هدم النضال الوطني الفلسطيني وشيطنته
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
واضح أنّ دولة الاحتلال تحث الخطى نحو المزيد من العنصرية والتطرف، حيث تعمل على سنّ قوانين وتشريعات واتخاذ قرارات تحمل جميعها عنواناً واحداً وهو كيفية التخلص من شعبنا الفلسطيني وحرمانه من حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية وغيرها… فنحن نشهد حالة واسعة من الانفلات العنصري ضدّ شعبنا الفلسطيني، وممارسة لسياسة التطهير العرقي بحقه على نطاق غير مسبوق، والطبيعة العنصرية لهذا الكيان، تتكشف وتتجلى بشكل واضح، في إنكار حقّ شعبنا في السكن والمأوى، فهذه الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة، والخاضعة لسلطة المستوطنين أو تعتبر الممثل الحقيقي لهم، فبعد رفض تطبيق قرارات محاكمها ومن ضمنها ما يسمّى بمحكمة العدل العليا بإخلاء مستعمرة «عمونه» المقامة على أراض فلسطينية خاصة، والبحث عن حجج وذرائع من أجل استمرار بقائها، ومن أجل إرضاء المستوطنين، سمعنا تصريحات لقيادات من حكومة الاحتلال تفوح منها رائحة العنصرية والتطرف والتطهير العرقي بحقّ شعبنا الفلسطيني في الداخل 48 والقدس، تهدّد وتتوعّد بهدم عشرات آلاف البيوت الفلسطينية تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص، وقد شرعت حكومة الاحتلال بترجمة تهديداتها من خلال هدم العشرات من البيوت والمنشآت والورش في مدينة القدس، وأحد عشر بيتاً في بلدة قلنسوة، لتستتبع ذلك بهدم قرية عتيرـ أم حيران في النقب، من أجل الاستيلاء على أرضها بعد طرد وتهجير سكانها، وإقامة مستوطنة لليهود تحمل نفس الاسم، رغم أنّ هذه القرية وغيرها من القرى الفلسطينية غير المعترف بها 46 قرية، وجودها سابق لوجود دولة الاحتلال.
لا تغيب عن بالنا حقيقة الحركة الصهيونية والمشروع الصهيوني القائم على التوسع والاستيطان وطرد وتهجير العرب من مدنهم وقراهم في نكبات مستمرة ومتواصلة… فالاحتلال لم يكتفِ بتدمير 531 مدينة وقرية فلسطينية خلال نكبة عام 1948 وتشريد وطرد أهلها بالقوة إلى دول الجوار والمنافي، لكي يعيشوا في مخيمات تفتقر لأدنى شروط الحياة الإنسانية، وهي حتى يومنا هذا شاهدة على جرائم الاحتلال، وعلى تقاعس وتخاذل ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لم يستطع أن يلزم دولة الاحتلال بإعادتهم إلى ديارهم وفق القرار الأممي 194 .
والاحتلال في ظلّ ما يحظى به من دعم وحماية في المؤسسات الدولية توفرها له أميركا ودول الغرب الاستعماري، أصبح دولة فوق القانون،مشرع له القيام بأية أعمال منافية للقانون والاتفاقيات الدولية وارتكاب أي جريمة، دون أن يحاسب عليها، أو تتخذ بحقه قرارات أو تفرض عليه عقوبات، لذلك استمر في مشاريعه الرامية إلى طرد المزيد من أبناء شعبنا الفلسطيني والسيطرة على أرضهم ورفض الاعتراف بأي حقّ من حقوقهم، فحاول تهويد أرض الجليل وأرض النقب عبر مشاريع المتطرفين «أريه كنج» و«برافر»، لكنّ شعبنا الفلسطيني دافع عن أرضه وكلّ مكونات وتجسيدات وجوده، ودفع ثمن ذلك شهداء وتضحيات، وما حدث في الجليل والنقب، حدث ويحدث في القدس، حيث سياسة التطهير العرقي تمارس بحقّ سكانها العرب من أجل تغيير واقع القدس الديمغرافي لصالح المستوطنين، ومن أجل جعل فضائها يهودياً بدل الفضاء العربي ـ الإسلامي.
الاحتلال أدرك أنّ استمرار شعبنا في البناء من شأنه، تغيير الواقع الديمغرافي لصالح الشعب الفلسطيني، وما يعنيه ذلك من خطر على نقاء دولته ويهوديتها، ولذلك لا بدّ من استهداف الحجر في مجازر كبرى، ولتكن مستوطنة «عمونه» المقامة على أرض فلسطينية خاصة الحجة والذريعة للشروع في هدم عشرات الآلاف المنازل الفلسطينية في الداخل الفلسطيني 48 والقدس، ولتكن «داعش» كحركة إرهابية متطرفة العنوان لوسم النضال الوطني الفلسطيني بالإرهاب بحيث تتجند الحكومة وكلّ أجهزتها ووسائل الإعلام الإسرائيلية، للقول إنّ الشهداء الذين ينفذون هجماتهم ضدّ الاحتلال وجنوده ومستوطنيه، أو حتى الذين يقتلون بدم بارد من قبل شرطة الاحتلال كما حصل مع الشهيد يعقوب أبو القيعان بأنهم «دواعش» لتسهيل شن حرب شاملة على شعبنا وممارسة سياسة التطهير العرقي بحقه.
وقد كانت الشرارة لذلك عملية الدهس التي نفذها الشهيد فادي القنبر في الثامن من الشهر الحالي، ضدّ جنود الاحتلال في جبل المكبر، لكي يخرج بعدها رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو ويقول إنّ الشهيد القنبر ينتمي لـ»داعش» وإنّ الإرهاب الذي ضرب في بون وباريس وغيرها، هو نفسه الذي يضرب في القدس، ولتكن حرب شاملة على المكبر، تتعدى العقوبات الجماعية إلى منطق الثأر الشخصي، من المكبر خاصة والقدس عامة، حيث جرى هدم عشرات الورش والمحلات والبركسات، ووزعت مئات الإخطارات لهدم المنازل في المكبر والقدس تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص.
لذلك كان القرار الحكومي الصهيوني باستهداف الوجود الفلسطيني وإعلان الحرب عليه في القدس والداخل الفلسطيني،حيث ارتكبت مجرزة هدم بحق 11 منزلاً في بلدة قلنسوة في الداخل الفلسطيني، بذريعة البناء غير المرخص، ولم يمض وقت طويل، حيث تمّ استهداف قرية عتير- أم الحيران بالهدم والتدمير، وأثناء اقتحام شرطة الاحتلال وقواته للقرية من أجل تدمير بيوتها، قتلت المدرس يعقوب أبو القيعان بدم بارد، فبعد إطلاق النار عليه وإصابته بجراح وفقدانه السيطرة على مركبته، استمر إطلاق النار عليه ليتم فتح باب المركبة عليه وتصفيته من نقطة الصفر، ليخرج بعد ذلك رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، بدلاً من الحديث عن جريمة تصفية الشهيد بدم بارد، للقول إنّ الشهيد ينتمي لـ»داعش»، وإنّ هذه الجريمة هي الثانية التي ينفذها «داعش» ضدّ الاحتلال وجنوده وشرطته، في تحريض وتجريم للنضال الفلسطيني وتشريع بالقتل، ووسم للنضال الوطني الفلسطيني بالإرهاب.
الردّ على الجرائم المرتكبة بحقّ الحجر الفلسطيني تحت ذرائع البناء غير المرخص، و«تدعيش» نضالات شعبنا الفلسطيني، يجب ألا تبقى أسيرة العفوية والارتجالية والتقليدية والتخبط والانفعال وسوء الإدارة، بل يجب أن تستند إلى استراتيجية وطنية شمولية، من أجل حماية حقنا في السكن والمأوى وحماية أرضنا، ومنع تشويه نضالنا المشروع.
فالخطوات التي اتخذتها لجنة المتابعة العربية العليا عقب مجرزة الحجر بحقّ بيوت قلنسوة وبعد تدمير بيوت قرية أم الحيران في النقب، تصل حدّ التطابق للقرارات والخطوات التي جرى اتخاذها بعد استشهاد المواطنين سامي الجعار وسامي الزيادنه في 14 و 18/1/2015،حيث أعلنت لجنة المتابعة العليا الإضراب العام والحداد وجرت عدة فعاليات ومسيرات احتجاجية ومظاهرات، واتفق على تشكيل وفد للتوجه إلى الهيئات والمحافل الدولية لرفع شكوى باسم الجماهير العربية حول قمع وعدوانية الحكومة «الإسرائيلية» تجاه المواطنين العرب.
وكذلك توجيه رسائل احتجاج وإدانة وتحميل المسؤولية للحكومة «الإسرائيلية» وجميع المسؤولين الرسميين ومطالبتهم بمحاكمة ومعاقبة المجرمين والمسؤولين عنهم.
اليوم نحن أمام تطور نوعي في الاستهداف للوجود الفلسطيني على طول مساحة فلسطين التاريخية، من قبل حكومة يمينية مغرقة في العنصرية والتطرف، ونحن بحاجة إلى ردود نوعية تحمي وجودنا وأرضنا وبيوتنا وحقنا في السكن والمأوى، نحن بحاجة إلى حماية دولية موقتة تحمينا من «تغوّل» وتوحش» الاحتلال.
Quds.45 gmail.com