خطاب ترامب وشعار أميركا اولاً
راسم عبيدات
الكارتيلات العسكرية والنفطية والمالية والعقارية، هي من تمسك بمفاصل الدولة في الولايات المتحدة الأميركية، بغض النظر عن هوية الرئيس الحاكم، جمهورياً أم ديمقراطياً. ومن يقرر سياستها الخارجية على وجه التحديد، الكونغرس والبنتاغون ومراكز البحث الإستراتيجي ووكالة المخابرات المركزية وليس كما هو الحال في البلدان العربية، الحاكم بامر الله، الذي لا ينطق عن الهوى، رئيساً أو ملكاً او أميراً. وهذا لا يعني بأن الرئيس لا يلعب دوراً بارزاً بشأن القضايا ذات البعد الإستراتيجي. وواضح أن ترامب في خطاب تنصيبه، رسم الخطوط العامة لسياسته الداخلية والخارجية وهو القادم من عالم آخر، غير عالم السياسة. ولا يأبه لا بالخطوط الحمراء ولا بالضوابط أو الخطوط التاريخية، الموضوعة أمام السياسة الخارجية والداخلية. فهو احد أقطاب وقادة الكارتيلات الاحتكارية العقارية وحكومته المشكلة تضم أكثر ضواري وحوش المال والنفوذ. ولعل اليوم العالمي التاريخي في تنصيبه، هو أن شعاره هو العودة إلى الداخل الأميركي، بعدما اختبرت أميركا مشروع نخبها، لحكم العالم من واشنطن. واكتشفت أن كلفته فوق طاقتها. وبان أميركا ستنكفىء عن دور الشرطي الحاكم للعالم، لكن هذا الإنكفاء، يحمل مضامين عدائية، ليس تجاه الخصوم والأعداء فقط، بل وحتى الحلفاء. ويحول القوات المسلحة الأميركية إلى قوات حماية مدفوعة الأجر، لمن يريد الحماية. وهي رسالة واضحة إلى مشيخات النفط الخليجي العربي، بأن زمن دفع اجرة القواعد العسكرية الأميركية على أراضيها، قد ولى الى غير رجعة، فإذا أرادت حماية عروشها وضمان استمرار استقرارها وحكمها القائم على نهب خيرات شعوبها، فعليها أن تدفع ثمن هذه الحماية. وهو كذلك، يبعث برسالة واضحة إلى دول الإتحاد الأوروبي وأوروبا الغربية، بأن حلف «الناتو» المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية، في مواجهة المعسكر الإشتراكي وحلف وارسو، عفا عليه الزمن ويجب حلّه، أي أن مساهمة أميركا التي تصل الى 70 في المائة من نفقاته، ستتوقف.
وبالتالي، هذه الدول الأوروبية، قد تشق طريقا جديداً أكثر توازناً في علاقاتها مع العالم العربي، فهي مقابل توفير الحماية للنظام الرسمي العربي المتهالك، ستستفيد مالياً وعسكرياً واقتصادياً. فتحت لافتة حمايتها من ايران، ربما تضع لها قواعد في تلك الدول، ناهيك عن صفقات سلاح ضخمة، تشغل لها مصانعها، بما يسهم في نمو اقتصادها ورفاهية سكانها. وهذا التحول والتطور، قد يفيد القضية الفلسطينية، بحيث تصبح تلك الدول اكثر توازناً في مواقفها من القضية الفلسطينية، خصوصاً ونحن ندرك بأن ترامب ستكون «إسرائيل» معشوقته. تلك المعشوقة التي سينقل لاجلها سفارة أميركا من تل ابيب الى القدس. وعيّن سفيره فريدمان، المؤيد للإستيطان «الإسرائيلي» أكثر من «الإسرائيليين» أنفسهم. ونقل ملف العملية السياسية من وزارة الخارجية الى مكتبه، إكراما لعيون هذه المعشوقة. ولكن رغم ذلك، نجد بانه رغم كل هذا العشق، فهناك تناقض في مواقف هذا الرجل، فعلاقته مع أساطين المال والإعلام المؤيدة والداعمة لـ«إسرائيل» في واشنطن، ليست جيدة. وكذلك، عندما يتحدث عن تخفيض النفقات وتوفير مستوى معيشة أحسن للسكان الأميركان. ونجد أن إدارة أوباما السابقة، أقرت مشروع مساعدات لـ«إسرائيل» مقداره لا يقل عن أربعة مليارات دولار سنوياً ، تنهب من دافع الضرائب الأميركي.
ترامب تحدث عن تجديد التحالفات القديمة وبناء تحالفات جديدة، فهو يقول بشكل واضح، بأنه سيعمل على محو التشدد الإسلامي عن وجه الأرض. وبالمقابل، ينتقد أنظمة الخليج العربي وفسادها المالي. وهو يدرك تماماً، بأن تلك البلدان شكلت حواضن لتلك الجماعات التي يتحدث عنها. وهو من اعترف بان أميركا والسعودية وتركيا، هي التي خلقت «داعش»؟ فهل هذا يعني بأن «داعش» وغيرها من الحركات الإرهابية، استنفذت دورها في خدمة المشروع الأميركي في المنطقة؟ أما أن الرجل يناقض نفسه، فهو ضد الاتفاق النووي الإيراني ومع تدفيع المشيخات النفطية الخليجية «خوّة» ثمن إحتلال القوات الأميركية لأراضيها. وينتقد أنظمتها القمعية وفسادها المالي.
ونجد كذلك، بأن هذا الرجل قد يدخل في صدام مع المخابرات المركزية الأميركية، التي كانت صاحبة اليد الطولى في التدخل في شؤون الكثير من الدول، التي ناصبت العداء لأميركا وعملت على قلب أنظمة حكمها، أو دعمت ومولت القوى المعارضة لتلك الأنظمة، فالمخابرات المركزية الأميركية هي التي وجهت له الإتهام بالتعاون مع المخابرات الروسية، من أجل الفوز في الإنتخابات، حيث اخترقت المخابرات الروسية الحزب الديمقراطي وسربت البريد الألكتروني لهيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية. والحرب بين الطرفين قد تقود الى تقليم أظافر المخابرات المركزية الأميركية، أو الى محاصرة ترامب وادارته، أو حتى التخلص منه، كما حصل مع الرئيس الأميركي كندي.
في الشأن والعلاقة مع روسيا، يريد ترامب أن يحافظ على علاقاته مع روسيا. وهو يقايض الروس برفع العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة عليهم، بإتفاقية للحد من الرؤوس النووية بين البلدين، من أجل المساهمة في حماية الأمن العالمي ومحاربة الإرهاب.
ما هو واضح من الخطاب الشعبوي اليميني المتطرف، الذي القاه ترامب، كأحد أقطاب الكارتيلات الاحتكارية العقارية، أنه يحمل الكثير من التناقضات. وهذا الرجل لا توجد ضوابط وقيود على تفكيره. وقد يفاجىء الجميع بمواقف تنتقل من النقيض الى النقيض. ولكن ما هو ثابت، عشقه لـ«إسرائيل» وعداءه للمهاجرين وللعرب والمسلمين. ولا نعرف ما هي حدود المسلم المتشدد، من غير المتشدد. ولكن تحت هذه اللافتة والذريعة، سيجري استهداف الأمة العربية.
ترامب يقول بشكل واضح، أنه سيعود باميركا إلى عهد الإمبراطوريات التي كانت قائمة في القرن الثامن عشر، حيث الأوزان الإقليمية للدول أكبر من الأوزان الدولية. وعندما يتحدث عن العودة بالسلطة للشعب، فهو يدعو الى توسيع قاعدة سيطرة ونفوذ الإحتكارات بانواعها المختلفة، بشكل مباشر ودون وكالة ووساطة السياسيين، الذين اغتنوا في العاصمة واشنطن. ويقصد ضرورة تقليص حصة البرجوازية البيروقراطية داخل اجهزة الدولة والاحزاب، لصالح زيادة عدد كبار الراسمالين الكبار، من خلال خفض الضرائب عليهم، بهدف زيادة الاستثمار داخل اميركا لزيادة فرص العمل، تحت شعار اميركا أولا. وشعار اشتروا فقط منتجات اميركية ووظفوا عمالا اميركيين. وهذا يعني اتباع سياسة حمائية داخل السوق الاميركية، من خلال زيادة الجمارك على البضائع المستوردة، خصوصا المنتجات الصينيه وغيرها. فبعد أن نهبت أميركا ثروات العالم، من خلال حرية التجارة المطلقة. ودمرت وخربت اقتصاديات الكثير من الدول، تحت وصفات المؤسسات النهبية الدولية: البنك وصندوق النقد الدوليين. تريد الآن، أن تحتفظ بما حققته، مع خفض النفقات للحد الاقصى، لزيادة الارباح للحد الاقصى. مع الحفاظ على التحالفات القديمة وتوسيعها بتحالفات جديدة، تساعد على خفض النفقات، مع تحميل حلفائها القدامى، ما عدا «اسرائيل»، تكلفة الحماية الامنية لهم في كل انحاء العالم والا سيرفع عنهم هذه الحماية.
ما أنا متيقن منه، أن ترامب قد يقلب الطاولة على رأس الجميع. ولكن تبقى «إسرائيل»، الثابتة تجاه كل هذه التقلبات في السياسة الأميركية. فهي من ثوابت ومحددات السياسة الأميركية.
القدس المحتلة فلسطين
0524533879
Quds.45 gmail.com