أزمة النازحين حل مؤقت أم مقدّمة للتوطين؟

محمد حمية

منذ تضمين قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الخاص بسورية الذي صدر العام الماضي عبارة «العودة الطوعية» وخطر توطين النازحين السوريين في دول اللجوء يتعاظم في ظلّ استمرار موجات النزوح بأعداد كبيرة.

ورغم إعلان وزارة الخارجية اللبنانية حينها تحفظها على عبارة «العودة الطوعية»، لما قد يترتب عليه من احتمال توطينهم في لبنان، وهو أمر يرفضه الدستور، غير أنّ توطينهم أو إبقاءهم على الأقلّ في مناطق وجودهم مع غموض المشهد السوري هو احتمال قائم وجدي، ما يطرح السؤال التالي كيف سيواجه لبنان الأزمة وهل يستطيع مقاومة القرار الأممي؟

لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد الحلول العملية والجذرية لأزمة النزوح، بل ارتفع عدد النازحين خلال حكومتي الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام الى أكثر من مليون ونصف مليون نازحٍ، بحسب الإحصاءات الرسمية، أما مع ولادة العهد الجديد وتشكيل حكومة «استعادة الثقة»، تمّ تخصيص وزارة دولة لشؤون النازحين وتشكيل لجنة وزارية في الجلسة الأولى للحكومة بعد نيلها الثقة لدراسة الملف ووضع الخطط ثم عرضها على مجلس الوزراء، فضلاً عن إيلاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هذا الملف اهتمامه الدائم والإشارة إليه بوضوح في خطاب القسم وفي البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري بأنّ الحلّ الوحيد هو إعادة النازحين الى بلدهم، غير أنّ الملف لم يُدرَج على جدول أعمال الجلسة الحكومية التي عقدت في السراي الحكومية الأسبوع الماضي ولا على جدول أعمال الجلسة التي تعقد اليوم في بعبدا، بانتظار أن تقدّم اللجنة المختصة خطة شاملة لمعالجة الأزمة، فهل ستتمكن الحكومة من إيجاد حلّ جذري لأزمة أنهكت البنى التحتية والمؤسسات وفاقت طاقة وإمكانات لبنان على مواجهتها وخلّفت تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية هائلة؟ أم ستسلك طريق الحلول المؤقتة التي يستغلها المجتمع الدولي كمقدمة لفرض التوطين المبطّن؟ وماذا لو طال أمد الحرب وتعقد الحلّ السياسي في سورية في ضوء ترجيحات وصول مفاوضات أستانة بين الدولة والمعارضة الى طريق مسدود؟ ما هو مصير مليوني نازح في لبنان؟

وإذ عقدت اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة منذ تشكيلها حتى الآن جلستين فقط، والتي تضمّ وزراء الداخلية والشؤون الاجتماعية والصحة والتربية والأشغال والدولة لشؤون النازحين، ولم تقدّم أيّ خطة شاملة، لكن محور عملها، بحسب ما أعلنت الحكومة، وضع دراسات وإحصاءات وتقارير جديدة لكلّ ما يتعلق بوضع النازحين، والتوجه الى الأمم المتحدة لطلب المزيد من المساعدات لتحمّل عبء النزوح وليس مطالبة المجتمع الدولي مساعدة لبنان لإعادة النازحين الى سورية الذي يتطلّب التواصل والتنسيق مع الدولة السورية، في حين أنّ أكثر من مسؤول أممي وأوروبي زار لبنان، عرض على الحكومة الاستعداد لتقديم المساعدات مقابل إبقائهم في لبنان.

وفي سياق ذلك، اعتبر وزير العمل في الحكومة السابقة سجعان قزي في حديث لـ»البناء»، أنه «من غير المطلوب من اللجنة الوزارية الحالية وضع دراسات لكيفية استيعاب لبنان لأزمة النزوح، بل وضع دراسة لكيفية استجابة المجتمع الدولي لمشروع إعادة النازحين الى سورية. وكلّ ما يحصل الآن يهدف الى تسهيل إقامتهم في لبنان»، ولفت قزي الى أنّ «حكومة الرئيس تمام سلام قامت بواجباتها في معالجة الأزمة والتقارير والدراسات والطروحات موجودة ولا ينقصها سوى التنفيذ وإرادة لبنانية وتجاوب دولي».

ويحذر قزي من أنّ توطين النازحين في لبنان والدول المجاورة حالة قائمة وله معنيان: الأول إعطاء جنسية للنازحين. وهذا غير وارد. لكنه حصل عبر مشروع تجنيس السوريين عام 1993، أما المعنى الثاني فهو التوطين المبطن كحالة وجود مستدامة للنازحين في لبنان وغياب أيّ حلّ جدّي لإعادتهم الى بلدهم». كما يتخوّف قزي من أنّ «الحلّ الأممي لأزمة النازحين يتمّ على حساب النازحين أولاً، وعلى وحدة بلدان دول المنطقة، واصفاً ما يجري بأنه مشروع دولي لتغيير الخريطة الديمغرافية في المنطقة من لبنان والأردن وسورية والعراق وغزة.

ويشير قزي إلى أنّ «حكومة سلام أوقفت النزوح في العام 2016، لكن عمليات النزوح استمرت كحالات فردية وارتفع العدد قليلاً بعد الحرب في حلب».

أما وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي فيؤكد لــ»البناء» أنّ «اللجنة ستكثف اجتماعاتها وستقرّر السياسة العامة للدولة في التعاطي مع مسألة النازحين»، موضحاً أنّ «ما تقوم به اللجنة هو حلّ مؤقت لكن يشكل بداية للحلّ النهائي أو جزءاً منه»، مشدّداً على أنّ «الحكومة ستعمل على إدارة الأزمة جدياً». ونفى أبي عاصي أن «تكون الجهات الدولية قد طرحت المساعدات على لبنان مقابل إبقاء النازحين»، لافتاً الى «وجود إجماع وطني على رفض هذا الأمر، جازماً بأنّ لبنان سيرفض أيّ عرض كهذا من أيّ مرجع دولي أتى»، ويلفت أبي عاصي الى أنّ «إمكانات لبنان وطريقة تعاطي الأمم المتحدة والوضع في سورية عوامل تحدّد توقيت الحلّ النهائي ولا يمكن التكهّن من الآن بما سيحصل في سورية، لكن نقل النازحين الى مناطق آمنة في سورية هو أحد الخيارات الرئيسية التي تبحث في اللجنة، لكن هذا الخيار يحتاج الى ضمانات من الأمم المتحدة».

ورغم النتائج الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على لبنان نتيجة أزمة النازحين، يبقى الأمن الخطر الأهمّ في ظلّ الانتشار العشوائي لمخيمات النازحين على الأراضي اللبنانية واستمرار تنظيم داعش تجنيد خلايا إرهابية للعمل لديه في لبنان، ويوضح وزير داخلية أسبق لـ»البناء» أنّ «اللجنة الحكومية غير معنية بالخطر الأمني للأزمة بل الأجهزة الأمنية هي المولجة بذلك، والتي تقوم بكامل واجباتها في ظلّ إمكاناتها الموجودة». ويوضح بأنّ «العودة الآمنة للاجئين الى مناطق آمنة في سورية، تتطلب ضمانات أمنية وسياسية وإنسانية من الأمم المتحدة للنازحين، الأمر الذي يحتاج إلى تنسيق حتمي مع الدولة السورية»، ويلفت الى أن مكان انتقال اللاجئين لا يعني الأمم المتحدة بقدر ما يعنيها الحؤول دون استمرار موجة النزوح الى السواحل الأوروبية.

ويشدّد الوزير المذكور على أن لا خيار أمام الحكومة اللبنانية لحلّ الأزمة إلا التنسيق مع الدولة السورية إنْ على صعيد الحكومتين أو الوزارات المعنية أو عبر قناة أمنية، لكن يتساءل مراقبون: كيف ستنجح اللجنة في إيجاد الحلّ في ظلّ انتماء أغلب أعضائها الى فريق سياسي معادٍ للدولة السورية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى