القضيّة الفلسطينيّة منسيّة والعرب يطبّعون!

سماهر الخطيب

منذ عقد من الزمن، وتحديداً عام 2006 عندما تعرّض قطاع غزة للحصار الشديد، شهد العالم العربي الكثير من التغيّرات والتطورات، سواء على صعيد المشهد الداخلي أو على صعيد تفاعلاته مع القضيّة الفلسطينية.

قادت هذه التغيّرات إلى تحوّلات في البيئة الاستراتيجية المحيطة بالقضية، وقد شكّلت التطوّرات التي شهدتها دول المنطقة، وبشكل خاص في سورية والعراق وآثار الحرب على الإرهاب فيهما، تأثيراً بارزاً على محور هذه التحوّلات وتراجع قوى التهديد على الجبهة الشمالية، لتصبّ في غالبيّتها اتجاه تعزيز موقع الكيان الصهيوني نظراً لما شكّلته الحرب من استنزاف للجيش السوري والمقاومة، وبالتالي إضعاف المقاومة الفلسطينية التي تأثّرت سلباً بالأزمة السورية.

في الوقت نفسه، أدّى احتدام الصراع الداخلي في الدول العربية إلى تعميق الأزمات الداخلية وتطوّرها إلى حروب إقليمية، كما في السعودية واليمن وليبيا والبحرين وغيرها، ممّا أدّى إلى إضعاف عوامل القوة الذاتية والتي تشكّل عوامل داعمة للقضية الفلسطينية، فالخسائر البشرية والاقتصادية والسياسية الضخمة التي ألحقها الصراع بالدول العربية، علاوة على الشرخ الاجتماعي الذي أوجده بين مكوّناتها، تعني أنّ المنطقة ستكون منشغلة لسنوات طويلة في تعويض خسائرها وترميم آثار الصراع.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه الصراعات أخذت مكانة متقدّمة ضمن سلّم الأولويّات على حساب القضية الفلسطينية، وخصوصاً مع تحوّلها إلى عملية إعادة تشكيل للخريطة الجيو سياسية للمنطقة سعياً وراء إعادة إحياء سايكس بيكو بطريقة جديدة تؤدّي إلى تقسيم المقسّم بمشاركة دول عربية وقوى دولية كبرى، وهو ما يتجسّد بوضوح في الحرب السورية.

أمّا عن المواقف العربيّة اتجاه القضية الفلسطينية، فهي كانت محدودة ولم تكتفِ بالتراجع فقط بالانشغال عنها والتنازع على النفوذ في المنطقة، بل وأكثر اتجهت نحو التطبيع مع العدو الصهيوني، من دون الاكتراث لما يتعرّض له شعبنا في فلسطين من انتهاكات ومجازر ومعاناة الحصار.

وفي جولة التطبيع هذه التي بدأتها الدول العربية من دون حياء يُذكر، كشفت الوثائق والتقارير الكثير من التنسيقات مع العدو الصهيوني، منها الوثائق التي كشف عنها العميل الأميركي «إدوارد سنودن» عام 2014 عن استعانة الولايات المتحدة بأجهزة استخباريّة عربية لدعم حليفتها «إسرائيل»، وتحديداً الأردنية والفلسطينية التابعة للسلطة ، لتقديم خدمات التجسّس الحيوية المتعلّقة بالأهداف الفلسطينيّة.

وقالت وكالة الأمن القومي، إنّ الأردن يغذّيها ببيانات تجسّسية عن الفلسطينيّين، وهو ما أوردته إحدى الوثائق المصنّفة منذ العام 2013، قائلة: «شراكة وكالة الأمن القومي مع مديرية الحرب الإلكترونية الأردنية علاقة موثوقة يعود تاريخها إلى أوائل عام 1980».

وفي السِّياق، يقول تقرير نشره موقع «بلومبرغ» الإخباري الأميركي، إنّ هناك التحاماً منطقيّاً للمصالح بين الطرفين، «السعودي والإسرائيلي»، بناءً على مخاوف مشتركة من «القنبلة الإيرانية والإرهاب الجهادي، التمرّد الشعبي، والتراجع الأميركي في المنطقة». ثمَّ إنّ شركة IntuView لديها تراخيص التصدير والدّعم الكامل من «تلّ أبيب» لمساعدة أيّ بلد يواجه تهديدات من إيران، وأفاد التقرير أنّ السعودية وغيرها من الدول العربية الغنيّة بالنفط سعيدة جداً بدفع ثمن المساعدة، أمّا «المقاطعة العربية فلا وجود لها».

وكشف التقرير، أنّ شركات في أوروبا والولايات المتحدة يمتلكها مقاولون «إسرائيليون»، تولّت تهيئة البُنية التحتيّة الأمنيّة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وباستخدام مهندسين صهيونيّين، ثمّ تولّت الشركات نفسها عملية إدارة الاكتظاظ في مكة خلال موسم الحج.

كما تعمل شركات صهيونية أخرى في منطقة الخليج تحت غطاء شركات وهميّة في مجالات تحلية مياه البحر، حماية البُنية التحتية، الأمن السيبراني وجمع المعلومات الاستخبارية.

وفي هذا السِّياق، تحدّث «أيوب قرا»، أحد أعضاء حزب الليكود في الكنيست ورجل «نتنياهو» للتعاون الإقليمي، عن السعودية قائلاً: «إنّهم يريدون تكنولوجيّتنا وخبرتنا، ويريدون حقاً إبعاد «الصداع» الفلسطيني عن طريقهم». كما أنّه يعمل مع دبلوماسيّين خليجيّين عبر شركاء رفيعي المستوى في الحكومة الأردنية، لإعادة فتح طريق «إسرائيل» – السعودية في اتجاه الجزيرة العربية على امتدادها الواسع. يقول قرا: «قريباً جداً ستكون الأمور معلنة، وسترى نتنياهو يهبط في واحدة من هذه الدول».

أمّا مصر، فهي لم تتّجه فقط نحو التطبيع التزاماً باتفاقيّة كامب ديفيد، بل وأكثر. فقد كانت كشريك في الحصار على قطاع غزة، وذلك بإغلاق معبر رفح، إضافةً إلى ما قامت به من هدم للأنفاق المقامة بين القطاع والأراضي المصرية، والتي كانت تشكّل شريان الحياة الذي يعتمد عليه سكان القطاع لإدخال البضائع والسلع الضرورية في ظلّ استمرار الحصار وإصدار قانون يعاقب حفر الأنفاق أو استخدامها أو تجهيزها لأيّ غرض بالسجن المؤبّد.

وكان الخبير الصهيوني يوسي ميلمان، وصف العلاقات الصهيونية مع مصر في عهد السيسي بأنّها كنز استراتيجي، وقال: «إنّه منذ اعتلاء الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم في مصر نشأت بينه وبين دولة الاحتلال علاقات وثيقة هي الأقوى من نوعها، وباتَ التعاون الأمني بين القاهرة و«تلّ أبيب» في حالة تحسّن تدريجي مع الوقت». كما أشارت القناة العاشرة للعدو أكثر من مرة إلى توثيق العلاقات بين السيسي ونتنياهو، وأنّ الأخير ينظر بعين الرِّضى إلى العلاقة الاستراتيجية التي نشأت مع مصر.

في ضوء المعطيات القائمة وضعف التوصّل إلى صحوة عربية اتجاه القضية الفلسطينية، والتي أصبحت خارج الأولويّات والاهتمامات، تبقى المقاومة هي السبيل الوحيد لدفع هذه القضية ضمن أجندة الأولويّات، عسى أن تلتقي المصالح العربية وتعود البوصلة لوجهتها الفلسطينيّة الأساسيّة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى