انقسام «سني سني» في المنطقة ولبنان يترجم انتخابياً بمعركة «سنية»

روزانا رمّال

كان من المفترض أن يتعزز الخلاف المذهبي في منطقة الشرق الاوسط على اساس عقائدي وايديولوجي نتيجة لما حيك له من انخراط بقلب الدوامة التي شتّت نسيجه وغيّرت أشكال الحكم فيه مع تصاعد الحديث عن التقسيم في المنطقة، وفقاً لهذه الاساسات.

الخطأ وقع غربياً في استشراف تطبيق المعادلات الجديدة بالمنطقة في وقت كان من المفترض أن تدخل الأنظمة المتشدّدة إلى الحكم بسلاسة بعد تمهيد الاخوان المسلمين الذين حققوا نتائج مبهرة في مصر وليبيا وتونس منذ عام 2011 حتى 2013.

يؤكد جون برينان مدير المخابرات الأميركية المركزية ان بلاده ومسؤولي الولايات المتحدة الأميركية تعاملوا بـ«خطأ» كبير تجاه ما وصفها بأحداث الربيع العربي والتي تبين بعد ذلك أنها ليست ثورات لإحلال الديمقراطية والقيم الغربية في البلاد العربية، وانما كانت لتطبيق نموذج المتشددين في الحكم وأظهرت نماذج سيئة.

هذا الخطأ الذي كلف الشرق الاوسط دماراً لأنظمة ولد معه حركات اصولية استطاعت تخريب ما امكن وتهشيم العقائد والاديان التي حكمت المنطقة سوسيولوجياً وأكثرها تأثراً الديانة الإسلامية بطبيعة الحال، يتابع برينان في تصريح دقيق وأخير قبل تسليم مهامه لخلفه بانتهاء ولاية أوباما، فيقول «نعترف بالخطأ الذي ارتكبته أميركا في متابعة الربيع العربي بداية من تونس ومصر وليبيا وسورية وغيرها، حيث ان ادارة اوباما قد ضغطت على حلفائها في القاهرة ودول عدة من أجل تنحي قادتها مثل محمد حسني مبارك في مصر، ولو لم يتنحَّ بعد الضغط عليه، لكان مصيره القتل مثل معمر القذافي.

جون برينان مدير الـCIA السابق أكد أيضاً خيبة التوقعات والحسابات الاميركية فيقول «إن ادارة اوباما كانت لديها توقعات بأن تكون القيم الغربية والديمقراطية الموجودة في أميركا نفسها الموجودة في الدول العربية لذا قمنا بتدعيم الثورات هناك بشكل كامل والربيع العربي قام بالإطاحة بأنظمة دكتاتورية ولكن حل «الخراب» بعده وظهرت نماذج مثل «داعش».

الجزء الذي لا يعترف فيه رؤساء الاجهزة الامنية في واشنطن هو الجزء الذي يحمل أجهزتهم مسؤولية رعاية إنشاء هذه المجموعات. وهو الأمر الذي ينتقد الرئيس دونالد ترامب الاستخبارات الاميركية بشخص برينان عليها وينتقد المرشحة هيلاري كلينتون الداعمة لانتشار المجموعات في سورية والعراق. فكرة احلال «الخراب» بدل «الديمقراطيات» هي بمثابة اعتراف او انكفاء عن فكرة تغيير انظمة او ما تبقى من محاولات مثل النظام في سورية.

أكثر المتضررين مما جرى بالمحصلة هو «الإسلام» الذي كان من المفترض أن تتصاعد الانشقاقات والاختلافات بين مذاهبه بعد إسقاط مفاهيم لا يعتبرها كثر منسجمة مع ما قدمته نماذج إسلامية ابعد عن تفهم نسب الديمقراطية منه الى مراعاة ما تفرضه الشريعة. وهو جدال من نوع آخر فباتت على الاميركي مهمة التأكد من ان وقوع اللهب محتم، بمجرد صعود تيارات سلفية تطالب باستغلال الوصول للسلطة بدلاً من تسليمها لحركات مدنية. وهذا هو الملاحظ. ففي مصر مثلا لم تتسلم الحركات الشبابية المدنية الحكم بل استحوذ عليها الاخوان المسلمون والامر نفسه في سورية. الجزء الذي بدأ مطالبا بالاصلاح اطيح به لصالح المتطرفين الذين ترأسوا مجموعات ارهابية.

تسعير الفتنة السنية – الشيعية كانت مطلوبة على اساس ديني لا سياسي، كما هو الحال اليوم أو كما بقي لأسباب تعود لرفض قوى اساسية تحمل هوية دول مذهبية كطرف في الصراع مثل ايران كجمهورية إسلامية بنظام اسلامي «شيعي» رفضت الدخول في حرب مذهبية أو تأييدها كتعميم على حلفائها الشيعة أو العلويين في سورية، كما اتهم النظام.

لبنان هنا لعب دوراً أساسياً في إيضاح المشهد. الخلاف السياسي في لبنان بين السنة والشيعة في لبنان هو خلاف سياسي لم يخرج لمصاف الخلاف المذهبي، لأن الحرب في سورية تم حصرها من دون ان تتطور لمرحلة النجاح في اسقاط النظام، حيث كان سيزحف معه بالتأكيد الى لبنان تداعيات.

من «المفترض» ان يخوض لبنان انتخابات نيابية قريباً، لكن اللافت فيها انها ستحمل عنوان المنافسة الحقيقية التي تمثل الانقسام الاكبر في المنطقة وهو الانقسام السني السني. الامر الذي يبدو انه نتيجة للربيع العربي بدلاً من تمظهر انقسام شيعي – سني الذي لم ينجح «أحادياً».

لاول مرة تتوحد كبرى الطوائف بين أحزاب وتحالفات سياسية وطائفية مثل الشيعة، حركة امل وحزب الله، ومسيحياً التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لينقسم الشارع السني جزء مع الحركات الاصولية المتطرفة والجماعات الاسلامية المتشددة، خصوصا في الحدود الشمالية وجزء آخر مع الوزير السابق اشرف ريفي الذي يتحمل جزءاً كبيراً من احتضان هذه المجموعات بتشابه الخطاب وجزء كبير مع الرئيس سعد الحريري الذي يشكل الثقل السني.

الانقسام السني السني بلبنان يؤكد أبرز نتائج الربيع العربي. وهو نتيجة لمعركة كبرى خاضتها قوى تمثيل الطائفة السنية فيها ولا تزال، ما يجري في لبنان «سنياً» هو ترجمة لخلاف مراكز القرار السني في السعودية وتركيا ومصر. وهو أيضاً بجزء محدد نتيجة لتشويه لحق بالمذهب لصالح التطرف.

الانتخابات النيابية المقبلة تشكل ساحة اختبار لهذا الانقسام ونتيجة له. ففي وقت يعرف عن دعم السعودية للحريري ارتفعت أسهم دعم تركيا للوزير اشرف ريفي بوقت من الاوقات، في وقت كان للسعودية تأثير كبير سابقاً في اختيار مفتي الجمهورية في لبنان، ليصبح لمصر التي تسعى لمكانة وسطية وتتنصل من الخليج، الحظوة الكبرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى