صحافة عبريّة

كتب آيال زيسر في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:

محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة في سورية، التي بدأت في هذا الاسبوع في أستانة عاصمة كازاخستان، لم تُحدث ـ ومشكوك فيه أن تُحدث في المستقبل القريب ـ انعطافة تؤدّي إلى انهاء الحرب الدموية لدى «جيراننا» منذ حوالى ست سنوات. ورغم ذلك، الحديث يدور عن خطوة هامة في الاتجاه الصحيح الذي لم يكن بالامكان تخيله قبل بضعة اشهر. الحديث يدور عن انجاز دبلوماسي يسجل بالكامل لفلاديمير بوتين، الرئيس الروسي والشخص الاقوى في الشرق الأوسط.

إن انجاز بوتين يُظهر فراغ الشعارات والكليشيات التي يردّدونها في «إسرائيل» والعالم من مضمونها، حول ضرورة ايجاد وسيط نزيه يعمل من اجل تحقيق السلام العادل كشرط لتحقيق السلام في منطقتنا، بين «إسرائيل وجيرانها». وعلى رأس ذلك السلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين.

في نهاية المطاف، السلام الذي يسعى اليه بوتين في سورية، ليس سلاماً عادلاً، بل هو سلام الأقوياء الذي يعتمد على القوة والمصالح. وإضافة إلى ذلك، بوتين بعيد عن أن يكون وسيطاً نزيهاً. فهو وسيط له مصالح واتخذ موقفاً واضحاً مؤيداً لأحد الاطراف في الصراع، هو بشار الاسد، لا بل تجند للمحاربة إلى جانبه. إلا أن بوتين نجح رغم ذلك في المكان الذي فشلت فيه جوقة المتلونين الدولية التي قدمت النصائح، لكنها لم تفعل أي شيء للدفاع عن السكان المدنيين وعن القيم الاخلاقية. ولو كان الامر مرتبطاً بنيويورك حيث توجد الامم المتحدة أو واشنطن وبروكسل حيث يوجد مقر الاتحاد الأوروبي لكانت الحرب في سورية استمرت بكل قوتها.

الامر اللافت هو أنه في السنة الماضية ضرب بوتين بقوة معسكر المتمردين في سورية، وقتل الآلاف منهم ومن مؤيديهم. وقام بدون رأفة بمحو قرى ومدن وزرع الدمار، الامر الذي أدى إلى فرار عشرات أو مئات الآلاف من المواطنين المؤيدين للمتمردين، أو الذين وجدوا أنفسهم في مناطق القتال. والآن يزحف المتمردون على الجمر من اجل تقبيل يد بوتين الضاربة أو تقبيل حذاءه.

والامر اللافت أكثر هو أنه طوال ذلك الوقت كان لواشنطن تواجد عسكري في أرجاء الشرق الأوسط ـ جنود وطائرات وسفن حربية ـ بشكل يفوق تواجد روسيا العسكري. لقد أرسلت روسيا إلى الحرب في سورية عشرات الطائرات واسطول صغير. ورغم ذلك، مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وصلت إلى مستوى متدنّ غير مسبوق، ولم يعد أحد يحسب لها حساباً، مثلما وصف ذلك الرئيس الأميركي الجديد ترامب. وفلاديمير بوتين، في المقابل، يحترمونه ويخشون منه في الشرق الأوسط.

الوجه الآخر لقطعة النقد هي أن بوتين مخلص لطريقه ومصالحه، ولا يعطي أي اعتبار لبشار الاسد ايضاً، الذي أرسل الطائرات والجنود الروس للدفاع عنه. ولم يكلف نفسه عناء استدعاءه إلى مؤتمر الكبار في موسكو، حيث اتفق في الشهر الماضي مع تركيا وإيران على خريطة الطريق لإنهاء الحرب السورية. أما مع شركائه إيران وتركيا، فهو يتعامل بصيغة فرّق تسد، ويستغل العداء والمنافسة بين الدولتين لتحقيق مصالحه.

إن الدرس من نجاح بوتين في سورية، على المستويين العسكري والدبلوماسي، يجب على «إسرائيل» أن تتعلّمه. يجب ألا تتملق أو تسعى إلى إرضاء المستمعين، بل يجب عليها التصميم على مصالحها وأن تستعرض قوتها. فهذا هو مفتاح النجاح في منطقتنا. من يريد اجراء مفاوضات «إسرائيلية» ـ فلسطينية، وتحقيق قفزة نوعية، يجدر به أن مراعاة كل ذلك.

من الجيد إذا أن يسعى ترامب إلى تحقيق اتفاق بين «إسرائيل» والفلسطينيين. وألا يستمع لمن يطلبون منه الابتعاد عن «إسرائيل» وعدم الايفاء بتعهده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. ليس هكذا سيحظى برضى العرب، وليس هكذا سيحقق السلام والاستقرار في المنطقة.

«الجرف الصامد»… تقرير محزن لا حاجة إليه

كتب دان مرغليت في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:

«الجرف الصامد أ»: تقرير مراقب الدولة يوسف شبيرا حول عملية الجرف الصامد تقرير محزن، لكن معظمه لا حاجة إليه، لأن العملية العسكرية تمت بالشكل المناسب. ومثل كل خطوة معقدة كانت فيها أيضاً أخطاء في التنفيذ وفي التقديرات. ليس مثل حرب لبنان الثانية عام 2006 التي دخل إليها إيهود أولمرت من دون تفكير أوّلي. «الجرف الصامد» تدهورت أثناء فقدان سيطرة القيادة على ما يحدث في الميدان، لكن بنيامين نتنياهو وموشيه يعالون وبني غانتس قاموا بإدارتها بالشكل المناسب، رغم الأخطاء التي قد ترافق كلّ معركة كهذه.

منذ البداية لم يكونوا يريدونها، وحاولوا الامتناع عن الدخول في عملية برّية. وقصفوا «حماس» من الجوّ والبحر بشكل كبير، يمكن أن يكون مبالغاً فيه، ومن دون أيّ خيار دخلوا إلى الأنفاق، وفي الحاصل النهائي تصرّفوا بحكمة، أطالوا أيام الحرب، لكنهم قاموا بإنقاذ جنود الجيش «الإسرائيلي»، لأنه كانت هناك مبادرات لوقف إطلاق النار شملت هدوءاً في الحرب، ولـ«إسرائيل» كانت أسباب سياسية معقولة بعدم إدارة الظهر، خصوصاً عدم توريط مصر والخروج معها ضدّ «حماس». وقد كانوا على حق. هذا هو المنطق في الصيغة الكلاسيكية لكلاوزفيتش بأنّ الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. والعكس صحيح أيضاً.

الأمر الذي اقترحه نفتالي بينيت وآفيغادور ليبرمان كان بمثابة الفيل في حانوت الأدوات الزجاجية. ما الذي أراداه؟ القضاء على حكم «حماس». هذا لم يكن هدفاً واقعياً، لكنه شعبوي. والقادة الثلاثة لم يستجيبوا لهذه الشعارات. ويجب قول الحقيقة وهي أن هذه العمليات تعطي سنتين أو ثلاثاً من الهدوء ولا تقضي على العدو. وفي هذا التعريف الحديث يدور عن قصة نجاح كبيرة.

هذا هو الواقع على قدم واحدة، والباقي هو من اختصاص التحقيقات في الجيش «الإسرائيلي»، وليس تحقيقات شبيرا.

«الجرف الصامد ب»: لقد دافع نتنياهو في خطابه في هذا الاسبوع عن نفسه من خلال ادّعاء أنه عند تلخيص النقاش الأمني السنوي، طُرح موضوع الأنفاق. يوجد خطّ دفاع واحد أكثر تعقيداً: هذا غير هام. لنتنياهو ويعالون وغانتس والجهاز العسكري صلاحية كاملة في القول إن الأنفاق ليست أولوية أولى. مثلاً من الافضل الاستثمار في تحصين السيارة أو بناء القبة الحديدية أو الاستخبارات ضد إيران وبعد ذلك الأنفاق. لأنه لا توجد ميزانية تكفي كل شيء. في هذه الحالة، حتى لو أخطأت القيادة في التقدير وهاجمت «حماس» الجيشَ «الإسرائيلي» من خلال استخدام الأنفاق، واستطاع الجيش «الإسرائيلي» التفوّق على «المخرّبين» حتى لو كان متأخراً وبثمن أكبر. هذا قرار منطقي حتى لو كانت نتيجته مخيّبة للآمال.

لقد ذكّرني ذلك بنقاش مع إيهود باراك، عندما عُيّن رئيساً للأركان. كان تقديره أنه لن تندلع حرب أثناء ولايته، وقام بتقليص القوات البرية والجوية من اجل تحويل الجيش «الإسرائيلي» إلى جيش تكنولوجي ومتقدّم. ولذلك أدار نصف الظهر للعدو. وعندما قلت له إن الحروب تندلع في الشرق الأوسط من دون نيّة من الطرفين، وأنه يقوم بإضعاف الجيش «الإسرائيلي» من دون أن يكون لديه سلاح متقدّم، أجاب أنه في هذه الحالة سيضطر الجيش إلى الانتصار بثمن أكبر ومدة أطول، وأن لا خيار آخر. يجب اتخاذ خيار معقول. وهذا سيسبب لك لجنة أغرينات ثانية. قلت له. فأجاب إن هذا صحيح، وانه سيقول للجنة: لا يمكن فعل كل شيء. وفي الاسبوع الماضي سمعت في لقاء جرى في بيت البروفسور يارون زليخة، من ضابط رفيع في الاستخبارات عن الاسهام الكبير لقرار باراك الخطير في ادارة الظهر للعدو وجعل الجيش «الإسرائيلي» أكثر حداثة وتكنولوجية.

الاقوال نفسها تقال حول الأنفاق. الخطأ في إعطاء الاولوية للأنفاق هو واقعي رغم النتيجة المؤلمة. كان من المفروض أن يعرف شبيرا ذلك.

«الجرف الصامد ج»: بينيت لم يتصرّف بحسب المعايير عندما تحدث مع ضباط متدينين من وراء ظهر يعالون وغانتس. وعاد من النقب مع فكرة أن قائد كتيبة «جفعاتي»، عوفر فنتر، يمكنه الوصول إلى البحر. عندها كان باستطاعة الجيش «الإسرائيلي» القضاء على حكم «حماس» وتدمير الصواريخ. وماذا؟ بحسب بينيت لم تكن «إسرائيل» ستعود إلى احتلال غزة بشكل دائم. ولكن في الواقع كانت ستضطر للبقاء هناك، حيث أنه خلال ملاحقة الصواريخ كانت ستتم صدامات وكان الجنود سيقتلون. أيضاً إلى لبنان أدخل الجيش «الإسرائيلي» في عملية سريعة استمرت 18 سنة.

آفيغادور ليبرمان وعد بالقضاء على «حماس» خلال 48 ساعة. ونحن نأمل في أن يكون قد أصبح بالغاً. أما بينيت فلم يصبح بالغاً بعد. احتلال غزة كان دائماً خطأ. اسحق رابين واسحق حوفي ويشعياهو غفيش قاموا بتمرير فم وزير الدفاع موشيه ديان، واحتلوا القطاع في حرب الايام الستة. وكلّ ولد يفهم أنه من الافضل السلوك بحسب نصيحة ديان وإبقاء غزة في أيدي المصريين. ففي مصر أيضاً عرفوا ذلك. لهذا لم يرغب أنور السادات في استعادة قطاع غزة بعد توقيع اتفاق السلام مع «إسرائيل» عام 1978.

إن احتلال غزة للحظة كان سيدوم لسنوات، وكانت العمليات ستتجدد والاحتكاك مع العالم سيزداد، وكنّا سنشتاق خلال بضعة اشهر لصواريخ القسام.

بنيامين نتنياهو لم يخترع الجلّ عندما زعم أن التحقيق يسعى إلى إسقاط حكومته. فقد سبقه رؤساء حكومات وسياسيون رفيعو المستوى. بدأ بذلك آرييل شارون الذي دخل في غيبوبة لم يقم منها، وإيهود أولمرت الذي ما زال في سجن معسياهو، وقبله ابراهام هيرشزون الذي تحرّر من السجن، وبنيامين بن آليعازر الذي أنقذ بموته أموال الفساد التي ذهبت لورثته.

لا أحد خطّط لإسقاطه. نتنياهو تذكر الاهتمام الذي منحه للتحقيق مع أولمرت، وليهدأ، لأنه مقارنة معه، أعضاء «الكنيست» من «العمل» و«ميرتس»، قد غفوا اثناء الحراسة.

تحقيق الـ«ملف الألف» يخصّ صديقه أرنون ملتشن. شهادته في الشرطة ستضع علامة سؤال حول الصداقة. ولكن خصومه السياسيين ليسوا هناك.

أيضاً «ملف ألفان» الذي يبدأ بالتحقيق مع رئيس مكتبه السابق آري هارو، لا يخص أحداً من خصومه. وسيتبين في المستقبل كيف ومن كان يحمل الأداة التي سجلت المحادثتين مع أرنون موزيس. ولن نرى ناشطاً يسارياً قرب المكان.

يوجد تحقيق وهو يضع نتنياهو وموزيس في تساؤل أخلاقي. وفي المستقبل سنعرف اذا كان هناك عمل جنائي أم لا. وجميع الدموع والغضب والعرق هي الآن ليست في مكانها.

لقد تصرّف قائد الشرطة روني ألشيخ بالشكل المناسب عندما حذّر المقرّبين من بنيامين نتنياهو بعدم استخدام التهديد والضغط على ضباط الشرطة المخلصين الذين يحققون مع رئيس الحكومة الحديث لا يدور عن شخص واحد فقط، بل مجموعة صغيرة . هؤلاء الاشخاص، لم يكشف ألشيخ من الذي يشتبه فيه أو اذا كانوا خرجوا من صفوف «شاباك» والشرطة، وهم الآن محققون خاصّون، حاولوا تهديد هؤلاء الضباط بنشر معلومات مهينة تم ارسالها بشكل متعمد إلى أبناء عائلاتهم للتأثير عليهم في موضوع نتنياهو.

ألشيخ لم يكتف بذلك، بل قام بالاتصال مع أبناء العائلة، وواسى الزوجة والاولاد بأن والدهم يقوم بعمله بإخلاص من أجل التوصل إلى الحقيقة. لا مفتشي شرطة كثيرين يتصرّفون بهذا الشكل. الاعلان الدراماتيكي والاستثنائي في تاريخ الشرطة حقق هدفه. لقد تحفظ نتنياهو ممّن يهدّدون المحققين، رغم أنه ظهر في اليوم التالي على منصّة «الكنيست» وقدّم ادّعاءاته وكشف أمام من سيتم التحقيق معه أو أخذ شهادته، ما هو خط الدفاع المناسب له.

ادّعى نتنياهو أنه لا يعرف عمّن يدور الحديث. ألشيخ أيضاً ملأ فمه بالماء حول هوية المهدّدين هل هناك أحد على المهداف؟ في الوقت الذي يعتقد فيه ألشيخ ومندلبليت أنهما يعرفان من الذي قام بتسريب التسجيلات حول محادثات رئيس الحكومة وموزيس. وحول هوية المهدّدين لمحققي الشرطة، الجواب غامض .

الاشخاص الذين عملوا معه لسنوات طويلة لم يستغربوا. لقد قالوا إنه دائماً يركز على الهدف. ولم يسأل ماذا ستكون المهمة التالية، وهل ستلقى على عاتقه، بل كيف سيصل إلى النتيجة الافضل. هكذا أيضاً في منصبه الحالي كمفتش للشرطة. هو نفسه قال مازحاً أكثر من مرة إنه لا يمكن الضغط عليه. فلا يوجد مكان أسمى له في الشرطة.

«الديمقراطية الإسرائيلية» في خطر. اقتراحات القانون التي تطرح في الائتلاف الحالي تقلّص الحرّيات وتزيد سلطة القانون. الأمر الذي بدأ كصراع ضد المنظمات التي تضعف مكانة «إسرائيل» في العالم، وصلت إلى البيت التحذيرات تتحقق بشكل سريع، أكثر مما توقعه المتشائمون.

الائتلاف بادر إلى قانون ضدّ من يؤيدون المقاطعة الدولية، وطلب كبح «نحطم الصمت»، وقريباً ستتم إقالة عضو «الكنيست» باسل غطاس الذي اتهم بمخالفات أمنية خطيرة. وها هو التوجه غير الديمقراطي يميز سلوك الحكومة.

بحسب دافيد أمسلم من «الليكود»، يجب عدم التحقيق مع رئيس الحكومة بتهمة الرشوة والخداع وعدم الثقة. وبحسب غالبية وزراء الحكومة يجب السماح لهم بتعيين أعضاء المركز في أحزابهم، الذين يسيطرون على الانتخابات التمهيدية في المناصب والوظائف الرفيعة. والسماح للسياسيين بالتحقيق مع المرشحين، وكذلك قلب محكمة العدل العليا على رأسها، وأن يكون فيها فقط اشخاص تابعين لأحزابهم. والآن اقتراح تحويل المستشارين القانونيين ليس إلى محللين للقانون، بل إلى أبواق للسياسيين، بما في ذلك المستشار القانوني للحكومة.

عضو «الكنيست» أمير أوحانا، وصل للتوّ إلى «الكنيست» وهو يعمل من اجل تقييد المستشارين القانونيين، وتمهيد الطريق أمام الرشوة والفساد بِاسم النجاعة. هذا هو الواقي لمن يخالفون القانون من اصحاب الياقات البيضاء وأعضاء مركز الحزب.

الدكتور آفيحاي مندلبليت رفض المبادرة. وحاول أن يقول لأولئك الذين يعارضون سلطة القانون إن المستشارين القانونيين يساعدون الحكومة في التصرف ضمن إطار القانون ومنع التمييز ضدّ المواطنين وتشويه السلطة. هذا جيد، لكن الآذان لا تسمع لأن السياسيين يريدون رغد السلطة وراحتهم بأي ثمن. وإذا كان الامر هكذا، فإلى متى سنتفاخر قائلين: «نحن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟».

فرصة تاريخية لتغيير خريطة الشرق الأوسط

كتب آريه الداد في صحيفة «معاريف» العبرية:

أشواق للرئيس باراك أوباما. لا تقلقوا. لست أنا من أشتاق. انه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كم كان سهلاً في عهد أوباما. كان هناك من تعلق على رقبته كل أوجه الضعف والمخاوف والتردّدات وجرّ الأرجل والتجميدات، وكذا الاكاذيب.

عندما عاد نتنياهو من لقائه الاول مع أوباما، جاء إلى لجنة الخارجية والامن. رأيت أمامي زعيماً مصاباً بصدمة المعركة. فالسنوات الطويلة التي قضيتها في سلاح الطب في الجيش «الإسرائيلي» أهّلتني لأن أشخّص بسهولة مثل هؤلاء الجنود. ولكن مثل بعض المعوقين المهنيين الذين جعلوا جراحهم مصدر الدخل الاساسي لهم ـ جعل نتنياهو ايضاً الاصابة التي تلقاها ميزة، أو شماعة يعلق عليها كل مظاهر ضعفه. منذ ذاك اليوم كان هناك من يعلق عليه كل انسحاب وكل تراجع. ألقى أوباما خطاب القاهرة خاصته في 4 حزيران 2009. بعد عشرة أيام من ذلك تقدم نتنياهو بكتاب الاستسلام خاصته في خطاب «بار ايلان»، والذي وافق فيه على إقامة دولة فلسطينية. ومنذئذ، وإن كان أثبت في مواضيع اخرى أنه يعرف جيداً كيف يواجه ضغوط أوباما ولم يتردد في الوقوف ضده في المسألة الإيرانية والسير على رأسه إلى الكونغرس الأميركي، ففي الموضوع المركزي لوجودنا هنا منع إقامة دولة فلسطينية في قلب وطننا واصل نتنياهو الشرح والتبرير لكل استسلاماته لأوباما الرهيب.

في 20 كانون الثاني صعد التبرير إلى مروحية وطار إلى واشنطن. وماذا سيفعل الآن نتنياهو؟

رئيس الوزراء هو فنان عظيم في جر الارجل وتأجيل القرارات، ولكنه يقف الآن أمام معضلة غير بسيطة. قاعدة التأييد له، إلى جانب الاغلبية الساحقة من الجمهور اليهودي في «بلاد إسرائيل» يطالبون بإحلال قانون «دولة إسرائيل» على المناطق «ج» و«معاليه أدوميم» أولاً. يوجد إجماع. لا عرب كثيرين. ولم يعد يوجد أوباما. نتنياهو وحده هو الذي لا يزال غير قادر على أن يخرج من فمه كلمات: خطة الدولة الفلسطينية ماتت. ومن البيت الابيض تأتي رسائل تقول: ليس لنا في هذه اللحظة الوقت لكم. الادارة لم تنظّم نفسها بعد. ثمة حاجة إلى تعيين مئات الموظفين. قرّروا أنتم ماذا تريدون. هاتوا بخطة مرتبة للقاء مع ترامب. وفي هذه الاثناء افعلوا. لن نزعجكم. وجاءت إلى مكتب نتنياهو، ظاهراً، رسائل متضاربة أيضاً: انتظروا اللقاء مع ترامب.

منذ يومين نهض نفتالي بينيت وكله بسالة وبطولة. واليوم سيطرح في جلسة «كابينت» مطلباً ضمّ «معاليه أدوميم»، وإلا الويل. بالطبل والزمر دخل إلى جلسة «كابينت». وفي المساء نشر بيان «كابينت»: بالاجماع أي بما في ذلك بينيت اتخذ القرار بتأجيل الخطة إلى موعد آخر. حجر رحى نزل عن رقبة نتنياهو. فقد حصل على تأجيل، وحتى ذلك الحين الله كبير. فسيجد مبرراً جديداً.

يمكن القول: انتظرت «معاليه أدوميم» خمسين سنة، فلتنتظر شهراً آخر. غير أن التخوف العميق هو أنه اذا خرج نتنياهو إلى اللقاء مع ترامب ولم يكن في يده ذرة خطة ضم، بل مجرد شرطين ثلاثة شروط اخرى تثقل على إيران، شقة فاخرة لسفير الولايات المتحدة في القدس وغض النظر عن البناء في القدس فستضيع هباء فرصة تاريخية لتغيير خريطة الشرق الأوسط. فترامب لن يكون مخلصاً لبلاد «إسرائيل» أكثر من نتنياهو.

في «الليكود» يؤمنون ايماناً دينياً حقاً بأنه يجب عدم إنزال رئيس وزراء قائم من «الليكود» عن كرسيه. هذا أكثر قدسية من «بلاد إسرائيل»، ولهذا فإنهم لم يطيحوا نتنياهو حتى بعد خطاب «بار إيلان». ولكن عندما تحوم سحب جنائية قاتمة في سماء نتنياهو، وهو لا يزال يتمسك بالدولة الفلسطينية فان حتى آخر مؤيديه غير العاقلين في «الليكود» من شأنهم أن يكفّوا عن الاستلقاء على الجدار من اجله والوقوف لحمايته. فسيبحثون عن قيادة بديلة، تكون، لغرض التغيير، موالية لـ«بلاد إسرائيل». يجدر بنتنياهو أن يأخذ هذا بالحسبان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى