أردوغان يتوجس ويترقب السياسة الاميركية الجديدة في المنطقة
د. هدى رزق
جاء تصريح الرئيس الاميركي دونالد ترامب، بالعمل على دراسة اقامة منطقة آمنة في سورية من أجل السوريين النازحين، مفاجئا. لكنه لم يذكر تفاصيل في أي منطقة في سورية يتوخى اقامة هذا المشروع، الذي لطالما حلمت تركيا باقامته وضغطت على الإدارة الاميركية السابقة، من اجل الموافقة عليه، لكنها كانت تصطدم بموقف وزارتي الدفاع والخارجية الاميركيتين، اللتين لطالما كانتا تحتجان بضرورة موافقة روسيا والصين، من جهة وبأن الأمر يتطلب وضع أعداد كبيرة من القوات الأميركية على الأرض. لكن تركيا كانت تعتبر المنطقة الامنة بمثابة قاعدة للمعارضة المسلحة، التي كانت تدعمها ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
تحولت سياسة تركيا في الأشهر الأخيرة، بعد ان سعت لإصلاح العلاقات مع روسيا، بعد خلاف حول اسقاط الطائرة الروسية في 2015، الذي انعكس قطيعة اثرت على الاقتصاد. تخلت عن حملتها لإسقاط الأسد وعملت بالتعاون مع روسيا وايران، للمساعدة على تعزيز وقف إطلاق النار بين المعارضة المسلحة والنظام، في اجتماع العاصمة الكازاخستانية في أستانا، حيث تم عقد الاجتماع بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة السورية حول طاولة واحدة، من اجل المساعدة على ايجاد حل بعد خمس سنوات من الحرب.
حاولت تركيا انجاح المحادثات في أستانا، التي ستشكل مرحلة مهمة في سورية. وقال مسؤول تركي رفيع المستوى، إنهم تمكنوا من اجتياز عتبات رئيسية في أستانا، الأمر الذي سيجعل من محادثات جنيف المرتقبة يوم 8 شباط أكثر كفاءة. واعتبر انه لا بد من اتباع المسار الاممي، من اجل إيجاد حل سلمي وسياسي للقضية السورية تحت المظلة الدولية. وثمنت انقرة الوحدة التي اظهرتها الجماعات المعارضة، حيث وقفت موحدة ومتضامنة في ألاستانا. وهذا أمر اعتبرته مهما جدا، من الذين يتمركزون في الدوحة أو في اسطنبول وعملوا جميعا في وحدة.
الوضع إذاً تغير بشكل كبير، منذ تدخلت روسيا في سورية في أيلول ونشرت الولايات المتحدة مئات عدة من قوات العمليات الخاصة في شمال شرق البلاد، الذي يسيطر عليه الأكراد لمحاربة «داعش». فلماذا طرح المنطقة الآمنة في هذا الوقت بالذات؟ تبدو تركيا مرحبة بمنطقة آمنة ترعاها الولايات المتحدة في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، لكنها في الوقت عينه، تخشى من اقامة المنطقة حيث يسيطر الاكراد. وهذا السيناريو يعتبر كابوسا بالنسبة الى انقرة، اذ تعتبره تكرارا لما حدث مع الأكراد في شمال العراق، الذي وضع الأسس للحكم الذاتي الكردي العراقي.
تتوجس تركيا من بعض تصريحات الرئيس الاميركي، اذ علق أردوغان على تصريحات ترامب وقال: «اننا ننتظر لنرى ما سوف يقوله السيد ترامب حول الشرق الأوسط». واضاف: «إنّ بعض التصريحات تبدو مقلقة، فنحن ،حترم سلامة الشرق الأوسط ووحدة أراضيه»، ردا على ما أدلى به أعضاء في حكومة ترامب، بشأن تقسيم محتمل لسورية وظهور كيان كردي مستقل هناك.
تبدو أنقرة مستاءة من قرار ترامب ابقاء بريت ماكجورك، مبعوث أوباما الخاص لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد «داعش»، فأنقرة لديها نقد على ماكجورك، كونه مؤيدا لأكراد سورية الذين تعتبرهم أنقرة ارهابيين. تخشى انقرة من اتباع ترامب سياسة أوباما نفسها، تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، الطامحة لاقامة دولة، عندها ستتخذ انقرة موقفا يتهدد العلاقات التركية الاميركية.
ما يزعج تركيا ليس هذا الموضوع فقط، انما خطاب ترامب حول «الإرهاب الإسلامي» فهو معاد للإسلام، الامر الذي حمل مؤيدي أردوغان على الاستياء. لذلك، قال أردوغان أن مصطلح «الإرهاب الإسلامي» مسيئ للمسلمين وهو إهانة للإسلام. وقال إن «الإرهاب لا دين له». كذلك، أثار تصريح ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، الحساسيات الإسلامية وقاعدة دعم أردوغان، المؤيدة بقوة للفلسطينيين و«لحماس» ومعادية لـ«إسرائيل».
قد تتخذ ادارة ترامب إجراءات قانونية ضد غولن، لكن ليس لأنه متهم بمحاولة الانقلاب الفاشل في 15 تموز في تركيا، بل بسبب قيامه بتشغيل شبكة اسلامية. ففريق عمل ترامب، هو علنا ضد الدعاة المسلمين. كما أن مستشار الأمن القومي مايكل فلين، يعتقد ان «الإسلاموفوبيا» هي امر عقلاني. كذلك، يعتقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية أن الحكومة الايرانية «كذلك أردوغان – كلاهما يمثل دكتاتوريات اسلامية شمولية». أما راكس تيلرسون، فليس معروفا عنه عداءه للإسلام ولكن في شهادته أمام لجنة الكونغرس، قال بوضوح، أنه بعد القضاء على «داعش» في سورية والعراق، ستكون «القاعدة» هي الهدف المقبل، كذلك «حزب الله» الموالي لإيران و«الاخوان المسلمين».
ليس لدى أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية اعتراض في القتال ضد تنظيم «القاعدة»، فتركيا تقاتل ضدهم في أفغانستان وسورية وتركيا. قد تكون هناك مشاعر مختلطة ضد «حزب الله» ولكن الحزب يعني إيران من جهة أخرى، لكنه لن يكون من السهل على حكومة حزب العدالة والتنمية وضع جماعة «الإخوان المسلمين» على قائمتها السوداء، فتركيا هي حامية «الاخوان» واصبحت تشكل مرجعية لهم.
لكي لا يقوض توقعاته من الادارة الجديدة، اختار أردوغان أن يغفل تصريحات مايكل فلين، مستشار الأمن القومي لترامب. الذي شبّه في آب الماضي الاسلام بـ«السرطان» معتبرا أنه لا بد من القضاء عليه، كالفاشية والإمبريالية والشيوعية.
لن يمضي وقت طويل لظهور التباينات بين ترامب وأردوغان، لا سيما وانه من غير المرجح أن تتغير سياسة واشنطن الكردية بشكل أساسي، بل يبدو انها مستمرة، مع ترامب الذي يقول بعض عارفيه انه لا مشكلة لديه مع الإسلام كدين ولكن مشكلته هي مع الإسلام السياسي. لكنه يعتبر أردوغان احد رموزه.