مؤتمر «النسبيّة» في الأونيسكو يدعو لخلق ضغط حزبي وشعبي لفرضها و«برلمان لكلّ البلد» يحذّر من «التواطؤ السرّي» لأطراف السلطة لإعادة إنتاج نفسها
تتواصل التحضيرات السياسية والحزبية المؤيّدة للنسبيّة من أجل إيجاد ضغط شعبي لفرضها ومواجهة قانون الستين أو ما يشبهه بالتوازي مع تحذيران من التواطؤ السرّي بين أطراف السلطة لصياغة قانون انتخابي تُعيد من خلاله إنتاج نفسها.
مؤتمر وطني
وفي هذا الإطار، نظّمت قوى وهيئات وشخصيات اجتماعية وثقافية أمس، «مؤتمراً وطنيّاً عن النسبيّة، تحت شعار «من أجل قانون انتخاب وطني على أساس النسبيّة الكاملة»، وذلك في قصر الأونيسكو.
استهلّ المؤتمر الإعلامي سركيس أبو زيد بكلمة، اعتبر فيها أنّ «في لبنان الخطيئة الأصلية هي قانون الانتخابات، وأساس علّة التسلّط والفساد هو قانون الانتخابات».
ورأى أنّ «مدخل الإصلاح والعدالة والمساواة هو قانون الانتخاب»، وقال: «إنّ الشبكة الحاكمة بمعظم أطرافها مختلفة في ما بينها على كلّ شيء تقريباً، لكنّها متّفقة على قانون الستين وأخواته. كلّ شيء في لبنان قابل للتعديل إلّا قانون الستين المستمرّ رغم تبدّل العهود وتنوّع الحروب وتغيّر الأحوال. إنّ معظم الشبكة الحاكمة موحّدة حول قانون انتخابي على قياس مصالحها، فهل نستطيع نحن أن نتوحّد حول قانون النسبيّة الشاملة المعبّر الوحيد عن طموحات شعبنا بالمساواة والحرية».
أضاف: «هذا المؤتمر هو المدخل والبوّابة، لذلك أنتم تقرّرون مستقبل لبنان عبر رصّ الصفوف للوقوف بوجه القوانين الانتخابية المشوّهة للديمقراطية»، ودعا إلى «رفع الصوت عالياً، رفضاً لأيّ قانون يُعيد إنتاج الشبكة الحاكمة والضغط من أجل إقرار قانون يؤمّن صحة التمثيل وعدالته».
كما دعا إلى «إقرار قانون النسبيّة الشامل، من أجل إعادة بناء الدولة على قاعدة المساواة والعدالة والمشاركة الشعبيّة».
بدوره، اعتبر النائب السابق نجاح واكيم، أنّ «الطبقة السياسية لا تقبل إلّا بإعادة توزيع الحصص والكتل والنوّاب»، وقال: «وسط هذه البلبلة، كلّ الصيغ التي تُطرح هي أقرب الطرق إلى الحرب الأهليّة من جديد»، لافتاً إلى أنّ «الحرائق المشتعلة تبدو في الأفق».
ودعا واكيم إلى تطبيق الدستور، وقال: «نسمع رؤساء الكتل يتحدّثون عن الدستور كما يبدو موضوع إنشاء. إنّ أيّ قانون لا يطبّق الدستور هو قانون غير شرعي»، ورأى أنّ «الحلّ يبدأ بقانون وطني لا طائفي مع النسبيّة على أساس دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي، ما يؤمّن صحة التمثيل».
من جهته، اعتبر الأمين العام لـ«رابطة الشغّيلة» النائب السابق زاهر الخطيب، أنّه «لا يمكن مطلقاً أن نصل إلى قانون انتخاب عصري إذا لم نعتمد مبادرة أوّلها الدستور، حيث الفقرة 9 من مقدّمته تقول بإلغاء الطائفيّة السياسيّة لأنّها هدف وطني، على أن يتحقّق وفق خطة مرحليّة، كذلك في المادة 22 من الدستور والتي تأتي على ذكر انتخاب وطني لا طائفي ويستحدث معه مجلس للشيوخ يمثّل العائلات الروحية والبتّ بالقضايا المصيريّة».
أضاف: «ثانيها، أن تكون النسبيّة شاملة لا تجزئة لها ولا تأهيل من دون قانون النسبيّة، إضافةً إلى أن يجري اعتماد لبنان دائرة انتخابيّة واحدة، وهنا عند حالة الاستعصاء وللتسهيل لتكن في المرحلة الأولى 5 دوائر، ورأى أنّ كلّ ذلك، مع جعل سنّ الانتخاب 18 سنة».
وخلص إلى أنّ «المَخرج هو باعتماد حلّ المجلسين»، وقال: «لذلك نحن نتحاور لنصل إلى حلّ يمكن أن يشكّل ولو مرحليّاً خطوة إلى الأمام على طريق النسبيّة وعلى أساس استبعاد قانون الستين والنظام الأكثري، لأنّ هذا القانون يُعيد إنتاج الطائفيّة السياسيّة المهيمنة والفاسدة والمفسدة».
بدوره، اعتبر رئيس «مركز بيروت للإعلام والدراسات» عبدو سعد، أنّ «قانون الستين قد مات إلى الأبد».
ورأى أنّ «نظام المحاصصة سببه النظام الأكثري، وأيّ دائرة من دون الدائرة الواحدة تنتقص من عدالة التمثيل. إنّ النظام الأكثري في بلد كما لبنان كلّه سلبيّات وليس له إيجابية واحدة، مقابل أنّ النسبيّة مع دائرة واحدة كلّها إيجابيات».
وقال النائب السابق عصام نعمان، إنّ «وزير الداخلية تقدّم بمشروع مرسوم من أجل تمويل الهيئة الانتخابية التي تراقب تنفيذ الانتخابات»، وأنّه «بصدد تحضير مرسوم من أجل دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات في موعدها المحدَّد، إلّا أنّ رئيس الجمهورية رفض تخصيص الأموال وأعلن جهاراً أنّه لن يسمح لنفسه ولن يجيز إجراء انتخابات على أساس قانون الستين أو التمديد لمجلس النوّاب، ما يعني أنّه لا انتخابات على قانون الستين ولا تمديد»، واعتبر أنّ «هناك احتمالاً قوياً جداً أن يدخل البلد في مرحلة فراغ سياسي».
وختم: «نحن اليوم أمام ظرف استثنائي إذا لم تُجرَ انتخابات على أساس الستين ولم يحصل التمديد، ما يعني ضرورة العمل على خلق ضغط شعبي لفرض النسبيّة»، داعياً الأحزاب إلى «التعاون لخلق هذا الجوّ الشعبي والالتفاف حول رئيس الجمهورية».
وكانت مداخلة لمستشار رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عصام إسماعيل ولعدد من ممثّلي الأحزاب، أكّدت جميعها «التمسّك بالقانون النسبي مع الدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفي».
«برلمان لكل البلد»
من جهته، أصدر «تحالف برلمان لكلّ البلد» بياناً تضمّن خطوات للضغط من أجل إقرار قانون انتخابي جديد «يفسح المجال أمام الكفاءات الشابة، ويرفض التواطؤ السرّي بين أطراف السلطة السياسية لصياغة قانون انتخابي تُعيد من خلاله إنتاج نفسها».
وأكّد أنّ «إعادة تكوين السلطة رهن بوجود قانون للانتخابات يضمن عدالة التمثيل للشعب اللبناني، حيث لا محاصصة بين فاسدين أمعنوا في الاستثمار في التحريض الطائفي والمذهبي لتأبيد بقائهم في السلطة».
أضاف: «مسيرتنا اليوم للضغط من أجل إقرار قانون انتخابي جديد يفسح المجال أمام الكفاءات الشابّة، ويحول دون استمرار استنساخ المجلس النيابي دورة بعد أخرى، هي نقطة البداية لتحرّكاتنا المقبلة من أجل رفض التواطؤ السرّي بين أطراف السلطة السياسية على صياغة قانون انتخابي تُعيد من خلاله إنتاج نفسها، وتُعيد تقاسم الحكومة والإدارات العامّة، وتغطّي صفقاتها وموبقاتها وسطوها على المال العام».
وتابع: «مرّت ثماني سنوات على الانتخابات الأخيرة في العام 2009، بعد تمديدين للمجلس النيابي لدورة كاملة من دون أيّ مسوغ قانوني. تحجّجوا بإقرار قانون جديد، وما زال الناس ينتظرون الوعود المعسولة. وها نحن على مقربة من موعد إجراء الانتخابات النيابية، وما زال مصير القانون مجهولاً. والمفارقة أنّه، وعلى أهميّته، لم يُدرَج على جدول أعمال مجلس النوّاب، ما يُظهر عدم جديّة تعاطي القوى السياسية مع هذا الملف».
ورأى أنّ «بعض الأحزاب السياسية التي تزايد علينا بمطالبها حول النسبيّة، إنّما هي تستعمل النسبيّة كورقة ضغط وتهويل على الآخرين، وهي لم تثبت يوماً جديّتها في تبنّي هذا المطلب. أمّا نحن، فنطلب النسبية بدوائر كبرى، لأنّها النظام الانتخابي الذي يتناسب مع صحة ودقة تمثيل اللبنانيين واللبنانيات».
وطالب بأن «تكون النقاشات في هذا الموضوع مفتوحة وعلنيّة وتحت قبّة البرلمان، وليس في اجتماعات سريّة تعيد إنتاج قانون الستين الجائر أو ما يشبهه، ولتعلموا أنّ الناس قد فقدوا الثقة وأدركوا الخطايا، ولن يقبلوا أن تُغتصب إرادتهم بعد اليوم».
وذكّر «بأنّ العدّ العكسي لإقرار القانون بدأ في آخر العام 2016، ما يعني أنّه لديكم 28 يوماً، أي حتى 20 شباط موعد دعوة الهيئات الناخبة ، للقيام بواجبكم الذي فشلتم في إنجازه في الثماني سنوات الماضية».
وطالب المجلس النيابي «بإقرار قانون انتخابي جديد يحقّق عدالة التمثيل بين المواطنين بمختلف فئاتهم السياسية، إجراء الانتخابات النيابيّة بموعدها من دون تأخير حتى ليوم واحد، وسحب كلّ ما يمتّ للتمديد أو التأجيل أو ما شابه من التداول كلّياً، كما نصرّ على المطالبة بنسبيّة حقيقيّة، لا نسبيّة مشوّهة ومقنّعة بأكثريّة تحقّق لكم النتائج التي تريدون».
وتابع: «نريد قانوناً يضمن الإصلاحات كافّة التي نطالب بها منذ أكثر من عشر سنوات، وهي: اعتماد النظام النسبي ضمن دوائر كبرى، تشكيل هيئة مستقلّة لإدارة وتنظيم الانتخابات، اعتماد لوائح رسميّة موحّدة لضمان حرية وسريّة الاقتراع، اعتماد الكوتا النسائيّة لإيصال نسبة لا تقلّ عن الثلث من النساء إلى البرلمان، تنظيم الإعلام والإعلان، وسنّ قوانين تلحظ التطوّر الذي طرأ على هذين القطاعين، تنظيم المال الانتخابي، ورفع السرّية المصرفيّة عن حسابات المرشّحين وأصولهم وفروعهم، تخفيض رسم الترشّح، أن يخضع القانون الانتخابي لأحكام الدستور ويساهم بشكل تدريجي في إنتاج مجلس نيابيّ خارج القيد الطائفي».
وطالب البيان وزارة الداخلية والحكومة «بتأهيل وتجهيز مراكز الاقتراع بما يتناسب وحاجات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنّات والمسنّين، تعيين أعضاء هيئة الإشراف على الحملة الانتخابيّة بأسرع وقت، ولا سيّما أنّ موعد تشكيلها كان في التاسع عشر من الشهر الحالي».
وختم:»لقد صبرنا على التمديد وتحمّلنا الفشل ثمانية أعوام، فلتكونوا على قدر المسؤولية ولو لمرة واحدة، ولتقرّوا قانوناً عادلاً وممثّلاً للجميع تحت شعار: بدنا برلمان لكلّ البلد بمثّل كلّ البلد».
«اللقاء الديمقراطي»
في غضون ذلك، استقبل رئيس حزب «القوات» سمير جعجع في معراب وفداً من «اللقاء الديمقراطي»، ضمّ: وزير التربية مروان حمادة، النوّاب: أكرم شهيّب، هنري حلو، وائل أبو فاعور، وعلاء الدين ترو، وتيمور وليد جنبلاط، في حضور النائبين جورج عدوان وأنطوان زهرا والأمينة العامة للحزب شانتال سركيس.
وعقب اللقاء، قال جعجع: «نحن والحزب التقدّمي الاشتراكي لدينا كلّ النيّة بالتوصّل إلى قانون انتخابي جديد، ولكن في الوقت عينه يراعي متطلّباتنا واحتياجاتنا جميعاً، إذ لا يمكن أن يكون فريق مرتاحاً في البلد إذا لم يكن الفرقاء الآخرون مرتاحين».
وإذ شدّد على أنّه «يهمّنا أن يكون الحزب التقدمي الاشتراكي مرتاحاً لأيّ قانون انتخابي جديد يبحث فيه، في ظلّ ما يطرح من قوانين انتخابية»، كشف أنّه «خلال اليومين المقبلين ستظهر النتائج النهائيّة لكلّ المباحثات الحاصلة، وسوف ننكبّ نحن والحزب الاشتراكي على دراسة كلّ الاقتراحات المطروحة للتفاهم على القانون الأفضل بينها مع الفرقاء الآخرين، لنتّجه في أقرب وقت ممكن إلى قانون انتخابي جديد باعتبار أنّ الجميع مقتنع أنّه لا يمكن الاستمرار بقانون الستين، كما أنّنا مقتنعون أيضاً أنّه لا يمكننا إقرار قانون الانتخابات بمعزل عن أحد».
من جهته، استقبل رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط مساء أمس في دارته في كليمنصو، رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، وعرض معه التطوّرات السياسية الراهنة.
وكان جنبلاط غرّد على «تويتر» بالقول: «غير منطقي القول إمّا النسبية أو الفراغ، هناك احتمالات عدّة غير هذه النظرة الأحاديّة، الحوار هو الحلّ بدل الإقصاء».