الرفيق الشهيد الياس عيسى

عرفته بُعيد انتمائه الى الحزب، طالباً، مديراً، فمنفذاً عاماً لزحلة.

لفتني بطلّته، بكفاءاته، بذكائه، بالتزامه الرائع في الحزب.

التقيت به كثيراً، ودائماً كانت أواصر المحبة والاحترام سائدة. في تلك الفترة وما بعدها، تعرّفت على عدد كبير من رفقاء الفرزل، وشدّتني إليهم معرفتي بصدق التزامهم وقد كانوا الى سنوات، عصب العمل الحزبي في منطقة زحلة.

عنه، وعن الفرزل يُحكى الكثير. نحن هنا نضيء على رفيق ارتفع شهيداً، انما ندعو فرعنا الحزبي في الفرزل الى واجب إعداد المعلومات عن الحزب فيها، عن بدايات التأسيس، وعن شهداء الحزب، ومناضليه الذين رحلوا وكانوا مجلّين في عطائهم وتفانيهم.

عسى تصدر في كتيّب يكون مرجعاً للرفقاء والمواطنين، في الفرزل وفي باقي منطقة البقاع الأوسط.

نوّجه شكرنا للأمين د. جان قازان، وللرفيقين هنري فرح 1 وجان الياس مهنا، الذين قدّموا لنا المعلومات عن سيرة الرفيق الياس عيسى وعن ظروف استشهاده.

نبذة عن حياته

ولد الرفيق الياس جريس عيسى في الفرزل عام 1947

والدته انطوانيت يوسف حنا سيدي

أخته لور. اخوته الرفيق ميشال، يوسف وجان

تابع دروسه الابتدائية والثانوية في الكلية الشرقية في زحلة

انتمى الى الحزب عام 1968 والتحق، والرفيق الياس مخايل مهنا 2 ابو فراس بالمجموعة التي كانت انتمت قبل عام 1962، المؤلفة من الرفقاء جان جرجس مهنا 3 ابو عبدالله ، سمير ملحم سيدي 4 وجريس مهنا مهنا 5 ، ولم يمض عام 1969 حتى تكوّنت في الفرزل مديرية نشطة فرضت نفسها في المتحد في كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والرياضية، وحتى السياسية.

عام 1970 عيّن الرفيق الياس عيسى مديراً لمديرية الطلبة في منفذية زحلة. عن هذه المرحلة، يقول الأمين جان قازان وقد كان طالباً في حينه: «خلال الأشهر الستة الأخيرة من هذه السنة الدراسية كان هناك بين ثلاث وأربع حلقات إذاعية أسبوعياً تضمّ كلّ حلقة بين خمسة وعشرين وثلاثين طالباً من كافة المدارس الثانوية الرسمية والخاصة في زحله التي كانت تستقطب طلاباً من جميع مناطق البقاع، من الهرمل الى راشيا» .

وعن الفترة ذاتها يقول الرفيق يونس فرح ـ وكان هو أيضاً طالباً في حينه ـ «انّ الشهيد الياس عيسى كان، إذا توسّم بأحد المواطنين الطلبة خيراً، كان يطلب من رفيق أو رفيقين محاولة توطيد الصداقه معه، وملاصقته وتعريفه الى الحزب، وقد نجحت هذه الطريقة مع كثير من المواطنين».

التحق في تشرين الاول 1970 بكلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية في بيروت.

في 2/1/1971 التحق بوظيفة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبقي مواظباً على نشاطه الحزبي.

لم يكمّل تحصيله الجامعي نظراً لظروف عمله، الحزبي والوظيفي.

عيّن منفذاً عاماً لمنفذية زحلة بين العامين 1972 ـ 1973 ويمكننا أن نقول إنه خلال هذه المرحلة لم يكن ينام، وكان هدير سيارته الـ»ب. أم.» يُسمع في البلدة ليلياً بعد منتصف الليل.

تزوج عام 1973 من المواطنة سناء فايز طانوس ورزقا بابنة: زينة، وهي متزوجة من الرفيق جوزف سعد سيدي.

شخصيته ومزاياه

– يقول الرفيق جان الياس مهنا «إنّ الشهيد كان ديناميكياً، جدياً ومتحمّساً للعمل الحزبي، يعمل بشكل متواصل كأنه يريد أن يسابق الوقت«.

– ويقول الرفيق هنري فرح «انّ الشهيد كان في حياته الخاصة مرحاً يحب الحياة وكانت ضحكاته تجلجل في المكان الذي يكون فيه.

– كانت مناقشاته ومساجلاته مع اليساريين تجمع كثيراً من الطلبة في مقهى «أدونيس» في زحلة . ومن أشهر المناقشين الشاب إيلي الفرزلي الذي أصبح في ما بعد نائباً لرئيس مجلس النواب اللبناني.

– كان باراً بقسمه، محافظاً على الأسرار الحزبية. ومن تجلّيات هذه الميزة أنه في إحدى العطل الصيفية استُدعي أخوه الرفيق ميشال للذهاب في دورة حزبية. ورغم معرفته بكافة تفاصيل غياب الرفيق ميشال الا أنه لم يبح بمكان وجوده رغم إلحاح والديه وقلقهما.

– رغم صغر عمره نسبياً كان متمكناً من الخطابة ولبقاً في الحديث. وكي يتدرّب على الخطابة كان يذهب الى الطبيعة بين الكروم ويبدأ خطابه معتبراً أنّ دوالي العنب هي جمهوره.

ظروف استشهاده

في1/7/1975 وردت الى الفرزل معلومات أنّ ثلاثة شبان من اهالي البلدة يسكنون في عين الرمانة ويقاتلون في صفوف الكتائب، قد اختُطفوا على حاجز طيار في بلدة سعد نايل.

انتشر الخبر وضجّت البلدة التي كانت تمور أساساً بصراعات سياسية تاريخية، والتعصّب الطائفي رائج فيها مثل معظم القرى اللبنانية. مما أقلق الحزب من تداعيات قد تترتب على الحادثة، فتحاشى التدخل خوفاً من تأويلات مغرضة، لكنه تحرك من خلال بعض أعضائه باتجاه التهدئة وتحكيم العقل. وقد حاول أحد المتنفذين في الفرزل الاتصال بالمقاومة الفلسطينية، بواسطة معارفه في سعدنايل للإفراج عن الشبان المعتقلين فباءت اتصالاته بالفشل. بيد أنّ احد مخاتير البلدة، ومن المعنيين بالمخطوفين، اتصل بالوحدة الحزبية من خلال أحد أصدقائه القريبين من الحزب طالباً المساعدة.

عندها لم يبق أمام الحزب الا السعي والمحاولة، فكلّف المرحوم الرفيق الياس مهنا، وكان مندوباً مركزياً، الاتصال بالمسؤولين في حركة فتح والعمل على الإفراج عن المخطوفين.

نجح الرفيق الياس بمسعاه، وصباح 2/7/1975 ذهب الى سعدنايل بسيارته، وبرفقته احد أقربائه ومعهما المختار الساعي لتحقيق إنجاز سياسي له، وتسلّم المخطوفين الكتائبيين وعاد بهم الى الفرزل مع مرافقيه، غير عالم بما حصل أثناء الليل من تنافس ومشاحنات وتهديدات بين المختار والمتنفذ وهما على خصومة سياسية.

بعد ذهاب الرفيق الياس مهنا الى سعدنايل والناس في الفرزل على أعصابها، انتشر خبر أنّ تجمّعاً ضمنه مسلحون حصل على الطريق العام أمام بيت المتنفذ بغية إيقاف العائدين وإنزال المخطوفين ولو قسراً، ما دفع أحد الأصدقاء للذهاب بسرعة لتحذير العائدين من أجل تغيير طريق العودة لكنه لم يصل بالوقت المناسب.

وعندما وصل الرفيق الياس مهنا الى تخوم الفرزل فوجئ بالتجمّع فخفف من سرعته بغية الاستطلاع، لكن المختار الذي يرافقه وهو على علم بما هو حاصل، حثّه على الإسراع وعدم التوقف وهكذا حصل وكان أن اندفع المتنفذ أمام السيارة، قيل إنّ احداً من خلفه دفعه بشدة صوب السيارة، فصدمته وقضى نحبه فوراً.

في هذا الوقت حصل إطلاق نار عشوائي أدّى الى مقتل شخصين وجرح آخر من المتجمّعين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما يحصل.

بعد وقوع الحادث بحوالي الساعة كان الرفيق الياس عيسى عائداً من عمله في الضمان الاجتماعي في زحلة غير عالم بما يحصل في البلدة، وبوصوله الى مكان التجمّع أُطلق عليه الرصاص من بعض الذين كانوا لا يزالون هناك فاستشهد على الفور، تاركاً رضيعة وزوجة ثكلى وعائلة مفجوعة بالمصاب، وفراغاً حزبياً صعب تعويضه.

ذلك اليوم 2/7/1975 كان قاسياً جداً على الحزب في الفرزل. فبسبب أجواء التوتر والشحن التحريضي تراجع العمل الحزبي لفترة من الزمن.

اما الفرزل فقد اصيبت مصاباً جللاً بفقدان ثلاثة من شبابها ذهبوا ضحية الصراع السياسي التقليدي.

هوامش

1 -هنري فرح: وافته المنية مؤخراً، وقد عرفته رفيقاً مميّزاً بوعيه والتزامه.

2 -الياس مخايل مهنا: من اوائل رفقائنا في الفرزل. تولى مسؤولية مدير مديرية الفرزل اكثر من مرة، وكان منفذاً عاماً لمنفذية زحلة، وبنى عائلة قومية اجتماعية.

3 -جان جرجس مهنا: هو الرفيق الأول الذي ينتمي من أبناء بلدة الفرزل. والد الرفقاء غسان، يوسف وايلي. عرف بلقب «ابو عبدالله». يروى عنه انه صباح يوم الثورة الانقلابية، ورغم تعرّض الرفقاء للاعتقال حاول ان يلتحق بإحدى التشكيلات الحزبية، ولما سئل الى أين أنت ذاهب، أجاب: ابي واخوتي يقصد رئيس الحزب والرفقاء، يتعرّضون للاعتقال وتريدونني ان لا أدافع عنهم.

4 -سمير ملحم سيدي: عمل محاسباً في بلدية بيروت حتى عام 1975 ثم انصرف الى اعمال خاصة. كان منزله مركزاً للمديرية ومكاناً لعقد الحلقات الإذاعية في فترة: اواخر الستينات وبداية السبعينات.

5 -جرجس مهنا مهنا: انتمى اوائل الستينات في «الكلية الشرقية» في زحلة. وكان مع الرفيق سمير ملحم سيدي عضوان في مفوضية الطلبة. عمل محاسباً في «الضمان الاجتماعي» في بيروت وزحلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى