جنبلاط و«شبح النسبية» وخطاب العقل…
يوسف الصايغ
لم يعُد خافياً توجّس رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط من اعتماد النسبية في أيّ قانون انتخابي جديد قد يصدر لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه، وهو عبّر عن ذلك بسلسلة «تغريدات تويترية» قصف فيها كلّ الجبهات المنادية بالقانون النسبي وجاهر في مواقفه، ما استدعى من حزب الله ممثلاً بالمستشار السياسي لأمينه العام الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا عقد اجتماع مع جنبلاط، لطمأنة رئيس الاشتراكي بأنّ أيّ قانون انتخابي سيُراعي خصوصيته في الجبل.
كذلك خرج رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ليطمئن جنبلاط بأنّ حزبه لن يوافق على أيّ قانون انتخابي لا يحظى برضى جنبلاط، وأنّ أيّ تحالف عوني قواتي سيراعي موقع جنبلاط في الجبل، ورغم هذه المواقف المطمئنة للمختارة إلا أنّ المخاوف الجنبلاطية من شبح النسبية بقيت عالية المنسوب، ولهذه الغاية تمّ تشكيل وفد من اللقاء الديمقراطي للقيام بجولة على القوى السياسية لشرح موقف جنبلاط السلبي من القانون النسبي، واستهلّ وفد اللقاء الديمقراطي جولته من قصر بعبدا، حيث عرض الوفد هواجس جنبلاط من اعتماد القانون النسبي، لكونه يرى أنّ «قانون الانتخاب يجب أن يؤمّن التوازن الدقيق في التمثيل السياسي والمناطقي».
كذلك يبدو أنّ القانون المختلط الذي تقدّم به الحزب الاشتراكي إلى جانب القوات اللبنانية وتيار المستقبل كقانون بديل عن قانون الستين، لم يعد يلبّي طموحات «البيك» ما دفعه للتراجع عن تأييده، مع الإعلان عن رغبة اشتراكية بتشكيل محافظة جديدة في جبل لبنان تضمّ قضاءي عاليه والشوف، الأمر الذي يعتبره جنبلاط كفيلاً بأن يحفظ له ثقله السياسي، كما يتمّ الحديث عن إمكانية المطالبة بنقل المقعد الدرزي من العاصمة بيروت الى عاليه، ليرتفع بذلك عدد المقاعد الدرزية في هذه الدائرة إلى ثلاثة مقاعد بدلاً من مقعدين، وفي هذا السياق جاء موقف النائب غازي العريضي واضحاً عندما أشار إلى أنّ هناك أربعة نواب دروز يصلون بأصوات غير درزية، وربما يعتبر ذلك تمهيداً لمطالبة جنبلاط بنقل بعض المقاعد الدرزية وتعديل بعض الدوائر الانتخابية، وبذلك تتطابق حسابات البيدر الاشتراكي مع حسابات الحصة الانتخابية المرجوة.
في مقابل «ثورة» رئيس الاشتراكي المعلنة على القانون النسبي وفي ظلّ موجة التخويف من شبح النسبية، وإقامة الحدّ عليها باعتبارها تُحرم الطائفة الدرزية من التمثيل في البرلمان، وبعيداً عن المواقف السياسية داخل الطائفة المؤيدة للقانون النسبي، برز كلام شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نصر الدين الغريب الذي أعرب عن «فقدان الأمل من اعتماد النسبية، رغم الآمال الكبيرة التي كانت معقودة بعد خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والبيان الوزاري الذي أكد على مفهوم العدالة والمعيار الواحد».
أهمية كلام الشيخ الغريب، أنه جاء على لسان مرجعية روحية وازنة ليطمئن أبناء طائفة الموحدين الدروز أنهم غير مهدّدين بوجودهم في حال اعتماد النسبية، وذلك رداً على ما أعلنه المجلس المذهبي المعروف الهوى السياسي والانتماء، بأنّ حقوق الطائفة الدرزية مهدّدة بالزوال إذا تغيّر قانون الانتخاب الحالي، ولعلّ هذا هو الخطاب الذي يُحاكي العقل والمنطق بعيداً عن لغة التهويل والتخويف من قانون انتخابي على مصير طائفة عمرها ناهز ألفاً وخمسمئة عام، فطائفة الموحدين لا تقاس بحجمها الوزاري أو عدد نوابها، بل بدورها وتاريخها المشرّف والعريق عبر القرون، علماً أنّ أحداً لا يسعى الى سلب الدروز نوابهم ووزراءهم.