قالت له
قالت له: إن أردت تشبيه الحبّ بإحدى مراحل الحياة، فماذا تختار؟
فقال لها: المرحلة الثانوية من التعليم.
فقالت: ولماذا تفعل؟ لأنني توقعتك تقول صفوف الجامعة. ففيها كالمرحلة التي تسبقها تخفّف من هموم إدارة المسؤوليات المالية، وقدر من الفوضى الاقتصادية. لكن فيها بعضاً من نضج الشخصية ورومنسية الأحلام والخروج من فوضى التعرّف والاختبارات إلى وضوح الاختيارات. فأراك اخترت المراهقة.
فقال لها: في الجامعة تخصّص ولهذا تنسبينه إلى الحبّ بما هو تخصيص لفرع واحد ومادة واحدة. لكنّني اخترت المرحلة الثانوية لتنوّع موادها. ففيها الرياضيات لتعلّم حساب العواقب، وفيها الأدب العربيّ لتعلّم الشعر، والأدب الأجنبيّ لتعلّم اللياقات، والفلسفة والتاريخ والجغرافيا لدراسة الماضي والحاضر والمستقبل وإتقان التعرّف إلى التضاريس والموارد ومصادر الطاقة.
فضحكت وقالت: أكمل أيها الشيطان.
فقال لها: وفيها تعلّم الحساب مرّة أخرى للتعرّف إلى كيفية إدارة البيوت والمنازل وتكوين العائلة. ولكن فيها الكيمياء وكيف يكون حبّاً بلا كيمياء وفيها الفيزياء وكيف يكتمل الحبّ بلا التكامل الفيزيائي.
فزادت ضحكاً وقالت: لو لم يكن سؤالي فجائياً لقلت إنك أعددتَ الجواب. لكنّني سأتابع سؤالي: لماذا لم تختر الجامعة وما فيها من نضوج الاختيارت والخروج من فوضى الاختبارات؟
فقال لها: تخيّلت أن يكون اختصاصي علم الفلك لأبقى أسير الأبراج، أو يكون الطبّ فأتوه بين غرف العمليّات والإنعاش. أو الهندسة فأتسكّع بين خريطة ومسطرة. أو أيّ مهنة تفرض في تخصّصها طباعاً على صاحبها فتصير الأحادية هنا ليست أحادية الاختيار، بل أحادية الطباع. وأنا من أنصار أن نختار أحداً لكن أن نتقن العيش معه بكلّ وجوه الحياة، حياتنا متعدّدة الوجوه، وحياة الشريك متعدّدة الوجوه. فنحبّ فيه الفرح والحزن والسكينة والغضب والضجيج والهدوء والذكاء والبساطة والعفوية والتخطيط، وإلا تخيّلي حبّاً يسير على قدمٍ واحدة، متخصّص كحال الذي اشترى قمقم المارد بمبلغ فاحش القيمة متوقّعاً حلّ مشكلات الأهل والجيران والأصدقاء، ولمّا فرك الغطاء وظهر المارد سأله الحاجات وردّ القضاء، فاعتذر المارد لأنه متخصّص فقط بتقديم الشاي.
فانقلبت على ظهرها ضاحكةً تسأله: وما هو تخصّصك أيها المارد.
فقال: الضحك.
فقالت: وما أحلى الحبّ عندك؟
فقال: إغفاءة على كتف حبيب في لحظة ضعف.
فرمت يثقل رأسها على كتفه وغفت.