المناطق الآمنة حبّ أميركي قاتل والوحدة القومية في سورية هي السيف والترس

اياد موصللي

عندما حصلت نكبة فلسطين نتيجة العدوان الاسرائيلي واحتلال أجزاء كبيرة من البلاد وتشرّد نتيجة لذلك ابناء فلسطين ونزحوا نحو لبنان وسورية والعراق ومصر والأردن.. ومن أجل إيجاد أماكن آمنة لإقامة اللاجئين حيث هم.. أقيمت أماكن للسكن عرفت بمخيمات اللجوء وهي عبارة عن خيم او مساكن خشبية أو أكواخ من الشينكو.. واعتبرت هذه المخيمات مؤقتة ريثما تنتهي أسباب النزوح فيعود النازحون الى أرضهم ومنازلهم آمنين…

بدأ النزوح نهايات عام 1947… واستمرّ مع استمرار العدوان، ونحن الآن في العام 2017، ايّ مضى على وجود النازحين في المخيمات ما يقارب السبعين عاماً.. ونشأت أجيال عديدة لا تعرف سوى مكان وجودها ولكنها لا تعرف موطن نشأتها… وبدأ الآن الحديث والعمل على توطين هؤلاء حيث هم ومنحهم جنسيات الدول التي يقيمون فيها.. مع ما يترتب على هذا كله من سلبيات..

صحيح انّ جميع هؤلاء النازحون هم أبناء الأمة، ولكن الكيانات القائمة مع الأنظمة الممثلة لها والحدود المرسومة حولها تقضي بأن تحافظ هذه الكيانات على وجودها حتى يتمّ توحيدها بإرادة أبنائها لاستعادة شخصيتها القومية.. منعاً لزوالها تحت وطأة إذابتها في دمج أو سلب او احتلال كما جرى في اسكندرون وفلسطين.

قال سعاده: «ان أزمنة مليئة بالصعاب تمرّ على الأمم الحية فلا يكون لها خلاص منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة».

هذه البروفة هي تماماً ما يحاول الأميركيون اليوم تكراره في سورية والعراق، تحت عنوان المناطق الآمنة ليقيم فيها النازحون الفارّون من الإرهاب والعنف الذي يمارسه الإرهابيون… حيث يأمل أصحاب المشروع جعل هذه المناطق يوماً ما مستقراً لشرائح مذهبية او عنصرية وتصبح المناطق الآمنة لفئة من سكان البلاد وأبنائها.. ويتمّ اختيار هذه المناطق الآمنة قرب الحدود التركية او اية نقطة حدودية لها انعكاسات مستقبلية وتفرّعات استراتيجية تغذيها روح انفصالية كيانية تؤدّي لضمّ المناطق الآمنة.. وبذلك يتمّ التقسيم الهادئ هذه هي المناطق التي تريد أميركا إقامتها لضمان الأمن والسلام للسوريين النازحين الفارين من العنف الذي صنعته أميركا وأخواتها وربيباتها وفق المخطط الاسرائيلي ولولا أميركا لما كانت هنالك مبرّرات نزوح ولا كان هنالك عنف نجم عنه هذا النزوح وهنا ينطبق القول على أميركا: «ليتك لم تزن ولم تتصدق…»

فشلت المؤامرة الكبرى وأجهزتها.. تركيا السعودية قطر وما يماثلهم في العمالة.. رغم كلّ الدعم اللوجستي الذي قدّم للقوى الإرهابية وصمد السوريين وأفشلوا المخطط وصحّ فيهم القول: «انّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ…»

كانت المؤامرة وما خطط بموجبها تقضي ان تحقق نجاحها المخطط الاسرائيلي الموضوع لهذه المرحلة.. وقد حدّدت المؤسسة الأمنية «الاسرائيلية» في أوائل ثمانينات القرن الماضي ما تفكر به ونشرت في شباط 1982 عبر مقالة صحافية للمنظمة الصهيونية العالمية وكتبها اودين بينون وهو من كبار المسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية وله علاقات قوية بجهاز الموساد والعنوان هو «استراتيجية اسرائيل».. هذه الاستراتيجية تفضي بجعل «إسرائيل» قوة اقليمية، واما الجزء الآخر من هذه الاستراتيجية فهو تفتيت العالم العربي الى فسيفساء من الجماعات الاثنية والدينية المتناحرة التي يمكن التلاعب بها بسهولة من أجل خدمة المصالح «الاسرائيلية»، كما انّ من المخطط الذي تضمّنته الاستراتيجية زرع بذور الشقاق بين المسلمين والأقباط في مصر بما يؤدّي لخلق دويلة إسلامية في الشمال ودويلة مسيحية قبطية في الجنوب.. انّ اضعاف الدولة المركزية في مصر وحرمان العالم العربي من الدولة القوية التي تستطيع لمّ شمله، وبتهميش مصر يصبح بإمكان «إسرائيل» تفتيت بقية الشرق الاوسط بسهولة نسبية. ويقول «العالم العربي الإسلامي مبني مثل برج من ورق اللعب وهو مقسم الى 19 دولة تتألف من فئات من الأقليات يعادي بعضها بعضاً بحيث انّ الإطار الاثني الاجتماعي لكلّ من الدول العربية الاسلامية يمكن ان يتحطم الى درجة الحرب الأهلية التي توجد في بعضها مثلاً…»

وتابع يقول: «انّ هذا النموذج بادٍ للعيان في دول المنطقة وانّ معظم الدول تعاني مصاعب مالية خطيرة ويمكن تفتيتها بسهولة بالغة..

وتابع يقول: «ان التفسّخ التامّ في لبنان الى خمس حكومات محلية إقليمية يشكل سابقة لكلّ العالم العربي بما فيه مصر، وسورية والعراق وشبه الجزيرة العربية، بطريقة مماثلة. ويشكل تفتيت مصر، والعراق من بعدها، الى مناطق ذات أقليات اثنية ودينية على غرار لبنان، الهدف «الاسرائيلي» على المدى البعيد، على الجبهة الشرقية، وإضعاف هذه الدول عسكرياً حالياً هو الهدف على المدى القريب. وسوف تتفتت سورية الى دويلات عديدة وفق تركيبها الاثني والطائفي، كما يحدث في لبنان اليوم. وفي النتيجة ستكون هنالك دولة شيعية علوية، وستكون منطقة حلب دولة سنية، ومنطقة دمشق دولة أخرى معادية للدولة الشمالية… وتقسيم العراق أهمّ من تقسيم سورية. فالعراق أقوى من سورية، وتشكل قوة العراق على المدى البعيد الخطر الأكبر على «إسرائيل»…

ويمكن تقسيم العراق على أسس إقليمية وطائفية على غرار سورية في العهد العثماني. وستكون هنالك ثلاث دول حول المدن الرئيسية الثلاث: البصرة، وبغداد والموصل، بينما ستكون المناطق الشيعية في الجنوب منفصلة عن الشمال السني الكردي في معظمه».

يقول سعاده: «تسقط أجسادنا اما نفوسنا فقد فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود».

السؤال البديهي إذا كانت المناطق الآمنة ستقام في سورية وعلى الأرض السورية والذين سوف يقيمون فيها سوريون.. فما هذا الاهتمام بهم وهم على أرضهم وفي بلادهم وبرعاية دولتهم وسلطاتها.. والأقربون أولى بالمعروف.

جواب السؤال نعرفه لأنه خطوة في طريق محاولة تجزئة وتفتيت البلاد عبر إجراءات مشبوهة. بحجة إسكان هؤلاء الناس وبالإمكان إسكانهم في أماكن سيطرة الدولة حيث الأمان والهدوء.. لكن ما تريده أميركا من مشروعها هو ما تريده إسرائيل.. وبعد المناطق الآمنة يبدأ التحريض للأكراد من أجل اقامة كيان كردي.. والكردي هو أساساً سوري مكوّن أساسي في الوطن والشعب ويحصل التفتيت..

ويقول بينون انطلاقاً من الاهتمام بتأمين وضع الدولة اليهودية في المنطقة فإنّ «المصلحة هي في إضعاف عدوهم الرئيسي وهو القومية العربية واستئصال شأفتها.. المشروع الأميركي الجديد استشارت اميركا فيه المسؤولين السعوديين الذين ايدوه وشجعوا عليه»…

ونحب ان نذكّر من يجب ان يتذكّر انّ محاولات تقسيم سورية عديدة وآخرها بعد تنفيذ معاهدة سايكس بيكو واحتلال فرنسا لسورية قسمت البلاد الى أربع حكومات.. حكومة سنية في حلب، حكومة علوية في اللاذقية ومناطقها، حكومة درزية في جبل العرب وحكومة سنية ثانية في دمشق ومحيطها.. رفض السوريون جميعهم هذا الأمر واعلنوا ثورة شاملة لكلّ فئات الشعب وسقط المشروع.. فنحن ننتمي لأمة ابت ان يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة..

حب اميركا للسوريين النازحين ينطبق عليه المثل القائل: «ومن الحب ما قتل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى