيس المجلس نبيه بري، وبعد اعتصام الأساتذة والمستأجرين القدامى أمس الأول، وجد المتعاقدون في وزارة الإعلام الشارع ملجأهم وملاذهم النهائي لإيصال صوتهم إلى داخل الندوة البرلمانية كوسيلة ضغطٍ على النواب لإقرار قانون تثبيتهم وفصله عن ملف المتعاقدين في الإدارات الأخرى، بعد أن طلب رئيس الحكومة سعد الحريري أمس الأول، سحبَه من النقاش، وأطلق المتعاقدون الذين استمروا في اعتصامهم في ساحة النجمة حتى انتهاء الجلسة، نداءهم الأخير الى النواب، داعين إياهم الى «إعادة إثارة الموضوع في الجلسة والمطالبة بإقرار مشروعنا فوراً في الجلسة المنعقدة حالياً ولا سيما أنكم اعترفتم أنه حق مكتسب لنا ولا يكلف الدولة أي أعباء مالية إضافية وليس هناك أي مبرر لأي تأخير».
ورغم التضامن النيابي مع المتعاقدين، إلا أن رئيس الحكومة استمهل المجلس عشرة أيام لدراسة ملف المتعاقدين بشكلٍ كامل، غير أن أصوات المعتصمين لم تجد آذاناً صاغية في المجلس الذي لم يُثِر الملف لا في جلسته الصباحية ولا المسائية، رغم تأكيد وزير الإعلام ملحم رياشي الذي غاب عن المسائية بأن الملف سيصل خواتيمه السعيدة.
وكان المجلس قد أقرّ في جلسة أمس، مشروع قانون الإيجارات وأضاف فقرة تقضي بإنشاء حساب يستفيد منه المستأجرون. كما أقرّ قانون حق الوصول إلى المعلومات المقدم من النائب غسان مخيبر.
وشدّد الرئيس بري على ضرورة «اعتبار الانتخابات حاصلة غداً وهيئة الإشراف على الانتخابات مهمة وتتوقف عليها مهمة إبطال الانتخابات»، مشيراً إلى أن «المجلس أرجأ لمدة شهر اقتراح ترقية أشخاص مقبولين ومفتشين في المديرية العامة للامن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق إلى رتبة ملازم».
وقال بري: «بشأن اقتراح التحرّش الجنسي والإساءة العنصرية تقدم عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب غسان مخيبر بصياغة بأن يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة كل مَن أقدم على وضع إيحاءات وكلمات عبر التواصل الاجتماعي واعترض عدد من النواب على هذه الصياغة وطالبوا بإعادته إلى اللجان ووضع ضوابط له وطالب رئيس الحكومة سعد الحريري بسحبه وأعطيت الحكومة مهلة 10 أيام لدرسه وإرساله إلى مجلس النواب».
كما أُحيل إلى لجنة الإدارة والعدل اقتراح قانون يعلق باستفادة المسرحين من الدفاع المدني من أحكام القانون 289/2014، وأحيل إلى اللجان اقتراح يرمي إلى اعفاء الجامعات الخاصة التي تقدم إعفاءات من الأقساط الجامعية من ضريبة الرواتب والأجور، بينما سقطت كل اقتراحات القوانين المعجلة المكررة وأحيلت الى اللجان للدرس، بينما وضع جانباً اقتراح تعديل قانون السير وأحيل الى الحكومة اقتراح القانون المعجل المكرر لمنح قرض للتنمية بقيمة مليون دولار بين الدولة والمؤسسة الدولية للتنمية.
وفي الختام، رفع رئيس المجلس الجلسة التشريعية على أن تنعقد مجدداً يوم الخميس المقبل.
إشارة الانطلاق للانتخابات
وفي غضون ذلك، ومع تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، بأنّ الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها وفق قانون يتوافق عليه اللبنانيون، وإطلاق وزير الداخلية نهاد المشنوق إشارة الانطلاق للإدارات المعنية للتحضير للعملية الانتخابية، بدأ العد العكسي لموعد إجراء الانتخابات النيابية ويضيق معه الوقت أمام القوى السياسية لإقرار قانون جديد، علماً أنّ المهلة المتاحة أمام المجلس لإنجازه هي 21 شباط المقبل موعد دعوة وزير الداخلية الهيئات الناخبة، في حين أنّ العقد الاستثنائي التشريعي للمجلس الذي ينتهي في 20 آذار المقبل يجب أن يشكل فرصة للقوى السياسية لاستثمارها بإنجاز القانون.
وأعلن المشنوق في تصريح أنه «ملزم بإنجاز لوائح الشطب قبل 90 يوماً من الانتخابات النيابية وكي تجرى في 21 أيار تجب دعوة الهيئات الناخبة قبل 21 شباط»، كما وجّه وزير الداخلية كتاباً للمحافظين للكشف على مراكز الاقتراع والتثبت من قدرة استيعابها لإجراء الانتخابات النيابية وإنجاز المهمة خلال 20 يوماً.
وأوضح وزير الداخلية السابق مروان شربل لـ«البناء» أنّ «21 شباط المقبل هو آخر مهلة لتأليف الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات ودعوة الهيئات الناخبة، وإذا لم يقر المجلس قانوناً جديداً لا يستطيع وزير الداخلية مخالفة القوانين وبناء عليه هو ملزم بالتحضير للعملية الانتخابية، منها دعوة الهيئات الناخبة وإعداد لوائح الشطب وتأهيل مراكز الاقتراع وتأليف هيئة الإشراف». مشيراً الى أن «مهلة المجلس النيابي لإقرار قانون جديد هي 21 شباط وإجراء الانتخابات في موعدها، أم إذا لم يتفق، فستجرى على قانون الستين، أما إذا أقر المجلس قانوناً جديداً بعد 21 شباط، فيتم إلغاء القانون القديم وتمديد تقني للانتخابات كحدٍ أدنى شهرين».
كما أوضح شربل أن «القانون المختلط بين الأكثري والنسبي هو مراعاة لجميع الأطراف في المجلس، أما النسبية الكاملة فستقلص حجم كتل معظم القوى لذلك يتم البحث عن صيغة بين النسبية والأكثري المختلط لتعديل التوازن».
وتخوف مصدر وزاري سابق حيال «تعذر إقرار قانون جديد وإرجاء الانتخابات لسبب ما كحصول تحركات شعبية في الشارع رفضاً لقانون الستين وللتمديد معاً، حينها تنتهي ولاية المجلس من دون انتخاب مجلس جديد ما يدخل البلاد في المرحلة الأخطر». ورجح المصدر سيناريو اعتماد قانون الستين مع تعديلات في بعض الدوائر ويُضاف اليه بند إلزام المجلس إقرار قانون جديد على النسبية خلال مدة ولايته أو خلال السنة الأولى منها»، أما الحل الوحيد أمام هذا الواقع برأي المصدر، هو «تسوية سياسية لا تؤدي الى تأجيل الانتخابات ولا فرض التمديد كأمر واقع، وذلك بإجراء الانتخابات في حزيران المقبل على قانون الستين معدلاً ولمدة سنتين فقط يتم خلالهما صدور قانون جديد تليه انتخابات جديدة على أساسه».
عملية أمنية للأمن العام
أمنياً، وفي إطار عمله لمواجهة الشبكات الإرهابية، علمت «البناء» من مصادر أمنية أن «الأمن العام نفذ عملية أمنية نوعية كشف خلالها خلية إرهابية كانت تخطط لعمليات أمنية في مناطق لبنانية عدة، على أن يتم الإعلان عن تفاصيلها في غضون أيام قليلة».
وكان وزير الدفاع الوطني يعقوب الصرّاف نوّه بجهود العسكريين وتضحياتهم المبذولة لحماية الحدود والحفاظ على سلامة أهالي البلدات والقرى المحاذية لها، وخلال تفقده رافقه قائد الجيش العماد جان قهوجي وعدد من كبار الضباط، الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشرقية في منطقة عرسال، أشاد الصراف بالروح المعنوية العالية التي يتمتعون بها رغم وعورة الجبال والظروف القاسية في المنطقة، مشدداً على متابعة قضيّة رفاقهم العسكريين المخطوفين وبذل أقصى الجهود لكشف مصيرهم وتحريرهم. وأكد أنّ المؤسسة العسكرية تشكّل الدعامة الأساسية لاستقرار الوطن ونهوضه الإنمائي والاقتصادي، وحصنه المنيع في مواجهة الإرهاب والعدوّ الإسرائيلي، وكلّ يدٍ تمتدُّ للنيل من وحدته ومسيرة سلمه الأهلي».