«حبلي En cinq»… مُدّد لها
اعتدال صادق شومان
«حبلي En cinq»، مسرحية تُؤدّى على خشبة مسرح «مترو المدينة» في العرض الذي انطلق الأسبوع الفائت، والذي مُدّد له حتى 20 شباط الحالي، نظراً إلى الإقبال الكبير على المسرحية، وهي من تأليف الفنان غبريال يمين وإخراجه، وتلعب دور البطولة فيها الممثلة المحترفة ندى أبو فرحات، إلى جانب كلّ من أسامة العلي وزينب عساف وجويس أبو جودة.
«حبلي En cinq»، مسرحية تتّسم بالطرافة في تناولها لفكرة قديمة متجدّدة، تدور حول موقع المرأة في الأعراف والعادات في المجتمع الأسري الضيّق، أو على صعيد المجتمع ككلّ، وما يتكوّم عليها من آثار سلبية ومعاناة وآلام تضعها في خانة «التوتّر العالي»، تؤدّيها «كلير»، المرأة الحامل في شهرها الخامس التي تستعرض في شريط سينوغرافي وتمثيلي مخاوفها كلّها، وتجربتها منذ بدء تكوّن أنوثتها حتى اكتمالها، نتيجة تربية وثقافة مبرمجتين ضمن عقول الأهل، للمفهوم السائد حول البنت «يللي بتجيب العار أو المعيار»، و«همّ البنات من الحياة للممات»، مقولات تُخضع الفتاة لشتى أنواع الضغوطات، وتدفعها في النهاية إلى الزواج من أيّ رجل «يناسب» العائلة وقد لا يناسبها.
شخصية الفتاة العانس أو المرأة العاقر، لطالما تناولتها الأعمال الفنية في السينما أو المسرح في نمطيها الكوميدي أو التراجيدي الجاف والقاسي، ولم تزل هذه الشخصية تجد حضوراً في الأعمال الفنية الجديدة، رغم أنّ الزمن تغيّر وتغيّرت معه مفاهيم إشكالية عدّة، أوّلها تخطّي صبايا اليوم معايير ذاك الزمن في نظرته إلى المرأة، إذ لم يعد الإقبال على الزواج خوفاً من رميهن بـ«شبهة» الفتاة العانس، يشغل بالهن كثيراً. وهذه حقيقة فرضت حالها على البنية الاجتماعية على اختلاف شرائحها. حتى أنه ظهرت مؤخّراً دعوات ساخرة عدّة، تدعو الفتيات إلى عدم الزواج، مع طرح كليشيات ساخرة من باب الفكاهة مثل «عوانس لأجل التغيير»، و«عانس ولي الشرف»، وكثير من هذه «الأفيشات» أنثوية الطابع.
بالعودة إلى مسرحيتنا، انطلقت الفكرة «حبلي En cinq» من خاطرة لندى أبو فرحات، التي تؤدّي دور «كلير» في المسرحية، يوم أبدت رغبتها أمام الفنان غبريال يمّين في الصعود إلى المسرح وهي حامل بشهرها الخامس، لتنقل تجربتها ومشاعرها الحقيقية وانفعالاتها الخاصة عن الزواج والحمل. ليتلقّف يمّين الفكرة ويقدّمها معدّلة، في إعادتها إلى صيغتها القديمة «الزواج خوفاً من العنوسة». ولاحقاً، انتظار المولود وتحديداً «الصبي»، في نقد اجتماعيّ ساخر، سواء في طرحه الأسئلة، أو في استنباطه الأجوبة من نوع «هل زواج المرأة شرط؟»، أو «إنّ الإنجاب حالة حتمية».
يبدو أنّ هذا النوع من الأعمال لم يزل يجد رواجاً رغم انتفاء مبرّراته تقريبا من المجتمع، أو على الأقل بالنسبة إلى الجمهور متلقّي المسرحية، وجلّهم من الشباب الذي لم يعد يقيم للعادات في مسبارها القديم أيّ اعتبار لجهة خياراته الشخصية المغايرة تماماً للنمط الذي يقدّمه العمل، من حيث اختلاف طموحاته المعاصرة، والقادر على الأخذ بزمام المبادرة في كافة شؤونه الخاصة والعامة وأهدافه من الحياة، ولا يخضع في سلوكه إلى أيّ من تلك المعايير، ولا وجود «لمفرداتها» في قاموسه اللغويّ الجديد، هذا لجهة الفكرة بحدّ ذاتها.
أما العمل في جانبه الأدائي لللاعبين على المسرح، فجاء متميّزاً ومنقذاً للفكرة من مفعولها الرجعيّ، بأداء عفويّ جميل من الممثلة ندى أبو فرحات التي بقيت ممسكةً بالشخصية وناصية المسرح معاً، رغم «حملها» في شهورها الخمسة، أداء تكامل مع الجهد المتميّز الذي قام به الممثلون أسامة العلي وزينب عسّاف وجويس أبو جودة، في المشهد الخلفيّ للمسرحية لشخصيات عدّة، في نصّ كوميديّ متماسك و«خفّة دم» منعت الملل والضجر من التسلّل إلى الجمهور، وجلبت ضحكاتهم في أكثر من لوحة كاريكاتيرية.
ونستطيع القول، إنّ العمل في مجمله «مكمّل لبعضه» إخراجاً وأداءً، ولكن يخطر في البال سؤال، على قاعدة «فرضاً إنّو» المخرج غبريال يمّين أبقى الفكرة كما في «تكتيكها» الأول كما شاءته «المرأة الحامل» ندى أبو فرحات تعبيراً حقيقياً لانفعالاتها وتجربتها الشخصية بصيغتها الحديثة والمعاشة فعلاً، من دون أن يخضع النصّ للمقاربة القديمة في الزمان والأحوال؟ خصوصاً في ظلّ التغيّرات في الموروث الاجتماعي والثفافي والاقتصادي، ومع نشوء تكوين متسارع مختلف في القيم والسلوكيات في حياة الأفراد والمجتمعات عامة والمرأة على وجه الخصوص؟