حول ما يجري في إدلب
حميدي العبدالله
لا شك أنّ الصراع الدائر في محافظة إدلب بين الجماعات المسلحة يعود في جزء منه إلى حقيقة أنّ الجماعات المتشدّدة والتكفيرية، عموماً يصعب عليها الاتفاق والتوحّد. كان هذا في الصومال وفي الجزائر، وحيث ما سادت وسيطرت هذه الجماعات. وفي غالب الأحيان يكون محرك الصراع مزيجاً من المصالح الذاتية والاجتهادات الفقهية. ويمكن الاستنتاج أنّ صراعات الجماعات المسلحة التي لم تتوقف في سورية منذ بدأت هذه الجماعات تسيطر على بعض المناطق تندرج في هذا الإطار، فالصراع بين داعش والنصرة لا يمكن تفسيره إلا على هذا الأساس، والصراع بين أحرار الشام والنصرة يأتي في السياق ذاته.
لكن الصراع الدائر الآن في محافظة إدلب، والاصطفافات الجارية، تضيف عاملاً جديداً إلى عوامل الصراع بين الجماعات المسلحة في سورية، هذا العامل الجديد يكمن في واقع أنّ هذا الصراع والاصطفافات لها صلة بأمرين أساسيين:
الأمر الأول، ارتباطات الجماعات المسلحة، إذ أنّ بعض هذه الجماعات مرتبط بالمملكة العربية السعودية وقطر. ومعروف أنّ هاتين الدولتين ترفضان أيّ تسوية سياسية سلمية للأزمة في سورية إلا ضمن شروط تؤمّن هيمنة هاتين الدولتين على سورية، ومن الصعب أن تغيّر هاتان الدولتان موقفهما إذا لم تغيّر الولايات المتحدة مقاربتها من الأزمة السورية، لكن بعض الجماعات الأخرى ارتباطها بتركيا أقوى من ارتباطها بالسعودية وقطر.
الأمر الثاني، تعارض مصالح تركيا في بعض القضايا الجوهرية مع مصالح كلّ من السعودية وقطر والولايات المتحدة. أنقرة التي يجمعها مع هذه الدول الثلاث الرغبة في إسقاط الدولة السورية، باتت الآن على قناعة بأنّ ذلك بات أمراً خارج كلّ التوقعات ولا سيما بعد تحرير حلب، والفوضى القائمة الآن على الحدود السورية – التركية باتت تشكل تهديداً حقيقياً للاستقرار في تركيا.
كما أنّ تعاون الولايات المتحدة الوثيق مع أكراد سورية، يشكل تهديداً للأمن القومي التركي كون أكراد سورية مؤيدين لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً ضدّ الجيش التركي منذ منتصف عقد الثمانينات في القرن الماضي.
الفوضى على الحدود السورية التركية وما تحمله من مخاطر، إضافة إلى تعاون الولايات المتحدة العسكري مع أكراد سورية هذا هو الذي دفع تركيا إلى إنشاء تعاون مع بعض الدول مثل روسيا وإيران، والتوصل إلى تفاهمات «إعلان موسكو» و«إعلان أستانة» من دون تنسيق مسبق مع كلّ من الولايات المتحدة والسعودية وقطر.
وبسبب قبول تركيا «إعلان موسكو» و «إعلان أستانة» إضافة إلى وقف العمليات العسكرية، انفجر الصراع بين الحلفاء الإقليميين، وكان صراع المسلحين في إدلب ترجمة لهذا الصراع.