عتريسي: أميركا والسعودية تضغطان على الحكومة اللبنانية لعدم التنسيق مع سورية وإسقاط النظام لا يزال هدفاً
حاوره محمد حمية
رأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور طلال عتريسي، «أنّ إعلان استراتيجية لمواجهة الإرهاب يفترض خطوات عملية واضحة»، لافتاً إلى أنّ «إعلان التحالف يفترض تحديد أدوار الدول المشاركة». وسأل: «هل تريد أميركا ضرب داعش في العراق لكي تعيده إلى سورية بقوة وزخم أكبر للاستمرار في استنزاف النظام؟».
وإذ أشار عتريسي إلى أن «داعش لا يشكل خطراً مباشرعلى أميركا»، شدّد على «أنّ الخطابات الأميركية هي فقط للدعاية والحرب النفسية». واعتبر «أنّ ضبط الحدود التركية وإقفال المنافذ البرية ووقف التمويل والتعاون مع النظام في سورية يؤدي إلى القضاء على 90 في المئة من قوة داعش».
وأكد عتريسي «أنّ تركيا لن تتدخل بل نأت بنفسها وهي تؤيد التحالف لكنها لا تريد أن تحارب، وذلك لاعتبارات عدّة، منها أنها تدعم داعش ومستفيدة من إضعاف سورية والعرق واستنزاف إيران». وأشار عتريسي إلى «أنّ أميركا والسعودية بشكل رئيسي تضغطان لاستمرار الحرب لإسقاط النظام السوري، وهي التي تمول الحرب وتدرب المعارضة»، كما اعتبر «أنّ الدول المشاركة في التحالف الدولي ستكون هدفاً في حال تعرضت سورية لأي عدوان». ورأى «أنّ لبنان بعد مشاركته في التحالف الدولي لم يعد يمارس سياسة النأي بالنفس، وبات جزءاً من الصراع ومن تحالف دولي في مواجهة ظاهرة إقليمية خطيرة».
الغموض والتحالف المزيف
وفي حوار مشترك مع صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز» اعتبر عتريسي «أنّ ما أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما حول اسراتيجيته لمكافحة الإرهاب، يطرح أسئلة كثيرة ويثير الغموض أكثر مما يخلق الاطمئنان، لأنّ إعلان الاستراتيجية يفترض خطوات عملية واضحة، كما أنّ إعلان التحالف يفترض تحديد أدوار الدول المشاركة، وحتى الآن كل ما أعلن عن هذا التحالف هو أنّ أميركا لن تحارب على الأرض وأنها ستكتفي بقصف جوي». وأشار إلى أنّ «تنظيم داعش يرتكز ميدانياً وجغرافياً على الأرض التركية ومن هناك يتحرك باتجاه العراق وسورية بشكل رئيسي، وإذا كانت تركيا شريكاً في التحالف وليس في العمليات، فهذا يفترض أنّ الاستراتيجية يجب أن تقفل المنافذ التركية لكي تمنع داعش من التحرك وهذا ليس مطروحاً في الاستراتيجية».
وتابع عتريسي: «إنّ إيران تخوض حرباً ضدّ الإرهاب وقدمت الدعم للحكومة العراقية ولحكومة كردستان، وسورية أيضاً تخوض حرباً ضدّ الإرهاب، لذلك فإنّ عدم التعاون مع هاتين الدولتين، وهما أهم من أي دولة في هذا التحالف، يثير أيضاً التساؤل ويحيط التحالف بالغموض».
وشكك عتريسي في نية أميركا القضاء على «داعش»، قائلاً: «من غير المعلوم إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تريد القضاء على داعش فعلاً أم الاستمرار في حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وهنا نسأل: هل تريد أميركا ضرب داعش في العراق لكي تعيده إلى سورية بقوة وزخم أكبر للاستمرار في استنزاف النظام السوري»؟
داعش بين العراق وسورية
وعن استعدادات القيادة السورية لاحتمال هروب مجموعات داعش إلى سورية بعد ضربها في العراق، قال عتريسي: «هذا موجود في حسابات القيادة السورية، وعندما تعلن أميركا أنها ستستهدف داعش بالغارات الجوية في العراق فإنّ ذلك يعني أنّ على داعش أن ينسحب من المناطق ويذهب إلى سورية، لهذا السبب بدأت القيادة السورية الاستعداد وهي تقوم بهجمات مضادة لمواجهة هذه المجموعات قبل انتقالها إلى سورية، لهذا نتوقع تصاعد المواجهات بين الجيش السوري وهذه المجموعات الإرهابية».
الإدارة الأميركية مربكة
وعن كلام رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي مارتن ديمبسي أنه لا يمكن القضاء على «داعش» من دون الدخول البري، وكذلك تصريحات البنتاغون والرئيس الأميركي بأنّ أميركا لن ترسل قوات أميركية إلى العراق، رأى عتريسي أنّ «هذا الكلام يعكس الارتباك الأميركي لأنّ أوباما يقول إنه لا يريد إرسال جنود يقاتلون داعش على الأرض لكي لا يكرّر تجربة الرئيس السابق جورج بوش، وميدانياً كل المعطيات العسكرية تشير إلى أنه لا يمكن هزيمة هذا التنظيم وهؤلاء الإرهابييون سيختفون بين مليوني نسمة والطائرات ستكرّر ما حصل في أفغانستان وباكستان والعراق وتقتل المدنيين». وأضاف: «هناك مشكلة في استراتيجية القضاء على داعش بين القرار العسكري الذي يريد عملاً برياً وبين القرار السياسي الذي لا يريد أن يدفع ثمناً في أي عمليات برية».
وما إذا كان «داعش» يشكل خطراً فعلياً على أميركا وحلفائها أم صنع منها فزاعة لتبرير أي عمل عسكري في المنطقة واستكمال الحرب على سورية، أوضح عتريسي «أنّ داعش لا يشكل خطراً على أميركا ولا على أمنها القومي، فعندما احتل داعش الموصل لم يتحرك الأميركيون ولا السعودية ولا قطر ولا تركيا، بل اعتبروا أنّ ما يحصل هو ثورة على حكومة المالكي، ما يعني أنهم لم يعتبروا أنّ داعش تشكل خطراً»، متسائلاً: «لماذا يحولونها اليوم إلى خطر ويريدون محاربتها»؟
السعودية وقطر و«داعش»
وعن نفي أمير قطر تمويل أية تنظيمات إرهابية، قال عتريسي: «لو لم تتحدث معه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بصيغة اتهامية لما ردّ ودافع عن نفسه، وكلّ التقارير الأجنبية تتحدث عن دور قطر في تمويل الإرهاب، لذلك هناك اليوم مخاوف سعودية من تمدّد التنظيم وخروجه عن السيطرة، بخاصة أنه وبعد أن فشل في إسقاط النظام في سورية، تمدّد إلى خارجها ووصل إلى أربيل أكبر قاعدة تجسس أميركية في المنطقة وهدّد الخط الأحمر المرسوم لداعش، وفي هذه اللحظة ضربه الطيران الأميركي، والأهم أنّ أميركا تريد إعادة تشكيل تحالفاتها في المنطقة وتتحدت عن تحالفها مع الدول السنّية في المنطقة في مواجهة تنظيم داعش».
ولفت عتريسي إلى «أنّ الخطابات الأميركية لها طابع دعائي ونفسي وإعلامي، لأنّ أوباما متهم في الداخل الأميركي بأنه ضعيف ومتردّد ولا يحسم خياراته، وهو الآن يلبس القفازات ليقول للشعب الأميركي: أنا قوي وأهدّد داعش، ونحن هنا نتحدث عن رئيس أقوى دولة في العالم ينفق ألف مليار دولار على موازنة الدفاع ولديه مئات آلاف الطائرات وملايين أطنان الصواريخ يهدّد أبو بكر البغدادي ولا يريد أن يرسل جندياً إلى العراق». ولحظ عتريسي «أنّ طبيعة التهديد مستغربة، فليس بهذه الطريقة تقاتل داعش، بل إنّ ضبط الحدود وإقفال المنافذ البرية ووقف التمويل والتعاون مع النظام في سورية يؤدي إلى القضاء على 90 في المئة من داعش». وأضاف: «هذا أيضاً له علاقة بالحسابات السياسية الداخلية لأنه يفترض أن يأتي رئيس ديمقراطي خلفاً لأوباما، وأوباما يحاول أن يظهر أنه قوي، ومن جهة ثانية لا يريد أن يورث الحزب الديمقراطي حرباً قد تستمر لسنوات، لكن يمكن أن تتدحرج هذه العملية إلى دخول بري محدود أو إلى تدخل قوات من بعض الدول في المنطقة».
لماذا لا تحارب السعودية وتركيا؟
وتحدث عتريسي عن المعارضة السورية المعتدلة التي يتحدث عنها أوباما كشريك سوري في التحالف، فرأى «أنّ هذا يعكس الارتباك الأميركي الذي يريد من جهة دعم معارضة معتدلة، ومن جهة أخرى يقول عنها منذ أشهر أنها لا تساوي شيئاً، وإن وجدت فلن يستعان بها لقتال داعش بل لقتال النظام في سورية»، متسائلاً: «هل تحتاج السعودية إلى عناصر سورية معارضة لقتال داعش وهي شريك في التحالف؟ فلماذا لا تحارب هي؟».
وعن إمكانية أن تكون تركيا هي القوة العسكرية التي سيعتمد التحالف عليها في مواجهة الإرهاب، قال: «لن تتدخل تركيا بل نأت بنفسها وهي تؤيد التحالف لكنها لا تريد أن تحارب، لاعتبارات عدة منها أنها تدعم داعش ومستفيدة من إضعاف سورية والعرق واستنزاف إيران»، لافتاً إلى «أنّ الدول لن تشارك برياً، ما يطرح تساؤلات حول النتائج المحتملة لهذه العملية، لذلك هناك من يتوقع أنها ستمتد لسنوات ما يعني أننا سندخل في حالة من عدم الاستقرار الإضافي في المنطقة».
وحول رفض إيران المشاركة في التحالف رغم أنها تشارك في بعض الضربات الجوية في العراق وتساند الحكومة العراقية، أكد عتريسي «أنّ إيران تشارك بشكل مستقل وتدعم الحكومة العراقية والسورية، لكنها لن تكون في حلف تقوده أميركا أو بإمرة أي تحالف».
النظام السوري لا يزال هدفاً
وأكد عتريسي أنّ «النظام في سورية لا يزال هدفاً لأميركا والسعودية وهما تضغطان لاستمرار الحرب لاسقاطه، وهما تمولان الحرب وتدربان المعارضة».
الصراع الخفي بين السعودية وإيران
وعن الشروط السعودية للوصول إلى تسوية مع إيران، والشروط الإيرانية لذلك، قال عتريسي: «الحوار الأميركي الإيراني بدأ بمعزل عن السعودية ما أثار غضب الأخيرة، وقد طلبت من أميركا أن ترتبط مفاوضات النووي بملفات أخرى، فالسعودية لديها مخاوف من إيران في المنطقة وتعتبر أنها زعيمة العالم الإسلامي، في حين أنّ الوهابية التي تحكم في السعودية لا تقبل بمذهب آخر وهذا على مستوى السنّة، فكيف إذا كانت إيران في موقع سياسي متقدم وعلى المذهب الشيعي؟ هذا ما يثير قلق السعودية».
المفاوضات النووية والإرهاب
واستبعد عتريسي أن تصل المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب إلى نتائج إيجابية وقد تعثرت في الأشهر الستة الأخيرة بعد احتلال الموصل وبعد أن شعر الأميركيون أنهم حققوا انتصاراً على إيران»، رابطاً بين المفاوضات وبين مسار الحرب على الارهاب.
وعن إنشاء إيران مفاعلين نوويين بمساعدة روسية، قال: «هذا ثابت في رؤية إيران الاستراتيجية في التعامل النووي مع الروس، وهم متقدمون جداً في هذا المجال، وقد أكمل الروس بناء مفاعل بوشهر وهذه نقاط قوة لإيران وليست مضطرة إلى انتظار المفاوضات».
التحالف المضاد
ورداً على سؤال حول ما إذا كان هناك حلف روسي – إيراني – سوري في مقابل التحالف الأميركي، أجاب عتريسي: «إنّ هذا التحالف موجود من دون الإعلان عنه ويضم عشرات الدول، وهو موجود ميدانياً، وروسيا وإيران تدعمان سورية، وإيران تدعم الحكومة العراقية وهناك مواجهة فعلية للارهاب».
وعن إمكانية شنّ ضربات جوية أميركية على سورية، رأى عتريسي أنه من الممكن «أن تحصل بعض الضربات الجوية لمواقع داعش في سورية، لكن أميركا لن تتجرأ على ضرب مواقع للجيش السوري، لأنّ أوباما لا يريد الدخول في مناخات حرب إقليمية ودولية». وفي المقابل، أكد أنّ الردّ سيكون كبيراً جداً في حال أي ضربة تستهدف الجيش السوري، خصوصاً أنّ دول التحالف الأميركي هي جزء من الحرب ما يعني أنها مستهدفة في شكل مباشر من سورية وحلفائها في إيران وروسيا».
لبنان في ظل الإرهاب
وأشار عتريسي إلى «أنّ الإرهاب في لبنان ملفّ قديم جديد يتحمل مسؤوليته قسم من السياسين الذين نفوا وجوده ووفروا غطاء له، إضافة إلى الأوضاع في سورية وتوسع رقعة انتشار الإرهابين على الحدود اللبنانية ورغبتهم في إنشاء إمارة في إطار التنافس مع إمارة البغدادي، وهذا ما يستدعي موقفاً سياسياً موحداً ودعم الجيش، والاستنفار العام وتشكيل القوى أو الهيئات الشعبية الداعمة للجيش للتصدي للإرهابيين».
ورأى أنّ «عدم تنسيق الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية، سببه الضغوط السعودية والأميركية على الحكومة اللبنانية، ونرى ذلك واضحاً في استبعاد سورية في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وعملياً لا يملك لبنان إلا التنسيق مع سورية للتصدي للإرهابيين».
سقوط سياسة النأي بالنفس
أما في ما خصّ مشاركة لبنان في التحالف والتداعيات المترتبة على ذلك، اعتبر عتريسي «أنّ لبنان لم يعد يمارس سياسة النأي بالنفس بعد مشاركته، بل بات جزءاً من الصراع ومن تحالف دولي في مواجهة ظاهرة إقليمية خطيرة، لكنّ الوزير جبران باسيل يبرر توقيعه بأننا يجب أن نحترم سيادة الدول بمعنى أن لا يسمح للطائرات الأميركية بتنفيذ ضربات من لبنان».
يُبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة مساءً على شاشة «توب نيوز» تردد 12036