أميركا ترامب… منظومة الذئبية السافرة
هاني الحلبي
أميركا أولاً… أميركا فقط…
هكذا يراها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب.
ترامب الذي بدأت احتفالات تنصيبه أمس الجمعة وتستمرّ أسبوعاً، وستشكل مناسبة لهدر مالي بأرقام فلكية مفتوحة، وتفوق بضع مئات من ملايين الدولارات، يجمعها المتبرّعون والمموّلون ويزيدها الطقس العاصف، فضلاً عن ميزانية مؤسسات الكونغرس وغيرها مما تُعنى بالتنصيب.
أميركا أولاً… ولم تكن أميركا أخيراً عند أيّ رئيس أميركي سابق، ليكون القول الآن إنّ أميركا أولاً فاتحة عصر جديد في الرئاسة الأميركية.
أميركا أولاً، عند الرؤساء الأميركيين كافة، لكن القيمة في التقييم لترتيب الأولويات ومعايير هذه الأولويات..
أميركا أولاً في كونها إله الحرب والشر.. القوة العظمى التي انتهزت حربين عالميتين وجيّرت ربحهما ربحاً صافياً بأقلّ مشاركة ممكنة، لم تتعدَّ السنة في نهاية الحرب العالمية الثانية بدءاً من عبور النورماندي على الشاطئ الفرنسي الغربي في اوروبا، وبدءاً من هجوم بيرل هاربور في الحرب مع اليابان في المحيط الهادئ. هذا الانتهاز النفعي والأداتي، حسب ما يقول النفعيون والأداتيون، توّجها قوة أولى لخمسة عقود متواصلة، وقوة متفرّدة ووحيدة لثلاثة عقود.
كانت أميركا أولاً كإله شرّ أميركي، مع رئيسها هاري ترومان، اول من قرّر استخدام أول قنبلة نووية في التاريخ. وأول من استخدم هذا السلام الجنوني المدمّر.
أميركا أولاً.. في نهب ثروات الشعوب، فتسيّر اقتصادات الدول وفق وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لتشكل إملاءاتها الوصفة المثلى لانهيار أيّ اقتصاد وطني وفتحه امام أخطبوط التدخل الأميركي تحت لافتة المؤسسات الدولية..
أميركا أولاً.. في تصميم خطة ماريشال بعيد الحرب العالمية الثانية، فأصبحت سيدة الغرب وما حوله، وأصبحت اقتصادات الدول التي كانت عظمى وكبرى تتلقى الصدقات والمعونات لتقف على قدميها مجدّداً.. بعض تشكيل الفسيفساء الأميركية لقيادة العالم..
أميركا أولاً.. في حجم التدخل العسكري طيلة عقود، وتصنيع طغاة، وتصميم عمليات اغتيال ثوار وقادة ومجدّدين ومفكرين..
أميركا أولاً.. بأسلوب التعذيب والقتل في سجونها وحجم تدميرها أية حقوق للكائن البشري لتحوّله مجرد فأر اختبار لفرضيات علمائها في التحليل السلوكي والبيولوجيا.. وسجنا غوانتنامو وابو غريب لم تتمكن الذاكرة البشرية الحقوقية من نسيانهما بسبب تفوّقهما على أية وحشية أمنية في التاريخ.
أميركا أولاً.. في عدد استخدام الفيتو الظالم ضدّ فلسطين واية قضية حقوقية نبيلة في العالم، بحيث حجزت ريادتها المعيبة غير الممكن منافستها قط.
أميركا أولاً.. صانعة كلّ إرهاب عنصري.. من رعايتها لأشرس وأوسع وأعمق مؤسسات الكيانات الصهيونية اليهودية في المجالات كافة، بل وقدرتها على تسيير الموقف الأميركي لخدمة مخططاتها دائماً، وصولاً إلى الفضائح التي تناقلتها الوكالات الصحافية والتلفزة عن مسؤولية أميركا عن تأسيس القاعدة وداعش والنصرة وغيرها من أدوات الأخطبوط المدمّر أية حضارة وأية مدنية وبخاصة المدنية السورية المشرقية، في تدمر وبابل ونمرود، كهدف أول للخطة اليهودية الصهيونية قبيل إعادة بناء الهيكل المزعوم.
أميركا أولاً.. في صناعة النجوم.. وإطلاق برامج التجسّس الافتراضي تحت ذريعة التواصل الاجتماعي بحيث يكون كلّ نَفَس في كوكب الأرض محصياً ومسجلاً لخدمة أهدافهم..
أميركا أولاً.. في ابتداع أزمتين عالميتين غيّرتا وجه العالم. أزمة تشرين الأول 1929 وأزمة الفقاعة العقارية في العقد الماضي، فأفلست في الأزمة الأولى المشاريع والبورصات المالية وبارت المواسم لأجل آل روتشيلد وسيطرتهم على العملة الخضراء التي دشنت هذه السيطرة ومازالت.
أميركا أولاً.. في اصطناع الأحلاف العسكرية وعددها وعدد الدول التي زجّت فيها ويتمّ إنشاؤها بقرار أميركي ويتمّ تعطيلها بقرار أميركي، ما إن تنتفي المصلحة الأميركية فيها.
أميركا أولاً.. في حجم الأساطيل البحرية والجوية وعدد القواعد العسكرية المنتشرة في العالم وعدد المرتزقة في جيوشها، ولم يعمّ سلام في كوكب الأرض..
أميركا أولاً.. في صرعات الأزياء والشعر والثياب واختراعات اللهو وألعاب الفيديو والسينما والأتاري والكومبيوتر.. اقتل صدام.. واقتل بن لادن واقتل غيرهما.. لدرجة أنّ مَن يتم استلاب روحه للنمط الأميركي يتمّ تحويله دمية استهلاك في سوق عظيمة الانتشار بفضل أميركا، وأميركا وحدها..
أميركا أولاً.. ومتى لم تكن أميركا المدمّر والهالك الفرد والوحيد وغير المقاوَم والمميّز والنهائي والجيش بفرد واحد، للدلالة على فرادة الفرد، وكان أميركا هي الفرد! وهو الوهم!
أميركا أولاً.. وأخيراً هي العنصرية القاتلة التي أبادت شعبها الأول وستبيد شعبها الأخير، بالتنازع والسلاح المشرع والعنف المقونن والفردية القاتلة والفراغ الروحي والتفكك الاجتماعي.
متى كانت أميركا أخيراً.. عند الرؤساء الأميركيين؟ ولا مرة.
لكن في الواقع أميركا في أسفل سجل الشرف الإنساني الأدبي، لأنها فاقدة أيّ نبل في منظومتها الهائلة فكرياً واقتصادياً وعبثاً تجد هيلين توماس أخرى، وبيرني ساندرز آخر..
أميركا الآن كما هي، قلبها في فمها، روحها في صبغة شعرها الذهبية أو الحمراء، كإله شرّ مقبل، يحرق، يدمّر، ينهب، يبتز، ويقتل، وينتهك ما يجترّه صبح مساء من قيم لا وجود لها عنده!
ونحن ما نحن، ما كنا وما سنكون، دأبنا مقاومة لا تعرف الرضوخ ولا تقبل الهزيمة!
باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com
وموقع السوقalssouk.net